‘جريدة اللوموند: لماذا تقبل أميركا بقاء بشار الأسد في السلطة؟’

5 أبريل، 2017

أنس عيسى

تفضل الولايات المتحدة القتال ضد الجهاديين على مناقشة مصير الدكتاتور السوري

الصورة: وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون في أنقرة، 30 آذار/ مارس 2017، أديم ألتان/ أ. ف. ب.

يخيم الصمت المطبق، إلى الآن، على دمشق، ولكن لا مجال للشك في أن المواقف الأميركية، حول السؤال المتعلق بمصير بشار الأسد، قد استُقبلت في أروقة السلطة السورية بعدّها نصرًا له. إذ حدث الخميس 30 آذار/ مارس 2017 تدخلان متتاليان، كشفا الغطاء عن جزء من نية إدارة ترامب المتعلقة بالصراع السوري، وذلك عندما وضع وزير الخارجية، ريكس تيليرسون، وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هالي، حدًا -رسميًا- للجدل المتعلق بكيفية التعامل مع الدكتاتور السوري.

  • ما الذي تقوله، بالضبط، إدارة ترامب؟

أكد م. تيليرسون، أولًا، في زيارته إلى تركيا، أن “الشعب السوري هو من سبقرر مصير الأسد على المدى الطويل”. وأعادت السيدة هالي، بعد ذلك بقليل، تأكيد ذلك من نيويورك، بقولها: “علينا اختيار معاركنا”، ومن ثم؛ أضافت: “عندما ننظر إلى الوضع، نجد أنه علينا أن نبدل أولوياتنا. لم تعد أولويتنا البقاء جالسين -هنا- ومركزين على رحيل الأسد.”

وبعبارات أخرى، ستحضّر الولايات المتحدة، منذ الآن، رسميًا، لبقاء رئيس النظام السوري في السلطة؛ وهو ما اكتفت السيدة هالي بوصفه بـ “المُربك”، متجاوزةً عشرات الآلاف من القتلى الذين يعدّ النظام المسؤول عن قتلهم. ويفسر جوزيف باهوت، المتخصص بالصراع السوري، من مؤسسة كارنيغي، ذلك بأن واشنطن قد بدأت باستخدام مفردات روسيا، وأن الإدارة الجديدة، ستغير الخطاب الذي كان ساريًا -حتى الآن- في دوائر القرار الأميركي.

  • ما الموقف الأميركي الذي كان، وحتى اليوم؟

في آب/ أغسطس 2011، إي: بعد خمسة أشهر من اندلاع الثورة السورية التي كانت وقتئذ سلمية وشعبية في معظمها، جعل الرئيس باراك أوباما من رحيل زعيم دمشق مقدمة لحل الأزمة، إذ أكد بقوله: “من أجل خير الشعب السوري، حان وقت رحيل الرئيس الأسد.”

ولكن مقاومة النظام غير المتوقعة، والمدعومة برفض واشنطن عقابه عسكريًا على استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد ضواحي مدينة دمشق الثائرة، في آب/ أغسطس 2013- قد أدت إلى التراجع التدريجي في الموقف الأميركي، وأسهم الصعود القوي للتشكيلات الإسلامية، ومن ثم؛ الجهادية، في كنف الثورة المعادية للأسد التي تعسكرت منذ خريف عام 2011، في ذلك التراجع.

لقد اعتقدت الإدارة الأميركية، في البدء، أن الوحشية التي استخدمتها قوات الأسد كانت تمنعه من التوصل إلى حل سياسي لمستقبل سورية؛ لذلك، فقد نظرت إلى رحيله بعدّها مسألة حتمية مستقبلًا، ولم تتراجع عن قناعاتها، على الرغم من أن التدخلَين الإيراني، ومن ثم؛ الروسي في خريف 2015، اللذين أديا إلى ترسيخ النظام.

بعد ذلك، في أيلول/ سبتمبر 2015، أجرت الولايات المتحدة تعديلًا في موقفها؛ إذ أشار زعيم الدبلوماسية، جون كيري، إلى وجوب رحيل الأسد، ولكن وفقًا لأجندة تُقرَّر في المفاوضات. أكد باراك أوباما خلال مؤتمره الصحافي قبل الأخير، في كانون الأول/ ديسمبر 2016، قبل يضعة أيام من سقوط الجزء الشرقي من مدينة حلب، أن بشار الأسد “لن يتمكن من اكتساب شرعيته عن طريق المجازر.”؛ لقد اختفت تلك الإدانة الأخلاقية من لغة الإدارة الجديدة في واشنطن.

انتقد السيد ترامب، خلال حملته الانتخابية انتقادًا كثيرًا المعارضة الأميركية لتنظيم الدولة الإسلامية، ولنظام بشار الأسد، في الوقت نفسه، واصفًا تلك المعارضة بغير المنتجة. وفي مقابلة مع جريدة النيويورك تايمز في تموز/ يوليو 2016، وصف الرئيس السوري ب “الشخص القميء” الذي “ارتكب أمورًا فظيعة”، ولكنه أضاف أنه يريد أن يعطي الأولوية للقتال ضد الجهاديين. وفي شباط/ فبراير، وجّه الأسد رسالة إليه عندما دافع عن قراره المعادي للهجرة الذي أوقفه القضاء، ويعاقب -خاصة- اللاجئين والمهاجرين السوريين.

  • ما النتائج التي يمكن أن تتولد عن السياسة الأميركية الجديدة؟

لقد وجهت إعادة تمركز الدبلوماسية الأميركية ضربة قوية لمحادثات السلام الشاقة الجارية الآن في جنيف، تحت مظلة الأمم المتحدة؛ إذ سيؤدي تنصل واشنطن من الضغط على الأسد، بعكس رغبات المعارضة، إلى الإخلال بتوازن تلك المحادثات، حيث يتلقى النظام دعمًا صلبًا من موسكو وطهران.

تشير حقيقة عدم وصول المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، مايكل راتني، إلى جنيف قبل الخميس 30 آذار/ مارس، أي بعد أسبوع من بدء تلك الدورة من المفاوضات، إلى فقدان الولايات المتحدة الاهتمام بتلك العملية، المنوط بها تحديد مرحلة ما بعد الأسد. وشكل ذلك ضربة قاسية جديدة للدبلوماسية الفرنسية التي، على الرغم من توقفها عن المطالبة بالرحيل الفوري للرئيس السوري، ما زالت تؤكد أنّه لا يستطيع أن يمثّل مستقبل بلاده. وعن ذلك، قال منذر ماخوس، أحد الناطقين باسم الهيئة العليا للمفاوضات التي تجمع عددًا من التشكيلات المعارضة للنظام: “لن تقبل المعارضة على الإطلاق أن يكون لبشار الأسد دور في أي لحظة (…) ولن يتغير موقفنا.” أما في عيون كثير من المعارضين، فلم تكن تصريحات السيد تيليرسون والسيدة هالي إلا عبارة عن تجسيد رسمي لسياسة الأمر الواقع.

منذ التحول الذي طرأ عام 2013، وتراجع باراك أوباما عن فرض احترام “الخط الأحمر” الشهير الذي رسمه بنفسه، والمتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية، أشارت الولايات المتحدة، في مناسبات عدة، إلى رفضها إطاحة الدكتاتور السوري بالقوة، وإن كانت أميركا قد سمحت لحلفائها العرب بتزويد الجماعات الثائرة بالأسلحة؛ فقد حرصت ألا تمنحهم تلك الأسلحة تفوقًا حاسمًا، وتجدر الإشارة إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد منعت تزويد الثوار بصواريخ أرض- جو التي كان من شأنها أن تعترض عمليات القصف الجوي التي يشنها كل من النظام السوري والجيش الروسي؛ وذلك بذريعة الخطر من أن تقع تلك الأسلحة في أيدي الجماعات الجهادية.

إن التخلي النهائي عن كل شرط مسبق متعلق ببشار الأسد لن يضع الإدارة الجديدة في مأمن من من فخاخ الصراع السوري، إذ تقول واشنطن أنها تنوي التعاون مع موسكو، في الوقت الذي تصرح فيه علانية برغبتها فرض القيود على طهران، وذلك في ظل التشارك اللصيق لروسيا وإيران في سورية.

عنوان المقالة الأصلي Syrie : pourquoi les Etats-Unis acceptent le maintien au pouvoir de Bachar اسم الكاتب  بينجامان بارت وجيل باري

Benjamin Barthe et Gilles Paris

مكان النشر جريدة اللوموند تاريخ النشر 31آذار/ مارس 2017 رابط المقالة http://www.lemonde.fr

/syrie/article/2017/03/31/les-etats-unis-acceptent-le-maintien-au-pouvoir-de-bachar-al-assad_5103731_1618247.htm

اسم المترجم أنس عيسى

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]