بجرة قلم آلاف المعتقلين السوريين أُعدموا بسجن صيدنايا.. فما دور بدر الدين حسون بذلك؟
7 فبراير، 2017
“تستغرق المحاكمة الواحدة ما بين دقيقة وثلاث دقائق، يمثل فيها المعتقل السوري أمام القاضي الذي يستند إلى الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، للبت في الحكم الذي سوف يصدره”، عندها يصدر الحكم ويُحكم على المعتقل بالمؤبد أو الإعدام، ليصبح ميتاً في أماكن مظلمة تشهد على أكبر المجازر التي يرتكبها نظام بشار الأسد في تاريخ سوريا الحديث.
هذه التفاصيل الصادمة وغيرها، بدأت تتكشف بشكل أوضح وأوسع، في التقرير الذي نشرته “منظمة العفو الدولية”، اليوم الثلاثاء 7 فبراير/ شباط 2017، والذي يكشف خبايا الأعمال الإجرامية التي ارتبكها النظام بحق آلاف المعتقلين في سجن صيدنايا لا سيما بعد بدء الثورة السورية منتصف مارس/ آذار 2011.
ومن بين أكثر الأمور الملفتة في تقرير المنظمة الذي حمل عنوان: “مسلخ بشري: شنق جماعي وإبادة في سجن صيدنايا”، تلك المتعلقة بالمحاكمات العسكرية التي يخضع لها المعتقلون دون حقوق تضمن لهم محاكمات عادلة.
ويستند التقرير إلى شهادات معتقلين ومسؤولين سابقين في صيدنايا، تحدثوا عن الأهوال التي عاشوها ورأوها، كاشفين عن أدوار شخصيات بارزة في النظام في تأييد أحكام الإعدام والتوقيع عليها لتصبح نافذة.
“مفتي البراميل”
أطلق السوريون المعارضون اسم “مفتي البراميل” على بدر الدين حسون، المفتي في نظام الأسد، نظراً لدوره في تأييد عمليات القتل التي يرتكبها النظام، ليعود اسمه مجدداً ويبرز في تقرير منظمة “العفو الدولية”، كشخص أساسي مشارك في إعدام آلاف المعتقلين.
وفي هذا السياق، تقول المنظمة إن الموافقة على أحكام الإعدام الصادرة عن محكمة الميدان العسكري، تشترط موافقة مسؤولين رفيعي المستوى، وتضيف: “ُيدرج الحكم بإعدام أحد المحتجزين ضمن قرار حكم ضخم يشمل تفاصيل عن جريمته المزعومة، ويورد قائمة بأسماء جميع المتورطين في ارتكابها، وينص على الحكم بإعدام جميع الجناة على ذمة القضية. وقد يتضمن القرار أحكاما صادرة بحق شخص أو أكثر، وذلك حسب ظروف وملابسات الجريمة المزعومة”.
ويشير التقرير إلى الإجراءات الإدارية المرتبطة بتنفيذ أحكام الإعدام، حيث “يوقع كل من رئيس محكمة الميدان العسكرية وممثل عن الأجهزة الأمنية من المخابرات العسكرية عادة على قرار الحكم. ويوقع على القرار أيضًا القاضي الذي حاكم المحتجز المعني في محكمة الميدان، وُيشار إليه بعبارة المدعي العام العسكري، ويبدي موافقته على الحكم”.
واللافت أن قرار حكم الإعدام يُرسل بالبريد العسكري إلى مفتي سوريا (بدر الدين حسون)، وإلى وزير الدفاع، أو رئيس هيئة الأركان المشتركة لجيش النظام، وهما مخولين بالتوقيع نيابةً عن بشار الأسد، ويحددان موعد تنفيذ الإعدام”.
المحكمة العسكرية
تشكلت محكمة الميدان العسكرية في سوريا بموجب المرسوم التشريعي رقم 109 لسنة 1968، وتنص المادة الأولى منه على شمول اختصاص هذه المحكمة للجرائم المرتكبة “في أوقات الحرب أو العمليات العسكرية”، ويقوم ضباط من الجيش بإدارة إجراءات هذه المحكمة.
ولا يشترط المرسوم على هذا النوع من المحاكم العمل بموجب التشريعات النافذة، وتعتبر الأحكام الصادرة عنها نهائية، وغير قابلة للطعن، وتُشترط موافقة رئيس الجمهورية، ووزير الدفاع، كي تُصبح أحكامها نافذة، ولهما الحق في تخفيف أو وقف تنفيذ الحكم، وفقاً لـ”العفو الدولية”.
يخضع المحتجزون في سجن صيدنايا الذين يتم إعدامهم خارج نطاق القضاء “لمحاكمة” أمام محكمة الميدان العسكرية أولاً، وهي محكمة تتسم قواعدها وإجراءاتها بكونها على قدر كبير من الإيجاز والتعسف، بحيث يصعب اعتبارها على أنها تشكل جزء من الإجراءات القضائية الفعلية.
وتتكفل إحدى محكمتي الميدان العسكريتين في مقر الشرطة العسكرية بالقابون ( في دمشق) بمحاكمة محتجزي “المبنى الأحمر” المشهور في صيدنايا في جميع الأحوال، ولا يوجد فرق بين المحكمتين من حيث نطاق الاختصاص، ويشير تقرير المنظمة أن المحكمة الثانية شُكلت لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المحتجزين الذين تمت إحالتهم إلى محكمة الميدان العسكرية، عقب بدء الثورة عام 2011.
ويُنقل المحتجزون من المحكمة، وإليها، في شاحنات لنقل بضائع بيضاء اللون، تُعرف لموظفي السجن والمحتجزين باسم “برادات اللحوم”، أو في حافلات ركوب صغيرة بيضاء اللون أيضًا. وتتم العملية بأكملها والمحتجزون مقيدو الأيدي ومعصوبو الأعين.
وتتفاوت الأحكام التي تصدرها هذه المحكمة ما بين السجن المؤبد والإعدام، ولا ُيسمح للمحتجزين الذين تتم محاكمتهم أمام محكمة الميدان العسكرية بالاتصال بالمحامي، أو معرفة تفاصيل الحكم الصادر ضدهم.
“مجرد كذبة”
وينقل تقرير “العفو الدولية” عن مسؤول سابق في سجن صيدنايا قوله عن دور المحكمة العسكرية: “إذا كانت فحوى الاعتراف خطيرة، فتتم إحالتك إلى محكمة الميدان العسكرية، ولقد انتُزعت اعترافات الجميع بلا استثناء تحت التعذيب، حيث يتم اللجوء إلى تعذيب الأشخاص كي يعترفوا بارتكاب جرائم شديدة الخطورة. وإذا اعتقد فرع المخابرات أنه ينبغي إعدام الشخص، فيقوم بإرساله إلى محكمة الميدان، وأما إذا اعتقد أنه ينبغي أن يظل حبيس السجن فتتم إحالته إلى محكمة مكافحة الإرهاب”.
ويشير المسؤول إلى أن المحاكمة تستغرق عادة ما بين دقيقة واحدة ودقيقتين، واصفاً المحكمة العسكري بأنها كذبة.
في حين قال قاضٍ سوري سبق له العمل في المحكمة العسكرية: “إنها المحكمة التي يرسلون إليها الأشخاص الذين يغلب على الظن أنهم يشكلون تهديدًا حقيقيًا للنظام. وُيحاكم الأشخاص فيها وُيدانون بتهمة ارتكاب جرائم ضد الدولة. وقد تتم إحالتك إلى هناك حتى لو لم تتوفر أدلة ضدك، فمحكمة الميدان هي أخطر شيء بالنسبة للمحتجزين”.
محتجزون سابقون ممن حوكموا أمام محكمة الميدان العسكرية، تحدثوا لمنظمة “العفو الدولية”، وعبروا عن إحباطهم وغضبهم حيال المحنة التي مروا بها.
ومن بين هؤلاء زياد، وهو خبير في تكنولوجيا المعلومات من حي بابا عمرو، ومعتقل سابق في سجن صيدنايا، يقول: “بالطبع لم تكن المحاكمة عادلة أبدًا. ولم يكن لها ما يمت بالعدالة والإنصاف بصلة، حيث يتم تعصيب عينيك وتقييد يديك كي لا تعلم من هو القاضي، أو الوثيقة التي قمت بالتوقيع عليها”.
ويوافق نادر – معتقل سابق بصيدنايا – ما قاله زياد، وأضاف: “أمضيت دقيقة واحدة أمام القاضي وحارس من الشرطة العسكرية (…) ولقد ذهبت رفقة 45 محتجزًا إلى المحكمة، وتم الانتهاء من النظر في جميع القضايا في غضون ساعة واحدة فقط. ولا يتم إطلاعك على التهم المنسوبة إليك، وليس لديك الحق في توكيل محامٍ ، أو الاتصال بالهاتف، بل ليس لديك 52 أي حق من الحقوق”.
ويشار إلى أن منظمة “العفو الدولية” أشارت في تقريرها إلى أن نظام الأسد نفذ إعدامات جماعية سرية شنقاً بحق 13 ألف معتقل، غالبيتهم من المدنيين المعارضين، في سجن صيدنايا قرب دمشق خلال خمس سنوات من الحرب في سوريا.
[sociallocker] [/sociallocker]