الإرهاب يراهن على تقليم المخلب التركي
4 يناير، 2017
حافظ قرقوط
لا يمكن النظر إلى أي عملية إرهابية، مهما كان حجمها، وأيًا كانت الجهة المستهدفة من خلالها، بوصفها عملية عابرة، وخاصة في بلد بحجم تركيا، لأسباب تتعلق بمكانتها الجيوسياسية، وأيضًا بالوضع الداخلي، وطموحاتها ونهضتها الاقتصادية التي جعلتها في عداد مجموعة العشرين.
تأتي العملية التي استهدفت النادي الليلي في مدينة إسطنبول -ليلة رأس السنة- في سياق مشهد شبه متكامل، من مسلسل له فكرته وأبطاله وممولوه ومتابعوه، وما إلى ذلك. وذكر موقعي (ترك برس) و(عربي 21) أنه خلال العام الفائت -2016- وحده، تعرضت تركيا إلى نحو 20 عملية إرهابية متفرقة.
إن استهداف ملهى ليلي في إسطنبول يعرفه السياح جيدًا، يهدف إلى ضرب أهم مقومات الاقتصاد التركي؛ السياحة، وما يُدّلل على ذلك وجود عدة جنسيات بين الضحايا.
تشير الطريقة التي نُفّذ بها الحادث إلى أن المهاجم، كان يهدف إلى إيقاع أكبر عدد من الضحايا، وبالتالي؛ توجيه أكبر عدد ممكن من الرسائل متعددة اللغات والجنسيات، بينما كان الهجوم السابق الذي استهدف السفير الروسي في أنقرة، أندريه كارلوف، في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يرمي إلى فتح موضوع العلاقات التركية – الروسية، وربطها مباشرة بالملف السوري، عندما تلفّظ القاتل بكلمات تخصّ حلب وموقف روسيا من سورية.
كان تنوع العمليات الإرهابية في تركيا، يفتح لدى المواطن التركي عناوين مختلفة للنقاش، وكل واحدة كانت تهدف إلى إثارة شريحة معينة، فالعملية الأخيرة باستهدافها ملهى ليليًا في بلد إسلامي، تنمو فيه الدعوات عند بعضهم إلى عدم الاحتفال بهذه المناسبات، تجعل المعارضة التي تتهم حزب العدالة والتنمية الحاكم، بأنه يريد أن يأخذ البلد بعيدًا عن العلمانية، هي الهدف الثاني والمهم أيضًا من العملية، أي جعل بعض شرائح المجتمع التركي تواجه بعضها بعضًا، بمشروعاتها ورغباتها السياسية والاجتماعية، أي: مسألة “العلمانية – الإسلامية”، ومن هنا نفهم عد المسؤولين الأتراك أن الإرهاب واحد، أيًا كان المستهدف فيه.
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تعقيبًا على الحادثة، بحسب وكالة “الأناضول”: إن “الأطراف التي تستهدف أمن شعبنا، تحاول، بالتعاون مع عملائها، إحداث حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في بلادنا، عبر تنفيذ هجمات وحشية تستهدف المدنيين، وترمي إلى زعزعة معنويات الشعب”، ودعا إلى “التحلّي بالوعي والحكمة، والتكاتف تكاتفًا أكبر”.
من جهته، قال محمد غورمير رئيس “الشؤون الدينية” في تركيا: إن “ترفيه الناس عن أنفسهم حق لهم، كما أن العبادة حق لهم”، وهذا لقطع الطريق عن أي حديث يتعرّض لموضوع الملهى ورواده والحفلة المتعلقة برأس السنة.
في كانون الثاني/ يناير بداية عام 2016، كان الهدف موقعًا سياحيًا مهمًا وسط إسطنبول، وهو حي السلطان أحمد، وكان الضحايا في غالبيتهم أجانب، أي الهدف هو السياحة والاقتصاد والأمن.
وفي إسطنبول نفسها جرى استهداف مركز للشرطة، بتفجير دراجة نارية مفخخة، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهو ما يدل على أن الرسائل الموجهة تريد التأكيد على أن الأمن ضعيف، وأنه على تركيا التحوّل عن الأسلوب الديموقراطي في الإدارة؛ لتعود دولة أمنية تُشبه مُحيطها بعيدًا عن أوروبا، وبالتالي؛ تصبح دولة غير جاذبة للاستثمار، ولا تحظى بفرص النمو التي حققتها.
بينما كان الانفجار الذي حدث في أنقرة في شباط/ فبراير 2016، مُعدًا لاستهداف قافلة عسكرية، وقد أوقع عددًا من القتلى والجرحى، مع الإشارة إلى أن عدة انفجارات حصلت في مواقع مختلفة من تركيا، استهدفت مواقع وسيارات شرطة، وكانت الاتهامات تذهب نحو حزب العمال الكردستاني.
في حين يعدّ بعضهم استهداف عرس في حي شعبي بمدينة غازي عينتاب جنوب تركيا، في آب/ أغسطس الماضي، الغاية منه إثارة مشكلات داخلية، من خلال الدفع إلى توتر بين الأكراد والأتراك واللاجئين السوريين.
يمكن الإشارة هنا إلى محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت في تموز/ يوليو 2016، للعودة بالبلاد إلى حكم العسكر، فحجم الإعداد الذي تمتعت به تلك المحاولة، والإمكانات الضخمة التي توفرت لها، وأصناف القطع العسكرية التي كانت مجهزة للمشاركة فيها، كانت محط اهتمام كثير من المتابعين، وفي المقابل، فإن حجم القوى المدنية والشعبية، التي وقفت في وجهها وتكاتفت في شوارع جميع المدن، وبالذات إسطنبول، ومن جميع الأحزاب التركية، حتى الأشد حدة تجاه حزب العدالة والتنمية الحاكم، كانت هي الأخرى مُلفتة.
لعل المواجهة التي كانت مرتقبة من تلك المحاولة الانقلابية، بين العسكر والشعب، التي لو قُدر لها أن تتم وتتفاعل بما رُسم لها، لكانت أودت بتركيا إلى حرب أهلية طويلة الأمد.
تعدّ تركيا نفسها مُستهدفة بعمليات إرهابية، من “حزب العمال الكردستاني” الذي تصنفه منظمة إرهابية، وتحاربه في الداخل وفي العراق وسورية، وتطالب الأوروبيين وغيرهم بمساعدتها في محاربته، وهو ما جعل بعض الخلافات السياسية تظهر إلى السطح، بين تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة بعد تعثّر دخولها إلى الاتحاد كما كان مقررًا.
وكانت تركيا أعلنت في آب/ أغسطس 2016، انطلاق عملية عسكرية كبيرة، بمشاركة فصائل من الجيش السوري الحر، ضد تنظيم الدولة (داعش) في شمال سورية، باسم “درع الفرات”، وحققت تقدمًا واضحًا، وعلى مساحات ليست بقليلة، وضربت عصفورين بحجر، إبعاد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقطع الطريق على “قوات سورية الديموقراطية” التي أساسها تنظيمات كردية وتدعمها أميركا، من التمدد بالمنطقة بحجة محاربة تنظيم الدولة، وتعد نفسها ضمن تحالف دولي لمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط، وقد أعلن تنظيم الدولة بدوره، أن تركيا مُستهدفة مباشرة بعملياته وخططه.
يلاحظ المتابع للسياسة التركية خلال المرحلة الماضية، تحولات مع دول الاتحاد الأوروبي، تبادل فيها الطرفان التهم، وتحديدًا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.
كذلك كان واضحًا توتر العلاقات التركية الأميركية في عام 2016، وأيضًا بسبب اتهام انقرة لواشنطن بتباطؤ إدانة المحاولة الانقلابية، وعدم تعاونها بتسليم فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات التركية بإدارة تلك المحاولة.
يُشار هنا إلى أن التوتر الذي شاب العلاقات التركية الروسية، إثر إسقاط تركيا لمقاتلة روسية، تحوّل إلى تنامٍ واضح بالعلاقة السياسية والاقتصادية بين البلدين، وإلى تنسيق مباشر في الملف السوري، الذي نتج عنه إعلان هدنة يُشرف عليها الجانبان، كذلك الدفع منهما نحو عملية سياسية، ما عده بعضهم موجهًا مباشرة نحو الغرب، الذي تراه تركيا أنه خذلها في هذا الملف كما خذل السوريين.
إضافة إلى ذلك، يتوقع بعض المحللين السياسيين، من خلال كتاباتهم ورؤيتهم، أن هنالك قلقًا إيرانيًا كبيرًا من هذا التطور المهم للعلاقة والتنسيق بين أنقرة وموسكو، الذي من المرجّح أنه سيكون على حساب الدور الإيراني في سورية، الذي بات أكبر من توقعات الجميع، لما استقدمه من ميلشيات غريبة، وهو القلق نفسه الذي يتشارك به النظام السوري مع إيران وسيحاربانه.
قد تكون جهات عدة مستفيدة من كل تلك العمليات الإرهابية في تركيا، ومن الصعب أن تكون على تنسيق في ما بينها، لكن من الطبيعي أن تصب مصالحها في هدف واحد، هو إشغال تركيا بملفاتها الداخلية، لتتقوقع من جديد على نفسها، وينحسر دورها الإقليمي.
[sociallocker] [/sociallocker]