‘«بوليتيكو»: في حال فوز لوبان.. ما هي خطتها للـ100 يوم الأولى؟’
24 أبريل، 2017
عرضت مجلة «بوليتيكو» تخيلًا لما سوف تكون عليه الأوضاع إن فازت ماري لوبان بالانتخابات الفرنسية.
ويقول الكاتب نيكولاس فينوكور – معد التقرير – «هذه هي اللحظة التي تتمنى النخبة الفرنسية الحاكمة ألا تراها مطلقًا. تمشي ماري لوبان، المنتخبة لتوها، على السجادة الحمراء، وصولًا لقصر الإيليزيه».
التاريخ هو الـ14 مايو (أيار)، بعد أسبوع واحد من فوز زعيمة اليمين المتطرف للجبهة القومية على منافسها من الوسط إيمانويل ماكرون في الجولة الأخيرة من الانتخابات الفرنسية. لم تستغرق مراسم تسليم السلطة سوى بضع دقائق فحسب. حيا الرئيس المنتهية ولايته – فرانسوا هولاند – الرئيسة المنتخبة على عتبات منزلها الجديد، معقل السلطة الفرنسية، قبل أن يمضي سريعًا في عربته السيترون ملونة النوافذ.
هذا التسليم للسلطة غير مسبوق في التاريخ الفرنسي في فترة ما بعد الحرب. تريد الرئيسة المنتخبة حديثًا أن تدفع البلاد إلى اتجاه مختلف تمام الاختلاف، إذ تريد سحب فرنسا من الاتحاد الأوروبي، وإعادة كتابة الدستور، ومحورة سياساتها الخارجية حول روسيا. حتى هذه اللحظة، ليس بوسع فرنسا، وباقي العالم، إلا الترقب والتساؤل حول مدى ما سوف تستطيع تحقيقه من أجندتها.
خيال حقيقي
شغلت احتمالية فوز المحامية ماري لوبان، بمنصب الرئاسة، الخيال الفرنسي منذ أن استلمت لوبان زمام قيادة حزب الجبهة الوطنية من والدها، جان ماري، عام 2011. فوصل كتاب كوميدي يناقش تلك الفرضية، عنوانه «الرئيسة» إلى قائمة أكثر الكتب مبيعًا لعام 2015 وظل متربعًا على عرش القائمة لأسابيع. (صدر الجزء الثالث من هذا الكتاب، الذي يتخيل فيه مؤلفه الفترة الرئاسية الثانية للوبان في الحكم).
ولكن مع اقتراب الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية المقرر عقدها في الـ23 من إبريل (نيسان)، انتهى زمن هذه القصص الخيالية وبدأ العالم في التعامل مع احتمالية أن يصير انتخابها أمرًا واقعًا. لو صدقنا استطلاعات الرأي، فما يزال فوز لوبان غير محتمل. لكن ثمة سيناريو، غير بعيد المنال، تفوز فيه لوبان بالانتخابات. وتبعات هذه الاحتمالية الضئيلة أضخم من تجاوزها، لا سيما بالنسبة للمستثمرين الذين يملكون مئات مليارات اليورو من ديون الحكومة الفرنسية، وأسهم الشركات.
ما الذي ينبغي للعالم توقعه من لوبان لو أصبحت رئيسة؟ قال التقرير: إنَّ جزءًا من الإجابة على هذا السؤال يكمن في برنامج حملتها الانتخابية ذي الـ144 نقطة. تعد لوبان بتغيير جذري صارخ يبدأ بإعادة كتابة الدستور، وتعزيز مبدأ «التفضيل القومي» للمواطنين الفرنسيين في التوظيف، إلى جانب التخلص من بدل السكن والضمانات الاجتماعية الأخرى، وإعادة الفرنك ليصبح العملة القومية، وإغلاق حدود البلاد وتعديل مشاركتها في منطقة الاتحاد الأوروبي للسفر الحر، والانسحاب من هيكل القيادة المشتركة للناتو وتخفيض الهجرة إلى عشر المعدل السنوي الحالي.
لو صدقنا استطلاعات الرأي، فما يزال فوز لوبان غير محتمل. لكن ثمة سيناريو،
غير بعيد المنال، تفوز فيه لوبان بالانتخابات. وتبعات هذه الاحتمالية
الضئيلة أضخم من تجاوزها.
ومع ذلك، فإنَّ فرص تطبيق هذه الخطط، ولو حتى بشكل جزئي، فرص ضئيلة. وكما اعترف بعض مستشاري لوبان، فإنَّ برنامجها يمثل رؤيتها لفرنسا، لا خارطة طريقة لتحقيق هذه الرؤية. سوف يتعين على الرئيسة الجديدة، إذا أرادت تنفيذ خططها، أن تعزز سلطتها أولًا عبر السيطرة على مجلس الشورى في انتخابات شهر يونيو (حزيران) ــ أو عن طريق إعادة توجيه النظام للسماح لها بالحكم بمستوى أقل بكثير من الدعم.
أخذ السيناريو التخيلي الذي وضعته مجلة بوليتيكو لأول 100 يوم من رئاسة لوبان، هذه التحديات في الحسبان. واعتمد هذا السيناريو على ساعات من المحاورات مع كبار المسؤولين في الحزب، والدبلوماسيين الأوروبيين، وأعضاء البرلمان الأوروبي، والمحللين الماليين، والخبراء في الشؤون الفرنسية، والناس العاديين. سوف تنبثق، نتيجة لكل ما سبق، متتالية من الأزمات المستمرة مع فترات طويلة من الشلل المؤسسي، تبدأ من اليوم الأول.
ضربة لوبان الكبرى
قال التقرير: إنه لو تحكمت المشاعر في ليلة الانتخابات، فإنّ صباح الثامن من مايو (أيار) سوف يكون صباح اكتشاف الحقيقة المرة. من المرجح أن يستيقظ الفرنسيون على روايات عن خسائر ليلة الأمس: أعمال شغب في الهوامش الحضرية الفقيرة ذات التجمعات الكبيرة من المهاجرين، يصحبها هجوم مالي كبير على الأسهم والسندات الفرنسية.
وقال التقرير: إنَّ رد الفعل الاقتصادي سوف يكون الأكثر وحشية، من بين كل تبعات انتخاب لوبان، على المدى القصير على الأقل. وقال المحللون: إنَّ الأسواق لم تحدد بعد ما سوف تتكبده من خسائر حال فوز لوبان، وهو ما يعني أنّ «تصحيح» المواقف التي سوف تعقب هذا الفوز سوف تكون مفاجئة للغاية. وبحسب إحدى السيناريوهات الذي وضعه بنك «جي بي مورجان»، فإنَّ أول آثار انتخاب لوبان سوف يكون ارتفاع تكلفة الاقتراض الفرنسي، بينما تتكيف الأسواق مع فكرة أنَّ فرنسا قد يكون بإمكانها عما قريب أن تعيد تحويل قرابة تريليوني يورو من الديون إلى الفرانك الفرنسي، والتي ربطت في البداية باليورو، لكنها لن تكون محمية من قبل البنك المركزي الأوروبي.
وقال التقرير: إنَّ «الفرق» في أسعار الفائدة بين سندات الحكومتين الفرنسية والألمانية والمستقر عادة تحت عشرين نقطة أساسية (هذا الفرق يقاس بنسبة واحد من مائة جزء من النقطة المئوية الواحدة) سوف يرتفع إلى 200 نقطة أساسية، ليعكس التأخر السيادي الكارثي في الدفع. سوف تصدر وكالات التصنيف تحذيرات حول خطورة تنفيذ لوبان لخطتها بمغادرة الاتحاد الأوروبي، وسوف تفشل الأسهم الفرنسية فشلاً تامًا ساحبة معها أسواق الأسهم الأوروبية، ما سوف يؤدي إلى خسارة اليورو 10٪ من قيمته أمام الدولار.
سوف تتعامل لوبان مع أعمال الشغب بوعود بالقمع الفوري «للمخربين» و«قطاع الطرق»، وسوف تسمي ما يجري «خطرًا واضحًا على الأمن القومي».
وبحسب التقرير، فإنَّ هذا التقلب الشديد سوف يقلق أصحاب المدخرات والمستثمرين؛ ما سوف يؤدي بدوره إلى موجة أولية من هروب رأس المال سوف تكتسب زخمًا في الأسابيع القادمة. لكنّ لوبان، التي سوف تقضي هذه الليلة في الاحتفال مع أصدقائها، الذين غالبًا ما سوف يكون بينهم صديقها من أيام الجامعة، ومستشارها لشؤون الاتصال وأحد المعجبين بهتلر، فريدريك شاتيون، من المرجح أنها سوف ترحب بهذه الفوضى معتبرة إياها فرصة لتحقيق أجندتها السياسية.
ولو كان لنا أن نسترشد بتعليقات لوبان بعد بريكسيت، فسوف تثني على التخلص من اليورو باعتباره «تخفيضًا تنافسيًا للقيمة» يصب في مصلحة فرنسا، في حين سوف تنتقد التجار لمحاولتهم «معاقبة» الإرادة الشعبية.
وفي غضون ذلك، سوف تتعامل لوبان مع أعمال الشغب بوعود بالقمع الفوري «للمخربين» و«قطاع الطرق»، وسوف تسمي ما يجري «خطرًا واضحًا على الأمن القومي». ولما كان هذا هو الظرف الوحيد الذي يسمح فيه لعضو من أعضاء اتفاقية الشنغن بتعليق مشاركته في منطقة السفر الحر، فإنّ هذا سوف يمنحها سببًا لمنع معظم الهجرة إلى فرنسا بعد أيام قليلة فحسب من أدائها اليمين الدستورية.
أول حكومة للوبان
في الوقت ذاته، سوف تواجه لوبان أول تحد حقيقي لرئاستها ألا وهو تشكيل الحكومة. سوف يشعر مساعدوها بالحذر حول تشكيل الحكومة لعدة أسباب، أهمها إمكانية أن يرفض رئيس الوزراء الاشتراكي برنارد كازانوف تقديم استقالته بنهاية فترة هولاند (أنكر كازانوف نيته فعل ذلك). يحتاج الرؤساء في فرنسا أغلبية في البرلمان ليكون بإمكانهم الحكم بفعالية. ثم هناك حقيقة أنّ أول حكومة للوبان سوف تحكم حتى موعد الانتخابات التشريعية المقرر عقدها في شهر يونيو (حزيران)، ثم سوف يتعين عليها بعد ذلك أن تجري تعديلًا وزاريًا يعكس نتيجة الانتخابات.
وقال التقرير: إن مساعدي لوبان قد أشاروا إلى ملامح أول حكومة للوبان والمتنافسين المحتملين للمقاعد الأساسية فيها. فبحسب سيباستيان شينو – المنتقل من الحزب المحافظ والمقرب للوبان – فإنَّ الرئيسة سوف تتواصل مع المستقلين والمحافظين لتحسين فرصها لتأمين أغلبية في البرلمان. وقال شينو: «سوف تكون هذه الحكومة منفتحة، ومن المحتمل أن تجد فيها أعضاء من عائلات سياسية أخرى».
وبحسب التقرير، فقد رفض شينو وآخرون أن يربطوا بين المرشحين والمناصب. لكنَّ شينو، الذي يعمل أيضًا مستشارًا للوبان للشؤون الثقافية، قال: إنَّ رئيس الوزراء من غير المرجح أن يكون عضوًا من أعضاء الحزب، ليستبعد بذلك احتمالية أن يذهب المنصب إلى فلوريان فيليبو، نائب رئيس حزب الجبهة الوطنية، وكانت لوبان نفسها قد استبعدت إعطاء أي منصب وزراي لابنة أخيها الشهيرة، ماريون ماريشال لوبان.
وبحسب الكثير من أعضاء الحزب، فإنَّ أولئك المرشحين للمناصب الوزارية يشملون المفكر اليميني القومي المعادي للإسلام، والمقرب من الجبهة القومية، فيليب دو فيليبي، وهنري جواينو، المؤيد لفكر ديجول، وكاتب الخطب للرئيس السابق نيكولاس ساركوزي، وعضو البرلمان الموالي لروسيا تيري مارياني، والقومي المستقل نيكولاس دوبون إيجنان.
وقال شينو: «كل هؤلاء الأشخاص قريبون من مواقفنا، وسوف يعبرون عن انفتاح الحكومة. لكن ينبغي لنا التواصل مع الكثير من الأشخاص الآخرين من الأحزاب المنافسة الذين قد يقررون التعاون معنا فجأة بعد الجولة الأولى من الانتخابات». وقال أحد المسؤولين البارزين من حزب الجبهة الديمقراطية: إنَّ مستشار لوبان لشؤون التواصل، شاتيون، المثير للجدل، والذي يتعرض للتحقيقات في شكوك حول تورطه في عملية احتيال في تمويل حملته الانتخابية «لن يكون مستعدًا لمنصب وزير الداخلية».
المرشحون للمناصب الوزارية
يشملون المفكر اليميني القومي المعادي للإسلام، والمقرب من الجبهة القومية،
فيليب دو فيليبي، وهنري جواينو، المؤيد لفكر ديجول، وكاتب الخطب للرئيس
السابق نيكولاس ساركوزي، وعضو البرلمان الموالي لروسيا تيري مارياني،
والقومي المستقل نيكولاس دوبون إيجنان.
بعد أن تنتهي لوبان من اختيار حكومتها، فسوف يكون عليها اختيار شاغلي باقي أقسام إدارتها، وتلك مهمة جسيمة. طبقًا للنظام الرئاسي الفرنسي، فرئيس الجهاز التنفيذي مسؤول، شخصيًا، عن تعيين 10 آلاف مسؤول حكومي. عادة، يبقى معظم الموظفين المدنيين في مناصبهم من إدارة إلى الأخرى. لكن مع قدوم لوبان، سوف تبرز أسئلة حول الولاء، ذلك أنَّ بعض أولئك الموظفين قد يقاومون تنفيذ أوامرها ــ وهي مشكلة شبيهة بتلك التي واجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما اصطدم بوكالات الاستخبارات خلال أسابيعه الأولى في السلطة.
ونفى جان مسيحا، خريج المدرسة الوطنية للإدارة، والمسؤول عن اختيار كبار الموظفين المدنيين في حكومة لوبان، احتمالية حدوث خلافات مع وكالات الاستخبارات، محتجًا بأنَّ الرئيسة سوف تكسب، سريعًا، ولاء معظم الوزارات الحكومية الأساسية. وقال مسيحا: «معظم رجال الشرطة صوتوا بالفعل لصالح لوبان، ولدينا جحافل من المؤيدين في صفوف القوات المسلحة».
تطهير القضاء
اعترف مسيحا بالتحديات الكائنة في الأفرع الأخرى من الحكومة، لاسيما القضاء. وكانت لوبان، في الكثير من جولاتها الانتخابية الأخيرة، قد صبت جام غضبها على القضاة الذين يحققون في القضايا الكثيرة المرفوعة ضدها، بما في ذلك اتهامات بإساءة استخدامها لأموال البرلمان الأوروبي لدفع رواتب مساعدي حزبها. (رفضت لوبان الإجابة عن أسئلة الشرطة حول هذه القضية، استنادًا إلى حصانتها القانونية باعتبارها عضوًا من أعضاء البرلمان الأوروبي).
وقال مسيحا جوابًا عن سؤال حول احتمالية انتقام الرئيسة من القضاء حال وصولها للسلطة: «الجهاز القضائي ليس كيانًا مستقلًا بإمكانه أن يختار من يريد خدمته. هذه كيانات إدارية وظيفتها تنفيذ المشروع السياسي الذي اختاره الناس. طبعًا سوف تطبق إجراءات عقابية أينما وجدت المشكلات». وأضاف مسيحا أنَّ الأمر قد يتطلب اختيار «رجال جدد» من أجل ضمان الولاء في كل أفرع الحكومة.
سوف ينطبق المبدأ ذاته على المناصب الكبرى غير الوزارية، مثل منصب مدير الخزانة، وسكرتير الإليزية، المسؤول عن إدارة أجندة الرئيسة. وقال مسيحا: إنَّ حزب الجبهة القومية، الذي يفتقر للشبكات العميقة من كبار الموظفين المدنيين بخلاف منافسيه، كان يعمل منذ عامين على اختيار وفحص المرشحين من خلال قسم موارد بشرية داخلي. (يواجه مرشح الوسط ماكرون مشكلة مشابهة، إذ ليس هو الآخر عضوًا من أعضاء أي حزب شائع، لكنَّ له شبكة أوسع من الموظفين المدنيين يمكنه دعوتهم).
كانت لوبان، في الكثير من جولاتها الانتخابية الأخيرة، قد صبت جام غضبها
على القضاة الذين يحققون في القضايا الكثيرة المرفوعة ضدها، بما في ذلك
اتهامات بإساءة استخدامها لأموال البرلمان الأوروبي لدفع رواتب مساعدي
حزبها.
وقال التقرير: إنَّ الأدوار المهمة سوف توزع بين مجموعة قوامها 150 من الموظفين المدنيين يعرفون أيضًا باسم «هوراتي» ــ الموالون للوبان، المحافظون على رهاناتهم بعدم الكشف عن هوياتهم، والذين لا يمكن أبدًا التحقق من عددهم بشكل مستقل. وقال مسيحا: «سوف يكون أولئك الـ150 موظفًا بمثابة القوة الضاربة في كل العمل الحكومي، لكن غير هذه المجموعة، ثمة أشخاص لا ينتمون للهوراتي أعلمونا باهتمامهم بالعمل معنا».
وأضاف مسيحا: «عمومًا، لدينا أسماء لـ80 إلى 90 بالمائة من كل المناصب الاستراتيجية في الإدارة العليا. الفكرة أن نكون قد وجدنا معظم التعيينات الأساسية بحلول صبيحة الثامن من شهر مايو (أيار)».
معركة بروكسل
بعد أن تختار لوبان إدارتها، فلن تكون أمامها إلا فسحة قصيرة من الوقت لتتصرف قبل موعد الانتخابات التشريعية يومي 11 و18 من شهر يونيو (حزيران). فبعد أن تعيد لوبان السيطرة على الحدود وطرد عشرات ممن يسمون بالأجانب الإرهابيين المحتملين، سوف يتعين عليها أن تواجه عدوها اللدود: بروكسل.
بحسب الكثير من مساعدي الحزب، فإنّ أول إجراءات لوبان في المشهد الدولي سوف يكون السفر إلى عاصمة أوروبا وتسليم خطاب لرئيسة المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ورئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك تحدد فيه «المطالب» الفرنسية لإصلاح الاتحاد الأوروبي.
سوف تتعارض هذه الخطوة بشكل صارخ مع تقليد فرنسي يقوم بموجبه الرؤساء الفرنسيون أولًا بتجديد التزامهم بالشراكة الفرنسية الألمانية عبر السفر إلى برلين. وسوف تؤدي هذه الخطوة إلى ترسيخ أجندة لوبان المعادية للاتحاد الأوروبي لتصير السياسة الفرنسية الرسمية، وتمهد السبيل لمواجهة دبلوماسية بين باريس وبروكسل وبرلين سوف تهيمن على كامل فترتها الرئاسية.
لم تكشف الجبهة القومية عن كنه مطالب لوبان للاتحاد الأوروبي، لكن بالنظر إلى الـ144 مقترحًا في برنامجها الانتخابي، فلن تكون هذه المطالب أقل من الاستثناء الكامل لفرنسا من «الحريات الأساسية» الأربعة للاتحاد الأوروبي. سوف تطلب الحق بإغلاق حدودها القومية بشكل دائم، ووضع الأولوية للعمال الفرنسيين على العمالة الأجنبية، وإلغاء كل اتفاقات التجارة الحرة من جانب واحد، بالإضافة إلى حظر الحجاب في الأماكن العامة ــ وهي مطالب سوف تمثل انتهاكات للكثير من اتفاقات الاتحاد الأوروبي، وتجعل من «المفاوضات» أمرًا شديد الصعوبة.
وتتوقع لوبان، مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، فترة من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي قبل أن تعقد استفتاءً حول عضويتها «بعد الانتخابات الإيطالية» ــ أو في أي وقت في أواخر عام 2018 ــ وذلك بحسب آخر تصريحاتها، لكن بخلاف كاميرون، الذي كان يدعم البقاء في الاتحاد الأوروبي، فإنَّ لوبان قد أوضحت أنها تريد انسحاب فرنسا أيًا كانت نتيجة المفاوضات. ومن ذلك ما قاله مسيحا مرددًا صدى تصريحاتها: «سوف يكون هناك استفتاء».
قد يجعل موقف لوبان من أي محادثات تجريها مع الاتحاد الأوروبي لا قيمة لها، لكن برتراند دوتيل دولا روشير، أحد كبار مساعدي الحزب، والمقرب من فيليبوت، قال: إنَّ رغبتها في التفاوض «صادقة». وقال إنَّ الرئيسة الجديدة سوف تسعى لبناء تحالف مع الدول الأعضاء التي تريد إصلاح الاتحاد الأوروبي أو حله، وهي دول شملت «إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفنلندا وأستراليا» ــ وهي دول إما لديها موجة من صعود اليمين الشعبوي أو أسباب للاستياء من التقشف الذي تقوده ألمانيا في أوروبا.
ستطلب لوبان الحق بإغلاق حدودها القومية بشكل دائم، ووضع الأولوية للعمال
الفرنسيين على العمالة الأجنبية، وإلغاء كل اتفاقات التجارة الحرة من جانب
واحد، بالإضافة إلى حظر الحجاب في الأماكن العامةــ
وقال التقرير: إنَّ الغرض من ذلك سوف يكون، بحسب وصف مسيحا، «إعادة التقييم الشاملة» للمبادئ الأساسية للاتحاد الأوروبي من أجل «إعادة السيادة إلى الدول القومية». وقد عبر مساعدا لوبان عن ثقتهما في أنَّ فرنسا، بصفتها عضوًا مؤسسًا للاتحاد الأوروبي، سوف تكون قادرة على فرض إرادتها على الشركاء الممانعين. وقال مسيحا: «لن يكون لدى ألمانيا أي خيار».
ومع ذلك، فقد أقر الكثير من مسؤولي حزب الجبهة القومية بأنَّ الحزب لم يعقد أية محادثات مع الحكومة أو الأحزاب في برلين. وعندما عقدت لوبان «مؤتمرًا رئاسيًا» في باريس في شهر فبراير (شباط الماضي)، حضر 46 سفيرًا، لكن لم يكن سفيرا ألمانيا وبريطانيا من ضمن الحضور. وألقى مسيحا باللائمة على «انغلاق» الحكومة الألمانية في هذا الغياب عن الحوار. وأضاف مسيحا: «بل إنني أجرؤ على القول بأنَّ هناك الكثير من الكيانات داخل الحكومة الألمانية تعمل على انتخاب مارين لوبان. بدأت الأسواق المالية بالفعل في التفكير الجاد حول انتخاب لوبان، ومن ثم فليس هناك من سبب يدعوهم لعدم فعل الشيء ذاته».
لكن بينما تفترض الجبهة القومية أنَّ برلين سوف ترضخ للمطالب الفرنسية، فهناك الكثير من الناس في ألمانيا ليسوا واثقين من هذا الأمر. فقد قال كلاوس بوشنر، أحد أعضاء البرلمان الأوروبي والعضو بحزب الخضر الألماني إنَّ العكس صحيح. فقال بوشنر، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «لو وقع غير المحتمل وفازت لوبان في انتخابات الرئاسة الفرنسية، فإنني أتخيل أنَّ الغالبية العظمى من أعضاء الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا بالقطع، سوف تقاوم بقوة مطالبها ولن تتعاون معها».
وردد مسؤول فرنسي كبير، اشترط عدم ذكر اسمه، صدى كلمات بوشنر حين قال: «لست متأكدًا من أننا سوف نكون في موضع قوة يمكننا من فعل هذا. قد تقرر دول أخرى أنها تود المحافظة على اليورو، وقد نصبح نحن ثقبًا أسود في المنتصف. بإمكان ألمانيا أن تكون تحالفًا من الدول المؤيدة لليورو، مستغلة حقيقة أنَّ فرنسا سوف تتعرض لهجوم مالي وتبدو ضعيفة».
وحتى مع ذلك، فليس ثمة سبيل لإنكار أنَّ ألمانيا سوف ينتهي بها المطاف أكثر عزلة دون فرنسا، حليفتها الطبيعية. وقالت صوفيا بيش – الخبيرة الألمانية بمركز الإصلاح الأوروبي – إنه إذا فازت لوبان، فسوف «تنفد خيارات ألمانيا تدريجيًا، ذلك أنَّ اعتماد ألمانيا على فرنسا أمر مفروع منه … تحتاج ألمانيا إلى فرنسا بجانبها، وأن يكون هذا واضحًا لباقي أوروبا».
برلين ترد
يعتقد المحللون أنَّ أكثر السيناريوهات احتمالًا، خلال تلك المفاوضات والتي قد تستغرق أكثر من عام، أن تكون ثمة مواجهة على غرار بريكسيت بين فرنسا وتحالف من الدول المؤيدة لليورو. وحتى تطرح لوبان المادة 50، التي سوف تسجل طلاقها الرسمي من الاتحاد الأوروبي (على فرض فوزها في الاستفتاء)، فمن المرجح أن تصارع ألمانيا الزمن وتقدم بضعة تنازلات قدر المستطاع وتتخذ إجراءات لعزل باقي منطقة اليورو من الهجمات المالية ضد فرنسا.
طبعًا من غير المحتمل أن يظل الوضع الداخلي في فرنسا مستقرًا بينما تسعى لوبان في الخروج من الاتحاد الأوروبي. قد يغلي الغضب بسبب فورزها لأسابيع، وقد يتصاعد هذا الغضب فتنتشر أعمال الشغب إلى الكثير من المدن مع زيادة العنف، وذلك بحسب خطة طوارئ وضعها اتحاد الشرطة اليساري. وفي غضون ذلك، سوف تكتسب هجمات السوق ضد الشركات الفرنسية والدين الحكومي زخمًا، ويفاقمها تعقيدات متصلة بإغلاق الحدود، ما سوف يقدح زناد أزمة مصرفية من شأنها أن تصبح خطيرة في وقت قليل.
وقال مسؤول فرنسي الكبير: «إنَّ الفكرة الفورية التي تنقدح في ذهنك عند سماع كل هذا أننا سوف نقيد تدفق رأس المال والوصول للبنوك. سوف تكون هناك مشكلة كبيرة للغاية في تدفق رأس المال، وسوف يؤدي هذا إلى تطور اقتصاد مواز، وانفصال بنك فرنسا عن نظام اليورو، وأخيرًا انتقال قاس للغاية ناحية نظام القسيمة».
أمر مصيري
في خضم هذا الصداع المتزايد، سوف تواجه لوبان التحدي الأكبر في بدايات فترة رئاستها والمتمثل في محاولة الفوز بأغلبية الجمعية الوطنية (مجلس النواب). عادة، ما يضمن الفائز في الانتخابات الرئاسية الحصول على أغلبية برلمانية، لأنَّ مؤيدي المعسكر الخاسر المثبطين يبقون في منازلهم. ومن المؤكد أن فوز لوبان سوف يعطيها زخمًا رهيبًا في صناديق الاقتراع.
لكنَّ الكثير من أعضاء الحزب الاشتراكي وحزب الجمهوريين المحافظ قالوا: إنَّ الأمور سوف تكون مختلفة. فقد أحد أعضاء البرلمان، إنَّ المحافظين لن يكونوا مثبطين من فوزها، وإنما سوف يستخدمون هذا الفوز وما سوف ينتج عنه من شعور بالخطر في السيطرة على البرلمان وقص جناحيها حتى نهاية فترتها الرئاسية.
دون الأغلبية في البرلمان، سوف تكون لوبان في موقف هش أمام رئيس وزراء
بإمكانه إيقاف إصلاحاتها واستفتاءاتها، لكنَّ لوبان توقعت هذه الاحتمالية
وخططت طبقًا لها.
وقال فيليب جوفان – عضو البرلمان الأوروبي الذي يدعم رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون – «ليس لدى حزب الجمهورين أية نية في الانسحاب أمام لوبان في الانتخابات التشريعية. حتى بعد تلقي الهزيمة في الانتخابات الرئاسية، فثمة فرصة كبيرة أنَّ الحزب سوف يؤدي جيدًا في الانتخابات التشريعية بفضل توغلنا العميق في كل البلاد، وهو ما لا يجارينا فيه حزب الجبهة القومية».
وأضاف جوفان: «طبعًا ثمة احتمالية قوية للغاية للتعايش»، مشيرًا إلى موقف يكون فيه رئيس الوزراء والحكومة منتميان إلى حزب، والرئيس منتم إلى حزب آخر. واعترف جوفان بأنَّ بعض أعضاء البرلمان ممن أظهروا بالفعل تقاربهم مع حزب الجبهة القومية قد يقفزون من السفينة، لكن عمومًا، قال جوفان إنَّ لوبان من غير المرجح «أن تفوز بأكثر من 80 إلى 100 مقعدًا» ــ وهو ما سوف يكون نتيجة لأداء مدهش بالنظر إلى أنَّ الحزب كان له سابقًا عضوين فحسب في البرلمان، لكنّه مع ذلك سوف يكون أقل من الأغلبية المطلوبة بـ289 مقعدًا.
دون هذه الأغلبية في البرلمان، سوف تكون لوبان في موقف هش أمام رئيس وزراء بإمكانه إيقاف إصلاحاتها واستفتاءاتها. لكنَّ لوبان توقعت هذه الاحتمالية وخططت طبقًا لها.
الحكم بإصدار المراسيم
سوف تحدد نتيجة الانتخابات التشريعية السنة الأولى من رئاسة لوبان وتحدد ما إذا كانت سوف تحكم البلاد، أو تتعرض للمضايقات الحكومية بينما توقع مراسيم تنفيذية.
ليس ثمة استطلاعات بعد حول نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية، لكن بحسب المحللين، فلو فازت لوبان، فإنَّ السيناريو الأكثر ترجيحًا سوف يكون حصول حزب الجبهة القومية على المركز الثالث، بعد حزبي الجمهوريين والاشتراكيين. ولن يكون أمام لوبان أي خيار سوى قبول رئيس وزراء تقدمه الأغلبية النيابية، مثلها في ذلك مثل الرئيسين فرانسوا ميتران وجاك شيراك.
في تلك الحالة، يصبح اسم المرشح ضربًا من ضروب التخمين. فالمرشح المحافظ فرانسوا فيون قد لا يرغب في خدمة لوبان لخمس سنوات أخرى، بعد أن عمل رئيسًا لوزراء ساركوزي. والشيء ذاته ينطبق على المرشح السابق، ورئيس الوزراء السابق، ألان جوبيه، الذي أشار إلى أنه مهتم بمنصب الرئاسة فحسب. ومن ثم سوف تتجه الأنظار صوب فرانسوا باروان، حليف ساركوزي ووزير المالية السابق الذي رُشح سابقًا لرئاسة الحكومة لو انتخب فيون.
وقال التقرير: إنه بحلول ذلك الوقت سوف تكون لوبان قد خسرت المعركة لا الحرب، وبينما تنتظر فرصة لحل البرلمان وإعادة المحاولة لتكوين أغلبية، سوف تحكم بالمراسيم التنفيذية. ويمكن استخدام هذه المراسيم لتنفيذ المزيد من تعهدات حملتها الانتخابية، مثل حظر تعليق أعلام الاتحاد الأوروبي من كل المباني العامة، وحظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، لكنَّ هذه المراسيم سوف تكون عرضة للتحديات القانونية من محاكم الاستئناف، وهكذا سوف تمضي لوبان أكثر أيامها الـ100 الأولى في نزاعات قانونية، محاولة فرض إرادتها التنفيذية أنى استطاعت.
تعديل كفة الميزان
قال التقرير: إنَّ أغلبية الفرنسيين يدعمون بوضوح البقاء في الاتحاد الأوروبي والإبقاء على اليورو، لكن يعتقد كبار مسؤولي حزب الجبهة القومية أنه بمجرد وصول لوبان إلى رأس السلطة فسوف يكون بإمكانها تعديل كفة الميزان. فقد تستخدم التوترات والمواجهات مع القادة الأوروبيين الآخرين حول مطالب فرنسا من الاتحاد الأوروبي لإذكاء النقاشات حول اليورو داخليًا، في الوقت الذي تعمل فيه على استقطاب الدعم لها.
ومع تعليق الهجرة، واستعار المناظرة حول اليورو، وانقسام أوروبا، قد يكون بإمكان لوبان أن تحاول مرة أخرى. فقد يكون بإمكانها، في بدايات عام 2018، أن تسعى لحل البرلمان وأن تحاول مرة أخرى الحصول على أغلبية حاكمة.
أو قد تسعى لوبان إلى الحل القانوني النووي. ألا وهو المادة 16 من الدستور والتي تسمح للرئيس بالتحكم الكامل في حال تعرض «استقلال البلاد، أو سلامة أراضيها، أو التزاماتها الدولية» للتهديد. وهذه شروط قد تتكفل بها عملية إرهابية كبيرة، أو أزمة مالية ضخمة تمنع الحكومة من الاقتراض من الأسواق العالمية. ويبقى السؤال: ماذا لو تسببت لوبان بنفسها في هذه الأزمة؟
رابط المادة الاصلي: هنا.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]