تقرير سنوي صادر عن لجنة إعلان دمشق في اللاذقية
7 مارس، 2017
في الوضع الدولي :
تمّيز العام المنصرم بحضور قوي لروسيا على المسرح الدولي , فقد رفعت مستوى تدخلها في سوريا من الدعم الى المشاركة العسكرية المباشرة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وغرضها الأساسي المحافظة على الن$ظام السوري , وقد عبّر وزير خارجيتها عن ذلك بقوله : لولا تدخلنا لسقط النظام خلال أسابيع . وكان ذلك بعد ان عجزت إيران ومليشياتها الطائفية عن حماية النظام .
لقد أرادت روسيا من احتلالها لسوريا محاولة إعادة نفوذها في آخر قلاعها في المتوسط , كما أرادت توظيف المسالة السورية في ملفاتها الشائكة مع الغرب وامريكا ( أوكرانيا , القرم , العقوبات الاقتصادية ) فقبضت على مفاصل القرار السوري لتجد نفسها في مواجهة منافسة إيرانية لا يستهان بها .
لم يكن بإمكان رجل ال(KGB) الروسي أن يمتلك حرية الحركة والمناورة بدون رضى أمريكا ان لم نقل بتواطؤ معها ومع اسرائيل وفي ظل غياب وتغييب أي دور فاعل للمنظومة الدولية والمؤسسات المنبثقة عنها,بعدما تخّلت عن مهمتها في تطبيق القانون الدولي من أجل حماية المدنيين وشرعة حقوق الانسان .
بعد ان حسم القيصر معركة حلب عمل على استثمار نصره العسكري سياسيا بتصنيع معارضات ومنصات تنسجم مع رؤيته المستقبلية في سوريا ,ومحاولة الالتفاف على جنيف /1/ وتطعيم الائتلاف لترويضه وإعادة تأهيل النظام , كما أرادت روسيا أيضا تحجيم الدور الايراني مستفيدة من رغبة دولية واقليمية خاصة بعد صعود ترامب ورسائله النارية للنظام الايراني, رغم ان تحجيم الدور الايراني ليس بالأمر الهين, ايران تمسك بالأرض في سوريا وقد تقلب الطاولة على الجميع .
يبدو أن تلك الاستراتيجية الروسية باتت مقبولة أوروبيا وامريكيا واقليميا , خصوصا ان العالم يريد أن يتفاوض مع روسيا كممثلة للنظام , أما مسألة شرعية تدخلها او عدم شرعيته فلم يعد محل نقاش او جدل .
تأتي تركيا في المرتبة الثانية بعد روسيا من حيث الأهمية لسياستها في الشرق الأوسط وتحديدا حيال الوضع السوري. لقد تحّركت وفق براغماتية عالية خاصة بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية عام 2015 وتوتر العلاقات مع روسيا وانكشاف ظهر التراك اروبيا وأمريكيا اضافة الى التوجه الروسي الأمريكي بخلق كيان كردي في خاصرتها الجنوبية , تراجعت القيم والمبادئ أمام المصالح القومية التركية , وبلغ التنسيق بين الروس والأتراك أوجه في معركة حلب والباب واستانا 1-2 وأصبحت تركيا شريكا لاغنى عنه على الساحة السورية لما لها من حضور سياسي وعسكري لدى المعارضة , وفاعلية مع دول الخليج (السنية) في مواجهة ايران (الشيعية ).
في الوضع الاقليمي العربي :
دول الخليج الداعمة للثورة مسكونة بقلق وجودي تجاه الجار الايراني المتغطرس , مما دفعها لدعم الثورة كي لاتسقط سوريا بحضن ايران , ولم يكن الأساس في هذا الدعم الحرص على مشروع التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا , وفي عهد اوباما تعرضت العلاقات الاستراتيجية بين أمريكا والخليج الى اهتزاز الثقة والتفكير بحلفاء آخرين من قبل الخليجيين لضمان أمنهم , لكن العلاقة في طريقها الى التوازن من جديد بعد صعود ترامب ورسائله النارية الى قادة طهران , وتهديدهم بالتراجع عن الاتفاق النووي , واتهام ايران بأنها الدولة الراعية للارهاب في العالم, مما دفع الرئيس الايراني الى محاولة ترطيب الأجواء بزيارة الكويت ومسقط والدعوة من هناك لحوار من اجل مكافحة الارهاب .
برغم ذلك يبقى الموقف الخليجي متقدما عن كل البلدان العربية في مساندته للثورة السورية, فالبلدان العربية الأخرى وتحديدا مصر والجزائر, هي اقرب للنظام ودعمه بكثير من قربها للشعب السوري , والمحور العربي برمته يكاد يكون غير مؤثر وغير مبالي بما يجري للشعب السوري , يتقدم عليه بكل أسف ومرارة البد الجار التركي غير العربي سواء في احتضانه اللاجئين او في محاولة الوقوف الى جانب الشعب السوري في كل المحافل الدولية , ورغم استدارة الموقف الى حد ما باتجاه المصالح التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ولو على حساب الثورة السورية يظل الموقف التركي تجاه الثورة أفضل من الموقف العربي والسبب الجوهري في ذلك كما نعتقد لأن القضية السورية لها علاقة مباشرة بالأمن القومي التركي من جهة , ومن جهة أخرى كون تركيا بلد له ارث ديمقراطي معقول يتجلى في انتخاباتها أو تعاملها مع المعارضة قياسا بالبلدان العربية التي تحكم عبر أنظمة ديكتاتورية تخاف على امتيازاتها من لهيب ثورة عنوانها طلب الديمقراطية والحرية والكرامة .
في الوضع السوري :
النظام : ان هوس النظام بالسلطة واستمراره فيها بأي ثمن دون أي اعتبار لمطالب شعبه جعل إستراتيجيته بدون مساومة سياسية تعتمد على القضم والحصار والمساومات والتهجير, بمساعدة حلفائه الخارجين , تلك السياسة أدت الى أزمات اقتصادية تحاصره , وأصبح مرتهنا لايران بموجب اتفاقات علنية وقّعها رئيس وزرائه و واتفاقات لم يعلن عنها رسميا مثل السيطرة على عقارات . وشركات …
واذا كان النظام يبدو حاليا قويا في الظاهر فإن قوته يستمدها ليس من سخاء دعم حلفائه عسكريا واقتصاديا وسياسيا فقط , بل من كون هؤلاء الحلفاء من أكثر دول العالم مناهضة لقيم الحرية وحقوق الانسان, في وقت تبدو فيه الدول الديمقراطية مثل اوروبا وامريكا مشغولة بمسائل الهجرة والارهاب وصعود اليمين, كل ذلك جعل مصير النظام حاليا ليس من أولويات احد .
المعارضة :
لم ترتق المعارضة السورية الى مصاف تضحيات شعبها حتى الآن – والتي تكاد تكون تضحيات من اجل قيم انسانية قلّما دفعها شعب من الشعوب في التاريخ – وهي لاتزال أثيرة محاصصة تسير عليها ربما بتأثير العامل الدولي وميزان القوى فيه الذي يدفع نحو المحاصصة وليس نحو المواطنة في المنطقة . تتضح تلك المحاصصة في الشق العسكري للمعارضة التي فشلت في الاتفاق على قيادة عسكرية موحدة وبقيت ولاءاتها مشتتة وتابعة لأطراف اقليمية ودولية, وقد فقدت أخيرا ورقة التوازن بعد تلاشي أو على الأقل ضعف دعم الحلفاء لها, وهي كانت وما زالت تتصرف بعقلية أمراء الحرب , وهذا ما ظهر جليا بعد تجميع اغلبها في ادلب والذي جعلها كفيلة بتدمير نفسها بنفسها ذاتيا , وحتى الجيوب المتبقية في الشمال والجنوب والوسط تبقى رهينة أجندات إقليمية .
أما بالنسبة للمعارضة السياسية ورغم أنها في وضع لاتحسد عليه – بعد تراجع وتقاعس أصدقاء الشعب السوري عن دعمه – تحت ذرائع واهية لتبرير تقاعسهم – الا أنها أفضل حالا بكثير من المعارضة العسكرية وهي في صعود عكس المعارضة العسكرية , قادها اليه استمرارها بنفس الجدية التي لمسناها في وثيقة الرياض , وفي احتواء أطراف معارضة أخرى , وقد تفوقت سياسيا وأخلاقيا على وفد النظام في جنيف ا,2 , 3 ,4 وأستانا, وهي مازالت تمتلك أوراقا قوية من أهمها
انها أخلاقيا تدافع عن قضية حق وعدالة وثمثل مطالب شعب .
تمسكها بالقرارات الدولية ومخرجات جنيف واستانا .
تمتلك وثائق يمكن الضغط بها , الكيمياوي , وقيصر , ومسلخ صينايا , تلك الوثائق يمكن أن تهز ضمير العالم .
والأهم من ذلك طاقة الشعب السوري النضالية العالية التي لم يعتريها الوهن , واذا واتتها الريح ووصل المجتمع الدولي في جنيف الى تفاهمات لفرض وقف لاطلاق النار بالضد من رغبة النظام وأمراء الحرب فسيملأ الشعب الميادين من جديد وسيساعد تلك المعارضة في ان تصبح أكثر استعدادا لتقليص الهوة بين الرؤيا النظرية لوثيقتها القائمة على الوصول الى دولة مدنية تداولية تعددية وبين ممارسات سياسية تقوم على المحاصصة وليس على المواطنة , وسيضغط عليها لكي تبحث عن تحالف سياسي عسكري موحد يخدم الوصول الى الدولة المنشودة , وسيشجعها على التفكير في انطلاق عملها من الداخل السوري وهو بيضة القبان في دفعها للالتحام بثورة شعبها والتخلي عن المحاصصة التي تدفعها اليه الدول الدول الداعمة .
العلاقة بين اللجنة والأمانة العامة :
كانت لجنتنا وما زالت تحاول العمل بروح الاعلان , وحريصة ان تكون علاقتها مع الأمانة مبنية على عقل مؤسساتي . الّا ان ما حصل خلال العامين الفائتين لا بشر بالخير , هذا ما لمسناه في تقريرنا العام الماضي حيث اعتبرته الأمانة العامة خروجا عن الأصول التنظيمية ولا يجوز نشره قبل الموافقة عليه , أما نحن فنعتبر أننا لم نقدم تقريرا تنظيميا بل اجتهادا في قراءة سياسية كانت ثمرة عمل اللجنة لعدة أشهر , ورغم ذلك لسنا بصدد القطع مع الأمانة ولا يعفينا ذلك من الحوار والمشورة وتبادل الرأي والأفكار , وكل ما نشرناه خلال العامين كنا نرسل النسخة الأولى الى الأمانة للتواصل والحوار , ولكننا لم نلق اهتماما يليق بنا وبهم , وكأّن هناك عقدة ما تحكم العلاقة بين اللجنة والأمانة , هذه العقدة ربما دفعت الأمانة لاتخاذ قرار ضمني بالمقاطعة وإغلاق منافذ التوصل والحوار . لكننا مازلنا نصر على علاقة صحيحة نابعة من التزامنا وشعورنا بالمسؤولية .
اللاذقية واللجنة والمستقبل :
تعاني مدينتنا من أشكال قمع طاغية زادها سوءا ظهور مليشيات وشبيحة تمارس سطوتها في الخطف والقتل والسرقة تحت أعين أجهزة الأمن , لابل تنافسها وتعتدي عليها أحيانا, ناشرة الرعب بين السكان من خلال كل أنواع البلطجة . ان المدينة أمام فلتان أمني وفساد معمم لم يسبق له مثيل بالاضافة الى الأزمات المتتالية والمركبة التي يعيشها الانسان , وظهور طبقة أثرياء الحرب وقيمها المقززة .
سياسيا : تراجع الحضور السياسي بشكله التنظيمي , لكن بالقابل ارتفعت أصوات تعبر عن ردود فعل مؤقتة تجاه أزمات واحتقانات مثل اضراب سرافيس جبلة في الأسبوع الأول من شباط احتجاجا على فقدان الوقود , تراجع منسوب الخوف نسبيا وأصبح شتم المسؤولين علنا في الشوارع والمحلات والمنازل , والملفت أيضا ارتفاع الصوت من قبل غالبية الطائفة العلوية ضد ايران والتشبيح . كما أن النظرة الى المعارضين لم تعد كما كانت بداية الثورة حيث كانت الغالبية تنظر اليهم بعين الحقد , وحتى كلمة معارضة كانت تثيرهم , واصبح هناك نسبة ملحوظة تقبل أن تسمع صوت المعارضة سواء من الاعلام او من أشخاص معروفين .
كانت اللجنة وما تزال تطمح الى مد جذورها في تربة المحافظة للإسهام في خلق مجتمع مدني لاذقاني يتلاقى مع رياح العصر وفلسفتها في التغيير , لكن الظروف الصعبة في المحافظة جعلت عمل لجنتنا معقدا وحالت من تحقيق أي من طموحاتها , وما زال نشاطها كما كان في العام الماضي لم يتوسع تقريبا , لكنها جاهزة للالتقاء مع أي تغيير في موازين القوى لابد أت في المستقبل سيدفع النظام للتنازل رغما عنه لقوى سياسية قديمة وجديدة تعّبر عن نفسها , ونحن على استعداد لتلقي أي ملاحظات على عملنا والنظر فيه من كل ما هو غيور على الوطن سواء كانوا أفرادا مستقلين أم قوى سياسية . وسوف نواصله مهما كلفّنا بما يخدم التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا حسب ظروفنا وإمكانياتنا .
لجنة اعلان دمشق في اللاذقية – شباط 2017
[sociallocker] المصدر[/sociallocker]