‘واشنطن بوست: “ثورة ترامب في السياسة الخارجية”’
1 فبراير، 2017
أحمد عيشة
حركات الرئيس ترامب في منتجع الكونغرس الجمهوري في فيلادلفيا يوم 26 كانون الثاني/يناير (مات رورك/ أسوشيتد برس)
إنَّ فورةَ الأوامر التنفيذية الجريئة، والترشيحات الاستفزازية للغاية لتولي مناصب في الإدارة (مثل وزيرة التعليم التي تعتقد فعليًّا في اختيار المدرسة) كانت مشجعةً للمتشككين المحافظين في دونالد ترامب، ولكن يجب ألا تمحوَ من الذاكرة المثيرة للقلق عنصرًا رئيسًا واحدًا من خطاب تنصيب ترامب.
تلقّى قسم السياسة الخارجية اهتمامًا أقل ثورية بكثير مما يستحق هذا الإعلان، فقد أعاد جذريًّا المصلحة الوطنية الأميركية، كما هي مفهومةٌ منذ الحرب العالمية الثانية. لخّص ترامب عالمًا تنهار فيه العلاقات الخارجية إلى لعبةٍ محصلتها الصفر، فهم ربحوا، ونحن خسرنا. على الشكّل: “على مدى عقودٍ طويلة، لقد أثرينا الصناعة الأجنبية على حساب الصناعة الأميركية، ودعمنا جيوش بلدانٍ أخرى” في حين استنفدنا جيشنا.
وأكثرُ استفزازًا من هذا أنّ: “ثروة طبقتنا الوسطى قد انتزعت من أوطانها، ومن ثم أعيد توزيعها في جميع أنحاء العالم”. يعتقد بيرني ساندرز أنَّ مؤسسة الفساد قد انتُزعت من الطبقة الوسطى لتُعطى إلى الأغنياء، ويعتقد ترامب أنَّ هؤلاء الأوغاد قد تخلوا عن تراثنا إلى غير مستحقيه الأجانب الناكرين للجميل أيضًا.
تعهدّ جون كيندي في خطابه الافتتاحي أن يدعم أيَّ صديقٍ، ويعارض أيّ عدو لضمان نجاح الحرية، بينما لا يفرّق ترامب بين الصديق والعدو (ولا يشير إلى الحرية). كلهم لا يفيدوننا، يستغلوننا ويتجاوزوننا. لا أكثر من ذلك، أعلن ترامب: “من الآن فصاعدا، ستكون أميركا أولًا.” تخيّل كيف يمكن أن يكون صدى “أميركا أولًا” في الخارج، فالاسم هو لمنظمةٍ قادها تشارلز ليندبيرغ، وقاتلت بمرارة ضد روزفلت، قبل دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية -محقًا من خلال معركة بريطانيا- للمحافظة على أميركا محايدة بين بريطانيا تشرشل، ورايخ هتلر. (ثم جاء بيرل هاربور، وفي غضون أسبوع، حلت منظمة أميركا أولًا نفسها مصحوبة بالعار والذل).
لم يكن ترامب يحاكي بوعي ليندبيرغ، فأنا أشكُّ في أنه كان على علمٍ حتى بتلك الإشارة، وهو أحب هذه العبارة فحسب، ولكن يمكنني أن أؤكدَّ لكم أنه في لندن وفي كل عواصم العالم، هم على بيّنةٍ من الحادثة المشار إليها، ومن التلميحات إلى الانعزالية الأميركية الجديدة. قدَّم ترامب لهم سببًا وجيهًا لأن يعتقدوا بذلك، ويستمروا في أن يتذكروا: “حق جميع الدول أن تضع مصالحها الخاصة أولًا.” بما فيها أميركا.
يدّعي بعض المراقبين أنَّ وضع أميركا أولًا هو إعادةُ تأكيد الاستثنائية الأميركية، ولكنْ، وعلى العكس من ذلك، إنّها النقيض، فهي تجعل من أميركا غيّر مختلفةٍ عن جميع البلدان الأخرى التي تحدد نفسها وفق نزعة قومية تقوم على الأرض والدم خصوصًا.
ما جعل أميركا استثنائيةً وفريدةً من نوعها في العالم، كان تحديد مصلحتها الوطنية أبعد من أمنها الاقتصادي وحاجاتها الضيقة لتشمل سلامة مجموعةٍ واسعة من الحلفاء وازدهارها، عالم حرّ موسوم بالتجارة المفتوحة والدفاع المتبادل، وهي رؤية الرئيس ترومان، التي تقاسمها مع كلِّ رئيسٍ منذ ذلك الحين وإلى الآن.
وقد زعم بعضُ المتابعين أنَّ ترامب متعلقٌ -فحسب- بورقة مساومةٍ للتفاوض، على شروطٍ أفضل حول التجارة أو التحالف، أو أن وجهات نظر ترامب قابلةٌ للتغيير وغير مستقرة -حيث يقول لصحفٍ أوروبية قبل أسبوعين: إنَّ حلف شمال الاطلسي عفا عليه الزمن، وبعد ذلك يقول “الناتو مهمٌ جدًا بالنسبة إلي” – وهذا هو دخول غير مستقر آخر إلى سجل الارتباك.
ولكن كلا الزعمين مغلوطٌ بصورةٍ واضحة، فالخطاب الافتتاحي ليس ضربةً خارج السياق، وهذه الكلماتُ هي نتاجُ ثلاثة أسابيعٍ على الأقل من صياغة متعمدة للخطاب، حيث قال المتحدث باسم ترامب: كان يهدف إلى التعبير عن فلسفته. وعلاوةً على ذلك، ولإزالة أيّ غموضٍ، استهل ترامب إعلانه “أميركا أولا” بـ: “من الآن فصاعدًا، ستحكم أرضنا رؤيةٌ جديدة”.
أساءت رؤية ترامب فهم المنطق الذي تقوم عليه، وتوسعت أكثر بكثير من وجهة ترومان. بالتأكيد، استمدّت خطّة مارشال الثروة من الطبقة الوسطى الأميركية ووزعتها في الخارج، ولكن لسببٍ وهو الغيّرية، جزئيًا، ولكن في الغالب لتحقيق الاستقرار في أوروبا الغربية بوصفها حصنًا ضد عدوٍ عالمي وجودي.
حققنا كثيرًا من المكتسبات خلال الحرب الباردة، لكن العبء كان ثقيلًا، ولكن لم يكن هذا فعلًا طائشًا لمؤسسةٍ خيرية، فقد كان ضربًا من المصلحة الذاتية المستنيرة، وبعد كلّ شيء، كان أفضل فعليًّا أنْ ندعم الجيوش الأجنبية -الألمانية والكورية الجنوبية والتركية وعشرات الجيوش الأخرى- ونجعلهم يقفون معنا، بدلًا من زجّ المزيد من القوات الأميركية في كلّ مكانٍ في جميع أنحاء العالم في خطرٍ أكبر في الدم والمال.
نحن مقبلون على التقوقع والتفاهة، ولا يعني هذا النظرية وحدها فقط، فانسحاب ترامب، (الذي وعدنا به منذ فترة طويلة، ولكنّه مع ذلك المفاجئ)، من الشراكة عبر المحيط الهادئ هو الثمرة الأولى الخطِرة لعقيدته في السياسة الخارجية.
العام الماضي، قال رئيس وزراء سنغافورة لجون ماكين: إذا انسحبتم من الشراكة عبر المحيط الهادئ TPP، “ستنتهون من آسيا”. وبالطبع هو يعرف المنطقة. لمدة 70 عامًا، تحملنا عبء المحافظة على نظامٍ دولي من التجارة المفتوحة، والتحالفات الديمقراطية التي مكَّنت أميركا والغرب من أن تنمو وتزدهر.
القيادة العالمية هي التي جعلت أميركا بلدًا عظيمًا، وتخلينا عنها يُعرضنا للخطر.
اسم المقالة الأصلي Trump’s foreign policy revolution الكاتب تشارلز كراوثامير، Charles Krauthammer مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 26/1/2017 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/opinions/global-opinions/trumps-foreign-policy-revolution/2017/01/26/c69268a6-e402-11e6-ba11-63c4b4fb5a63_story.html?utm_term=.31ad9289f70d ترجمة أحمد عيشة
[sociallocker] [/sociallocker]