‘صحيفة فزغلياد: روسيا، تركيا وإيران تقوم بما لم تستطع الولايات المتحدة فعله’
7 مايو، 2017
سمير رمان
يوم الخميس الماضي، قامت في أستانا كلٌّ من روسيا الاتحادية وتركيا وإيران – الدول الضامنة للتهدئة في سوريا- بتوقيع مذكرة حول إقامة “مناطق تخفيف التصعيد” في سورية. وما زال الحديث، حتى الآن، يدور عن أربع مناطق يمكن أنْ تصبح خاليةً من الطيران الحربي، وهو الأمر الذي أراده الأميركيون. ولكنَّ ما جرى لم يكن تنازلًا لواشنطن بقدر ما هو جزءٌ من استراتيجية أكثر تعقيدًا، غيرَ متاحةٍ للولايات المتحدة الأميركية.
بعد التوقيع على المذكَّرة في أستانا، أوضح معاون وزير خارجية إيران، حسين جابري أنصاري، أنَّ الإجراءات التحضيرية لتنفيذ الاتفاق بشأن إقامة أربع مناطق آمنة بشكلٍ كامل ستستغرق شهرًا فقط، وبعد ذلك سيدخل الاتفاق حيِّزَ التنفيذ. وفي اليوم السابق، أعلن السكرتير الصحفي لرئيس الدولة الروسية ديمتري بكسوف، في تعليقه على نتائج مباحثات زعماء روسيا وتركيا، أنّه إذا لم تُطلق النار من مناطق خفض التصعيد في سورية، وإذا أصبحت التهدئة فعَّالةً، فإنَّ تلك المناطق ستكون محظورةَ الطيران.
من جانب آخر، بيَّنت المعارضة السورية المسلَّحة أنَّها مستعدَّةٌ لبحث إقامة مناطق آمنة، الأمر الذي يُعدّ اختراقًا بحدِّ ذاته. والآن، وكما هي العادة، يتمترس الجميع خلف التفاصيل- مثل جغرافية المناطق، التركيبة السكانية، والأهمُّ هو: مَنْ سيقوم بمراقبة تطبيق نظام وقف إطلاق النار، وبأيَّ قواتٍ، ومن سيحدِّد مدى موافقة السكان القاطنين في هذه المناطق على الاتفاقات الموقَّعة؟
رأى كثيرون في هذه الاتفاقية توافقًا مباشرًا بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية حول تقاسم المسؤولية في سورية، أو أنَّهم عدّوها نموذج اتفاقٍ على الأقلِّ. يرتبط الأمر بكون فكرة “المناطق الآمنة” منذ البداية فكرةً دعت إليها واشنطن منذ ولاية أوباما. وكان المقترح الأميركي يرى إقامة مناطق حظرٍ للطيران وفق النموذج الذي طبقته الولايات المتحدة ودول الناتو في العراق، حيث “قُسِّمت” البلاد وقتها بخطوط عرضٍ جغرافية. التقط دونالد ترامب الفكرة، ومن دون إدخال أيَّ تعديل جديد عليها عمليًا، باستثناء أنَّ دبلوماسيته استبعدت روسيا من العملية.
عمومًا، يمكن القول إنَّ مبدأ “بعد ذلك” أو “نتيجةً لهذا” يعود إلى قوانين روما، ويُعدّ تَناسيه قِصرَ نظرٍ بحقّ. وافتراض أنَّ من حقِّ من قال أوَّل مرَّةٍ “مياو” أنْ يتحكَّم بسماء وأرض سورية هو قولٌ لا يصمد أمام النقد. فالولايات المتحدة لا تمتلك أيَّ موطئ قدمٍ في معظم الأراضي السورية، باستثناء بعض المناطق الكردية، وتحشر نفسها في المجال الجويِّ السوري بإذنٍ من القوات الروسية حصرًا. وخلال الفترة القصيرة التي أوقف في أثنائها العمل بنظام “الخط الساخن” لمنع الحوادث الجوية (أُوقفت روسيا العمل به ردًّا على الضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات السورية) لم تحلِّق أيُّ طائرة أميركية في الأجواء السورية. ومن ناحيةٍ أُخرى، يبدو أنَّ واشنطن غير جاهزةٍ بعدُ لنشر وحدات أميركية بريةٍ في مكانٍ ما من إدلب.
المباحثات ما زالت في مراحلها الأولى، وستتغيَّر معطيات المقترح عدَّة مرَّات، ولكنْ ما أصبح مفهومًا الآن، أنَّ الموضوع الذي سيكون له أفقٌ أكبر من فكرة “مناطق حظر الطيران” نفسها هو تشكيل قوَّات حفظ سلام تكون نواتها من جيوش دولٍ ثالثة، لم يسبق لها المشاركة في النزاع. وأُشير إلى “عدَّة دولٍ عربية” وإلى دول “البريكس”. في العالم العربي، يمكن أنْ نعدَّ على أصابع اليد الدولَ العربية التي لم تشارك، على المستوى الحكومي، في الحرب الأهلية السورية- وهي المغرب، الجزائر وتونس، وكذلك الإمارات العربية المتحدة التي تتخذُ، على عكس المملكة العربية السعودية، موقفًا أكثر مرونةٍ في الموضوع السوري، فهي لم تتدخل في شؤون دمشق الداخلية، وهذا أمرٌ مهمّ.
أمَّا بالنسبة لدول “بريكس” فلم تنشر الصين أيّ جندي أبعد من شرق منغوليا الداخلية، وبكين؛ انطلاقًا من مواقف أيديولوجية، لا تقحم نفسها في النزاعات التي لا تدخل في نطاق مصالحها المباشرة. فالصين تقوم باعتصار الثروات الباطنية في أفريقيا وتغرق الأسواق بالبضائع، تضخُّ استثمارات وتدفع الرّشا- وهذا تكتيكٌ واستراتيجية صينية دُمجا في بوتقة واحدة، أمَّا الذهاب أبعد من تكديس الـ “يوانات” فلن تقدم عليه.
الهند غير مناسبة؛ الهندوس والسيخ ليسوا بشرًا بالنسبة للمتشددين المسلمين. وهم ليسوا كفارًا، كالعلويين، بل كائنات دونية أسوأ من المسيحيين بكثير (أي يجب إبادتهم كالإزيديين) وسيجعل من ظهور وحداتٍ من الجنود الهنود في سورية، ليس هدفًا سهلًا فحسب، بل سيعطي دفعةً جديدة لتصعيد النزاع. ” فرض الشيطان العالمي على أتباع الدّين الصحيح وجود المشركين لعنهم الله” فماذا يلزم أكثر من هذا لبعث الروح الجهادية التي انحسرت خلال العام الماضي؟
القصَّة نفسها بالنسبة إلى جيش دولة جنوب أفريقيا التي لم يعد في صفوفها وحداتٌ من الجنود البيض منذ وقتٍ بعيد، على الرغم من وفرة الضباط البوير. وهنا يَجدر بنا التغاضي عن اللباقة السياسية والاعتراف بأنَّ العرب المسلمين ينظرون بسلبيةٍ إلى العرق الأسود. بالطبع، أصبح المسلمون الأفارقة، أو المسلمون الأميركيون من أصولٍ أفريقية من الأمَّة العالمية، ولكنْ تبقى النظرة السلبية موجودة حتى أيامنا هذه. عمليًا، لا يوجد في جنوب أفريقيا مسلمون، وبحسب آخر إحصاء، إنّ 1.3 في المئة فقط من عدد السكان الإجمالي هم من المسلمين الذين تعود جذورهم إلى الهجرة التي حدثت في ظلّ الإمبراطورية البريطانية، ومعظمهم جاء من الباكستان.
ولكن ماذا عن الجيش البرازيلي. إنَّه سرٌّ، نعم الجيش موجود، وهو ليس بالصغير- قرابة 200 ألف. بالطبع يمكن إرسالهم إلى مكانٍ ما، إذا أخذنا بالحسبان التوجَّهَ الأميركي لقيادة البرازيل الحالية، ولكنَّ البلاد تعاني من مشاكل داخلية كثيرة؛ لذا من الصعب التصوّر أنْ يُغضبَ الرئيس ميشيل تيمار البلادَ التي لا تحتاج إلى مزيدٍ من الذرائع للاحتجاج عليه (تحتَّج البلاد حاليًا بقوةٍ ضد سياسة الإصلاح بالصدمة التي أعلنها الرئيس) وفي هذا الموضوع، لا أهمية تذكر لأصول الرئيس العرقية، وهو ينحدر من عرب مسيحيين مهاجرين من لبنان. وفي التاريخ البرازيلي، تيمار ليس أولَّ نائبٍ للرئيس من أصولٍ عربية (شغل هذا المنصب قبل توجيه الاتهامات للرئيس ديلما روسيف)، وفي البرازيل وكولومبيا تشكَّلت طبقة نافذة، بالكامل من مهاجرين- مسيحيين من لبنان وفلسطين، تركوا المنطقة بعد إعلان قيام دولة إسرائيل وبعد تنامي النزعة الأصولية عند سكان المنطقة المسلمين. إضافةً إلى ذلك، لدى الرئيس ما يكفي من مشاكل شخصية (على سبيل المثال، زواجه من فتاة أغلفة المجلات التي تصغره بـ 43 عامًا. الأمر المستهجن في البرازيل). الرئيس البرازيلي مشغولٌ بإنقاذ نفسه، وليس بمهمَّة حفظ السلام في سورية.
وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ تدويل النزاع المحتمل عبر تحشيد قوات حفظ سلامٍ هي فكرةٌ واعدة. وهذه الفكرة لا تشبه “صفقةً سريَّة” بين موسكو وواشنطن، إنَّما تذكِّر بـ “نظام حظر الطيران” وهي مجاملةً لموقف إدارة رئيس الولايات المتحدة الأميركية حول سورية الذي لم يتبلور بعد.
المسألة الثانية: أين ستكون تلك المناطق؟ لنبدأ من حقيقة أنَّ أبعادها لن تكون مشكلةً بالنسبة إلى الطائرات الحديثة ولن يتجاوز الخطأ في حسابها الخطأ الرياضي المعروف، باستثناء محافظة إدلب. وانطلاقًا من مبدأ المساواة، من الممكن أنْ تُوكلَ مسؤولية تطبيق نظام حظر الطيران فوق محافظة إدلب لتركيا التي لم تتمكَّن من تطوير هجومها في المناطق الكردية في منطقة الباب. تحدَّثت المذكَّرة الموقَّعة في أستانا عن منطقة شمال حمص، الغوطة الشرقية، وفي الجنوب السوري، ولكنَّ رسم الحدود الدقيقة سيكون موضوع نقاشاتٍ حاميةٍ لاحقة.
من المسلَّم به أنَّه سيُردُّ على أيَّ طلقةٍ تُطلق من تلك المناطق. والأمر الأهمُّ أنَّ العمل الرئيس لم ينجز حتى الآن، ولا يمكن الحديث من دونه عن إقامة نظام مراقبةٍ فعَّال على تطبيق نظام وقف النار. هذا العمل هو بالتحديد الفصل الدقيق والنهائي بين الفصائل المسلَّحة المستعدَّة للتهدئة وبين الجهاديين الذين لا ينفع معهم الحوار أصلًا. ومن الجدير بالذكر أنَّه لا يوجد رأيٌ موحَّد وفهمٌ مشترك حتى بين تلك الفصائل التي جاءت إلى أستانا. فهُويَّاتهم غير معروفةٍ بالضبط، لذا سيكون من المبكر الحديث عن مثل هذه الآليات على الأرض السورية.
على التوازي، وافق الأسد الآن نتيجة عددٍ من المعطيات على إقامة “مناطق تخفيف التصعيد” إنْ كانت لا تنتهك سيادة ووحدة الأراضي السورية، ولا تشكّل خطرًا عليه ولا على عائلته. أمَّا موسكو فتشدِّد على وحدة وسلامة سورية كدولةٍ؛ الأمر الذي لا يتعارض مع إجراء بعض التصحيحات على بنيتها الداخلية لصالح لامركزيةٍ أوسع، وإجراء عدَّة تعديلات دستورية ضامنة للأقليات الدينية. بيد أنَّ المقترحات المتعلِّقة بالدستور الجديد لا تُرضي، بالدرجة الأولى، المعارضة التي تطالب بليبرالية أكبر (ليس بمعنى – حريّاتٍ كبيرة وتحرير الاقتصاد وبنية الدولة)، أمَّا بعض الروابط الجغرافية والعرقية بعينها، فستكون مادةً للمتاجرة بالتأكيد.
من وجهة نظر خبرة الدبلوماسية الدولية، يتطلَّب إدخال قوات حفظ السلام من دولٍ ثالثة مخطَّطًا شاملًا تصادق عليه الأمم المتحدة، أو تمنحه تفويضًا من نوعٍ ما. تغيَّرت الآن قيادة قوات حفظ السلام الأممية؛ وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بتغيير مفهوم تشكيل القوات نفسها. ولكنْ في السياق السوري الضيِّق يمكن ألا تجري عملية برعاية الأمم المتحدة، بل ربما عمليَّة تدخُّلٍ تتطلب سندًا قانونيًا.
على كلِّ حالٍ، ما زال من المبكِّر الحديث عن “تآمر” بين موسكو وواشنطن أو على الأقلّ التحضير له. وحتى في أستانا، كان حضور الوفد الأميركي بصفة المراقب، ولكنَّه يراقبُ عن كثب. وليس من المفهوم على أيَّ فصيل تستطيع الولايات المتحدة الأميركية ممارسة التأثير. وهناك احتمالٌ ألَّا يكون لها تأثيرٌ على أحد. في نهاية الأمر، واشنطن لا تشارك في إعداد خطط للانتهاء من الأزمة، بل تتذمر وحسب.
حق الفرد أو الدولة في تعزيز صورته أمام الآخرين هو أمرٌ واحدٌ لا يتجزَّأُ، كما هو حال حق الإنسان في حرية التعبيٌر، يكون من الضروري أحيانًا دعم البناء لمنع انهياره.
اسم المقالة الأصلي Россия, Турция и Иран сделают то, что не удалось сделать США كاتب المقالة يفغيني كروتيكوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد، 4 أيار 2017 رابط المقالة https://vz.ru/world/2017/5/4/869011.html المترجم سمير رمان
[sociallocker] [/sociallocker]