إيران وطموحاتها في بلاد الشام

7 مايو، 2017

لماذا تعمل طهران على تأمين ممرين بريين لها إلى المتوسط؟!

بحسب تصريح لوزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، تعكف إدارة الرئيس ترامب حالياً على إعادة النظر في طرق مواجهة التحديات التي تفرضها طهران، مما يعني على الأرجح البحث عن طرق من شأنها كبح جماح توسع إيران في الشرق الأوسط، غير أنه من أجل ضمان فاعلية أي خطة لاحتواء طهران، يجب على الإدارة الأمريكية تَدارُس هذه الاستراتيجية الإيرانية حديثة النشوء في بلاد الشام، وإدراك أنه بالرغم من أن إيران لا تزال تأمل في فرض سيطرتها إقليمياً على المدى البعيد، إلا أنها تضع اليوم نصبَ أعينها تأمينَ موقع المسيطر في كل من العراق ولبنان وسوريا. ويوفرُ المستنقعُ الدامي الذي يُغرق هذه البلدان، فرصاً أكبر لتعزيز قوة إيران أكثر مما سيكون مواجهة حتمية أكثر خطورة بالتأكيد في الخليج، حيث سيتعيّن عليها التعامل مع الولايات المتحدة وحلفائها. وعلاوة على ذلك، فإن النجاح في هذه المقاربة الضيقة يُمكن في نهاية المطاف أن يُقوي ذراع طهران في مواجهة السعودية والسُنة في الدول المجاورة.

ولعلَ اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني هو أحد المسؤولين عن تنفيذ هذه الرؤية السياسية الجديدة، حيث انشغل سليماني على مدار السنين الثلاث الماضية بوضع أولى اللبنات لتأمين منفذ واحد على الأقل أو منفذين على الأرجح عبر بلاد الشام /أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب/ سعياً لربط إيران بالبحر الأبيض المتوسط. ومن شأن هذين الممرين قطع مسافة لا تقل عن 800 ميل من الحدود الغربية لإيران عبر واديي دجلة والفرات مررواً بالمساحات الصحراوية الشاسعة في سوريا والعراق مما سيوفر حلقة وصل لحزب الله في لبنان، ثم ينتهيان أخيراً على تخوم مرتفعات الجولان. وسيكونان منفذاً لنقل الإمدادات العسكرية والمقاتلين عند الحاجة. ومؤخراً، كشفت بعض المليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً، علانية عن جهودها لنقل المقاتلين عبر هذين الممرين، وعلى سبيل المثال، تتواجد قوات مليشيا حزب الله اللبناني في سوريا والعراق، بينما تعمل في لبنان اليوم أهم المليشيات الشيعية العراقية.

 

ويقول مسؤولون إيرانيون كبار إن الهدف من هذه الفكرة هو الاستعانة بأطراف خارجية تعمل بالوكالة للإشراف على هذين الممرين من أمثال مليشيا حزب الله ومختلف المليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً في سوريا والعراق، وبذلك لا تُضطَرُ إيران لنشر قواتها العسكرية لأداء هذه المهمة، حيث لا تحبذُ طهران استثمار قوتها البشرية في الخارج. وسيكون بمقدور المليشيات التي تعمل بالوكالة لصالح إيران، إرسال قوات يتراوح عددها بين الـ 150 والـ 200 ألف مقاتل من بينهم  18000 من الشيعة الأفغان ومن 3 إلى 4 آلاف من نظرائهم الباكستانيين بالإضافة إلى مليشيات صغيرة من المسيحيين والدروز. وقد تم بالفعل نشر بعض هذه القوات في قطاعات متعددة على امتداد المنفذين المتصَوَرَين. كما ستتمكن إيران من تجنيد مزيد من الشيعة لا سيما من اللاجئين الأفغان والباكستانيين على أراضيها والذين يبحثون عن عملٍ وقضية يقاتلون لأجلها.

وسيجتاز المنفذ الشمالي إيران عبرَ محافظة ديالى العراقية ذات الغالبية الشيعية باتجاه محافظة كركوك ومنطقة الشرقاط إلى الشرق وصولاً إلى سوريا عبر منطقتي تلعفر وجبال سنجار، مما يعني أن القوافل الإيرانية سوف تبلغُ الأراضي الكردية السورية المتصلة مسبقاً مع مناطق سيطرة النظام السوري. وإذا ما أرادوا التحرك عبر هذا المنفذ، سيحتاج الإيرانيون لضمان عدم تَدَخل الحكومة العراقية وكذلك القوات الكردية في الغرب. ونظراً لتنامي التأثير الإيراني على الحكومة العراقية وقواتها المسلحة، يبدو من المستبعد جداً أن يكون هناك اعتراض حقيقي من حكومة بغداد على تلك القوافل. وينطبقُ الأمر ذاتهُ على الأكراد، حيث لن ترغب قوات البيشمركة الكردية التابعة للحزبين الكرديين الرئيسيين في العراق وهما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، بوقف حركة القوات الإيرانية التي لا تهدد مصالحها الخاصة. أما بالنسبة لقوات حزب العمال الكردستاني /بي كي كي/ في سنجار، فتتمتع هذه القوات بعلاقة وثيقة مع طهران، كما أن المليشيات الموالية لإيران في تلعفر تعمل بمباركة وضوء أخضر أمريكيَين. وفي المنطقة الكردية السورية المعروفة بين الأكراد باسم “روج آفا”، فيتعرض الأكراد بزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي /بي يي دي/ لتهديدات مستمرة من جانب تركيا التي تعتبرُ بدورها حزبَيَ العمال والاتحاد الديمقراطي الكرديين جماعتين إرهابيتين وبالتالي ترى في إيران قوة صديقة.

ومهما يكن، فإنه لم ينتج عن ازدياد حدة التنافس التركي- الإيراني مؤخراً في بلاد الشام أي خلاف أو احتكاك على أرض الواقع حتى يومنا هذا، لا بل من المحتمل أن يبقى هذا التنافس على نفس المنوال في المستقبل المنظور. ويبدو أن تركيا أردوغان تفضل الحرب الخطابية على تلك الحقيقية ضد إيران. ورغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  يدين النشاطات الإيرانية في بلاد الشام أو ما يسميه “التوسع الفارسي”، إلا أنه وبحكم سلوكه حتى الآن، فسوف يتردد باستخدام نفوذه الكبير على الأكراد العراقيين والأقلية التركمانية في العراق وسوريا بالإضافة إلى المليشيات السُنية العَربية، في محاولةٍ لإحباط المخطط الإيراني.  

أما المنفذ الجنوبي، فسيكون من شأنه السماح بحركة مرور من إيران عبر المحافظات الشيعية العراقية ويشتمل على الطريق الرئيسي الصحراوي في محافظة الأنبار وينتقل عبر شرق سوريا قبل الوصول إلى العاصمة دمشق. وتكمنُ المشكلة الأكبر بهذا المنفذ في أن سكان الأنبار ذوي الغالبية السُنية ينظرون إلى إيران بعين الشك ويكنون لها العداءـ غير أن معظم السكان المقٌدَرِ عددهم بـ مليون ونصف سُني يٌقيمون في أربع مدن كبيرة هي الفلوجة وحديثة والرمادي والقائم – والتي يمكن تجنبها بسهولة عبر سلكِ طرق الريفِ القاحل. وحَدَثَ في هذه المدن تحديداً أن قاتلت المليشيات الشيعية التي ترعاها طهران جنباً إلى جنب مع القوات العراقية ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية المعروف أيضاً باسم /داعش/، حيث مازالت هذه المليشيات تحافظ على بعض المعاقل لها على طول الطريق السريع. وفي هذا الصدد، لا يُرجَح أن تعترض قوات الأمن العراقية المتمركزة على طول الطريق الصحراوي في محافظة الأنبار، القوافل القادمة من إيران أو المليشيات المتحالفة معها. وسوف تتردد العشائر السُنية المحلية في إشعال صراع لا تستطيع كَسبه. ويمكن لإيران أن تحثّ هذه العشائر أو ترشوها أو حتى تجبرها على غض الطرف عن قوافلها العابرة لأراضيهم.

 

وتعتزم إيران على مدى السنين العشرة القادمة، تحديث ترسانتها العسكرية التي عفا عليها الزمن. ومن شأن ذلك أن يزود تدريجياً قوات الحرس الثوري الإيراني وجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو /أرتيش/، بالمدفعية المتنقلة والدبابات والمعدات الأخرى اللازمة للنظر في تشكيل قوة استطلاعية بعيدة المدى في مرحلة ما لدعم المليشيات المتحالفة معها. وباستخدام قوة جوية مطورة، يمكن أن توفر إيران غطاءً لقواتها البرية المتحركة عبر هذين المنفذين إما لتأكيد نفوذها على الفصائل السياسية المحلية والعشائر والطوائف، أو لحشد القوات قرب الحدود مع إسرائيل. وبمجرد أن تضع الحرب أوزارها في العراق وسوريا، فإن طهران ستواصل على الأرجح تطوير المليشيات التابعة لها بالوكالة في كِلا البلدين، بنفس الطريقة التي تدعم بها حزب الله اللبناني. ففي العراق، حصلت المليشيات المدعومة إيرانياً والتي هي جزء من وحدات الحشد الشعبي- مظلة تضم عشرات المليشيات الشيعية في الغالب- على اعترافٍ رسمي وأموال من حكومة بغداد. وفي سوريا أيضاً، إذا ما بقي الرئيس الأسد على رأس السلطة، فإن إيران تخطط لدمج طيفها الواسع من المليشيات لتشكيل هيكل متطوعٍ وشبه عسكري على غرار قوات /الباسيج/ يكون تحت سيطرتها المطلقة. وتهدف هذه المليشيات إلى المساعدة في الحفاظ على حكم الأنظمة المؤيدة لإيران في عموم بلاد الشام، وتأمين الممرات الإيرانية من خلال فرض طوقٍ من مناطق سيطرة محلية، وتحالفات متخصصة مع لاعبين محليين في عموم المنطقة.

 

ومهما يكن،فإن الهدف النهائي من هذه المنافذ الإيرانية هو توسيع نطاق وصول إيران إلى مرتفعات الجولان بهدف تضييق الخناق على إسرائيل. ويُعَبِّرُ الإيرانيون علناً عن شديدِ اهتمامهم بفتح جبهة الجولان أمام وكلائهم، كما أن كبار ضباط الحرس الثوري منخرطون هناك اليوم في تأسيس مليشيا جديدة تحت اسم “فوج الجولان” – المُكون جزئياً من الفلسطينيين المقيمين في سوريا. وقد دافع المخضرم أحمد جبريل قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المدعومة إيرانياً، عن خطوة من هذا القبيل في مرتفعات الجولان، وهي دعوة لطالما رددها الإعلام الرسمي السوري. ومن شأن تكتيك كهذا أن يوسع خط الجبهة الحالي في لبنان بين إسرائيل وحزب الله ليشمل منطقة نهر اليرموك وهي نقطة التقاء الحدود السورية- الأردنية- الإسرائيلية.

وكما أسلفنا، فقد كان قادة المليشيات العراقية المدعومة إيرانياً مثل مليشيا النجباء، يتحدثون أمام الملأ عن عزمهم نقل قواتهم إلى جبهة الجولان السوري. وقد انتقمت إسرائيل عدة مرات من هجمات انطلقت من المنطقة ذاتها حيث قُتِل جنرال إيراني خلال المعارك هناك.

وإذا ما أرادت الرد على خطة إيران لتأمين نفوذها في بلاد الشام، ينبغي على الإدارة الأمريكية العمل مع نظرائها الإقليميين للحيلولة دون محاولة طهران إنشاء هذين الممرين. وينبغي تَشجيعُ  تركيا العضو في حلف الناتو، على مقاومة الجهود الإيرانية الرامية لبسط السيطرة على الممرين لا سيما وأنهما شريان الحياة التجاري الذي تمر عبره كميات كبيرة من الصادرات التركية إلى العالم العربي. وينبغي أيضاً تزويد الأكراد في سوريا والعراق بالمعدات العسكرية لمساعدتهم على مواجهة المليشيات الشيعية. أما دور الأردن فينبغي أن يكون دعم السُنة غرب العراق بالإضافة إلى تجمع عشائر بدو شمر في الصحراء السورية، والمتمتع بروابط تقليدية مع المملكة العربية السعودية، من خلال مساعدتهم على تنظيم قوتهم. وفي ذات السياق، ينبغي أن تدعم الولايات المتحدة جهود إسرائيل لمنع طهران من تأمين موطئ  قدم لها على الجانب السوري من مرتفعات الجولان، ولكن وفوق كل ذلك، ينبغي على واشنطن المُضي قُدماً في المحادثات مع الروس والإصرار على أنه يجب أن يرحل الرئيس السوري عن السلطة عاجلاً غير آجلٍ.

 

رابط المادة الأصلي: هنا.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]