وكالة “سبوتنيك” تفبرك وتكذّب وزارة الدفاع الروسية

14 أبريل، 2017

ميشال شماس

تضاربت تصريحات روسيا ونظام الأسد حول مجزرة الكيماوي في خان شيخون من ريف إدلب، وذهب ضحيتها عشرات القتلى، ومئات المصابين من المدنيين، بينهم أطفال ونساء.

ما إن انتشر خبر المجزرة حتى سارعت روسيا إلى تأكيد أن أيًا من طائراتها لم تنفذ أي طلعة جوية يوم حدوث الجريمة في سماء خان شيخون، وسارع النظام السوري -كذلك- إلى نفي مسؤوليته عن تلك الجريمة؛ مدعيًا -عبر جوقته الإعلامية- أن الإصابات بالكيماوي لم تكن بسبب قصف جوي، وإنما بسبب انفجار في معمل للأسلحة الكيماوية يتبع “لجبهة النصرة”، وزاعمًا أن تلك الأسلحة جاءت من تركيا.

ومع تصدر صور المشاهد المروعة للجريمة الوحشية في وسائل الإعلام العالمية المختلفة، وارتفاع وتيرة الأصوات الدولية المنددة بها، محملة النظامين: الروسي والسوري مسؤولية تلك الجريمة الوحشية، اضطرت روسيا في اليوم التالي للجريمة إلى الاعتراف بأن من نفذ عمليات القصف على خان شيخون هو طيران النظام السوري، وفي محاولة مكشوفة منها للتغطية على الجريمة، ولدفع الاتهام عنها وعن النظام، وإلصاقه بالفصائل المعارضة الموجودة في خان شيخون.

خرج علينا المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية؛ ليكذّب رواية النظام السوري، من جهة، ويغطيها، من جهة، مدعيًا “أن تلوثًا بغاز سام حصل في بلدة خان شيخون السورية، كان نتيجة تسرب غاز من مستودع للأسلحة الكيماوية تملكه المعارضة، بعد أن أصابته ضربات جوية نفَّذتها قوات الحكومة السورية. وأن المستودع احتوى ذخائر أسلحة كيماوية نُقلت إلى البلاد من العراق”. وهذا ما يناقض رواية إعلام النظام الذي سبق أن أدعى أن الأسلحة نُقلت من تركيا، بينما الجانب الروسي يدعي أنها نُقلت من العراق، فأي جهة نصدق؟

على الرغم من تأكيد عدد من الخبراء العسكريين، ومن بينهم الكولونيل “هاميش دي بريتون-غوردون”، خبير الأسلحة الكيماوية الذي صرّح لـ “بي بي سي” بأن التفسير الروسي للأحداث “خيالي”.  وأكد -في الوقت نفسه- أن فكرة إمكانية انتشار غاز أعصاب، مثل غاز السارين، بعد قصف منشأة لتصنيع الأسلحة “لا أساس لها”. إلا أن المندوب الروسي استمر في التمسك برواية بلاده عن الجريمة؛ فأعاد طرحها في جلسة مجلس الأمن التي خُصصت لمناقشة جريمة قصف خان شيخون بالأسلحة الكيماوية.

لم يصمد هذا الادعاء طويلًا، وأنهار مع ترويج وكالة “سبوتنيك” الروسية المقربة من الكرملين، رواية أخرى تتناقض تمامًا مع رواية وزارة الدفاع الروسية نفسها عن جريمة قصف خان شيخون بالأسلحة الكيماوية،  فنشرت الوكالة المذكورة،  في 9 نيسان/ أبريل 2017، خبرًا على موقعها “أن أطفال خان شيخون لم يُقتلوا بقصف السلاح الكيماوي، وإنما قتلهم متطوعو “الخوذات البيض”، من خلال حقنهم  بجرعات من “الأدرينالين”، مدعية أنها استندت في معلوماتها إلى تقرير صادر عن منظمة “أطباء سويديون لحقوق الإنسان” “SWEDRHR”، إلا أن المنظمة المذكورة أصدرت بيانًا ردت فيه على تحريف الوكالة الروسية؛ إذ أكدت أنها لم تشر -قط- في تحليلها مقاطع الفيديو التي تظهر المجزرة، إلى اتهامات لعناصر الدفاع المدني بقتل الأطفال، مضيفة أن “هذا الصوغ غير دقيق، ولا يمثل موقفنا من القضية المذكورة”.

ومن فمك أدينك، فأن تعمد الوكالة الروسية بتحريف تقرير صادر من منظمة طبية سويدية معروفة، ونشره خبرًا رئيسًا على موقعها، وتجاهلها تكذيب المنظمة الطبية، إنما تكون، ومن حيث لا تدري، قد ألحقت ضررًا بسمعة الإعلام الروسي، ومن جهة أخرى، وهذا هو الأهم، فإن هذا التحريف المتعمد في الخبر، ينسف تمامًا كل الروايات المتناقضة والمتعددة التي صدرت عن السلطات الروسية حول جريمة قصف خان شيخون بالأسلحة الكيماوية، ويؤكد بوضوح عدم صحة الرواية التي نسجتها وزارة الدفاع الروسية، ثاني أيام الجريمة تحديدًا، وادعت فيه أن التلوث الكيماوي في خان شيخون نتج عن قصف الطائرات السورية لمخزن ذخيرة تابع لقوات المعارضة، يحوي أسلحة كيماوية، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة ودور الطيران الروسي في قصف خان شيخون بالأسلحة الكيماوية.

استمر التخبط في التصريحات الروسية المضللة والمناقضة لبعضها البعض، حول ما جرى في خان شيخون صبيحة الرابع من نيسان/ أبريل الجاري،  واستمرت محاولات روسيا المستميتة في دفع التهمة عنها، وطمس معالم الجريمة من خلال تلفيق الروايات المتناقضة، بما في ذلك قصف طائراتها مستشفى خان شيخون الذي كان يُعالج فيه المصابون من القصف الكيماوي؛ لتدمير أي دليل يمكن أن يشير إلى تورطها في الجريمة؛ ما يؤكد ويعزز الشكوك القوية التي تساور كثير من المهتمين والمتابعين للشأن السوري، حول  احتمال ضلوع  روسيا في جريمة القصف بالسلاح  الكيماوي على خان شيخون.

ما يعزز تلك الشكوك -أيضًا- التصريح الصادر من مسؤول رفيع المستوى، في وزارة الدفاع الأميركية، بـ “أن الجيش الأميركي يبحث عن أي دليل يشير إلى تورط روسيا في الهجوم الكيماوي الذي استهدف مدينة خان شيخون، في محافظة إدلب السورية، وأدى إلى سقوط العشرات من المدنيين، وأن الجيش الأميركي يحقق -تحديدًا- في ما إذا كانت طائرة حربية روسية قد أسقطت قنبلة على مستشفى بعد 5 ساعات من الهجوم الكيماوي؛ بهدف تدمير الدليل على وقوع الهجوم، الثلاثاء الماضية”.

وأخيرًا، وسواء كانت موسكو على علم بنية النظام قصف خان شيخون بالأسلحة الكيماوية، أم ليست على علم، فإنها تبقى مسؤولة سياسيًا وأخلاقيًا عن الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد، بواقع أن روسيا هي من تتحكم بالقرار السوري، وتسيطر على جميع المفاصل الرئيسة في نظام الأسد.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستكون جريمة قصف خان شيخون بالسلاح الكيماوي بداية النهاية لنظام الأسد؟

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]