آلاف السوريين يعانون صعوبات تثبيت الزواج والولادات

3 مايو، 2017

طالت الظروف التي أفرزتها سنوات الحرب عقب اندلاع الثورة السورية جميع جوانب حياة السوريين الشخصية منها والعامة، لتهدد بشكل متزايد استقرار وسلامة الأسرة، في ظل تغييب أو غياب المؤسسات القانونية الناظمة لشؤونها، خصوصاً على صعيد تسجيل الزواج والولادات، الأمر الذي يشكل خطراً متعدد الأشكال على المجتمع.

يقول الناشط المدني مؤنس ابو علي لـ صدى الشام، إن “من أكبر المشكلات الاجتماعية اليوم في المناطق المسيطر عليها من قبل النظام هي مسألة تثبيت الزواج والولادات، وذلك لعدة أسباب أهمها وجود عشرات آلاف الشباب المتخلفين عن الخدمة العسكرية الإجبارية ضمن قوات النظام، إذ لا يستطيع هؤلاء الحصول على موافقة شعب التجنيد على زواجهم عبر منحهم -رخصة زواج- في وقت لا تمنح فيه للمطلوبين للخدمة أو للذين يؤدونها”.

وأضاف “اليوم هناك آلاف الشباب الذين تزوجوا خلال السنوات الست الماضية، ولم يستطيعوا إلى الآن تثبيت زواجهم، ومنهم من أنجب أطفالاً باتوا اليوم في سن دخول المدرسة، دون أن يكونوا مسجلين سابقاً في السجل المدني عبر أوراق رسمية تبيّن تاريخ ولادتهم أو مكانها، ما يهدد بعدم وجود مستقبل لهم”.

 

إشكالية اجتماعية

 الناشط المدني مؤنس أبو علي، لفت إلى أن المشكلة تتجاوز الداخل السوري بعد موجات اللجوء التي حصلت، فهناك “مجموعة من الشباب الذين لجؤوا إلى أوروبا يواجهون صعوبات كبيرة في حال رغبوا بالزواج بفتاة ما تزال داخل سوريا، والقيام بمعاملة لم شمل لها في بلد اللجوء، حيث يحتاج أحد أفراد عائلته إلى وكالة خاصة ليسجل له الزواج، وهذا نادراً ما يفعله الشاب قبل مغادرته البلاد، إضافة إلى موافقة شعب التجنيد.

وأوضح أن هذا الأمر “يدفع الفتاة إلى رفع دعوة قضائية تطالب بها بتثبيت الزواج لحفظ حقوقها، وفي هذه الدعوى إشكالية اجتماعية حيث تدعي أن الدخلة قد تمت ويشهد على ذلك ولي أمرها وولي أمر خطيبها، مع أن الأمر لم يتم بالفعل، أي أنها شهادة غير صحيحة، وبالتالي تشوب هذه الدعوى فساد ورشوة”. مشيراً إلى أن  المحامي يتقاضى فذ مثل هذه الحالة ما بين 300-400 دولار أمريكي أي أكثر من 200 ألف ليرة سورية (سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد نحو 540 ليرة).

 

 

من الإشهار إلى التثبيت

في المناطق السورية المحررة تتخذ المشكلة أبعاداً أخرى تبعاً لطبيعة الظروف التي تحكم عقود الزواج في هذه المناطق. ويشير الصحفي أمير علي، من إدلب، إلى أن “قسماً من هذه العقود يتم تسجيله في المحكمة التي تسيطر على المنطقة، فعلى سبيل المثال يعتمد أهالي بلدة بنش والمناطق المحيطة بها على محكمة بنش لتثبيت زيجاتهم، وهناك زيجات يتم فيها الاكتفاء بإشهارها وتثبت الحقوق بالشهود، وبوجود وجهاء المجتمع، وخاصة أن هناك من لا يثق بالمحاكم المحلية أو محاكم النظام فيكتفي بذلك، لكنه وبعد إنجابه للأطفال يشعر أنه بحاجة ماسة لتسجيل أبنائه ووجود وثائق لهم، فيلجأ للتسجيل في أي محكمة”.

ويؤكد الصحفي أن “غياب مؤسسات قانونية لتثبيت هذه المعاملات يثير مشكلات اجتماعية عديدة، وخاصة مع وجود خليط واسع من السوريين من نازحين أو مهجرين من مناطق مختلفة”، مضيفاً أن “الطلاق يتم غالباً عن طريق المحاكم التابعة لجيش الفتح أو المحاكم التي تتبع لفصيل خارج نطاق سيطرة جيش الفتح أو عن طريق وجهاء المنطقة أو البلدة، وكل تلك المعاملات لا تتسم بالتنظيم أو الدقة”.

وبيّن أن “هناك قسماً من الأهالي ما يزال يعتمد على محكمة موجودة في بلدة معرة مصرين فيها موظفون يتبعون إلى وزارة العدل التابعة للنظام، ليثبتوا الزواج عبرها، وخاصة أن المعاملات الصادرة عنها هي الوحيدة المعترف بها رسمياً خارج البلاد وداخلها”.

وذكر أن “هناك محامين يقومون بالمعاملات الخاصة بالزواج وتسجيل الأبناء في مؤسسات النظام والحصول على الأوراق الرسمية، خاصة المطلوبة للسفر من لجوء وهجرة وغيرها، حيث يكلف تثبيت الزواج ودون حضور الشاب والفتاة مبلغ 250 دولار أي نحو 135 ألف ليرة”.

وما تعيشه مناطق إدلب ينطبق على درعا، ففي المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة لا يوجد تثبيت لمعاملات الزواج والولادات كذلك، “فهذه المسائل تتم بشكل بدائي، وغالباً من يقوم بإتمام الزواج هم مشايخ البلدات”. حسبما يؤكد الناشط الإعلامي اسكندر الحوراني لـ صدى الشام.

 

زيجات المنشقين والمقاتلين الأجانب

 بالنسبة للمحامين السوريين فإن الكثير من الاستشارات القانونية ترِدهم من داخل البلد وخارجها، فيما يخص قضايا الزواج والطلاق وتسجيل الأطفال في السجل المدني، طبقاً لما ذكره محامي يقيم في دمشق، طلب عدم ذكر اسمه، لـ صدى الشام.

“ويبقى تثبيت زواج من يقيم داخل البلاد، بوجود وإقرار الزوج والزوجة، أبسط بكثير من حالة غياب الزوج سواء أكان لاجئاً أو معتقلاً أو مفقوداً، ومع وجود أطفال يعيشون في كنف الأم”.

وتتشعب الأزمة وتتعقد “في ظل القوانين الحالية التي تفتح المجال واسعاً لوجود فساد، كما أن القضاء والقانون اليوم هو الأضعف في ظل وجود متنفذين وأصحاب حصانة من قبل الميليشيات العسكرية، ما يفقد الكثير من النساء حقوقهم”، تبعاً لما يؤكده المحامي.

كما أن مسألة عدم تثبيت عقود الزواج خلق “صعوبة أخرى بوجود أعداد كبيرة من مكتومي القيد، أي الأبناء غير المسجلين في السجل المدني، وهذه الحالات نجدها بوضوح لدى أبناء المنشقين عن الجيش أو المطلوبين للخدمة في مناطق النظام، ولدى معظم العائلات في مناطق المعارضة”.

واعتبر المحامي أن “هناك مشكلة خاصة أيضاً بالسوريات اللواتي يتزوجن بمقاتلين أجانب في مناطق النظام أو المعارضة، ففي الغالب لا يُسجل هذا الزواج لدى جهات رسمية أصولاً، والعديد منهم إما يقتل أو يختفي أو يغادر البلاد لسبب أو لآخر، تاركاً خلفه زوجة وفي بعض الحالات أبناء دون أي شيء يثبت هذا الزواج أو نسب الأطفال، وهؤلاء سيكونون لاحقاً أحد الملفات الإشكالية التي ستورثها الحرب للمجتمع والقضاء في المستقبل”.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]