‘لوفيغارو: كوبا تنفتح على الإسلام، والسعودية تواكب الحدث’
10 مايو، 2017
في قلب العاصمة الكوبية، هافانا، تستقبل قاعة الصلاة الوحيدة والرسمية، كل يوم بضعة من المسلمين الوافدين عليها. في الواقع، تمثل هذه القلة القليلة من المسلمين مجتمعا متحفظا يمارس ديانته التي تتعارض تماما مع الثقافة اللاتينية للبلاد. وفي الأثناء، تسعى المملكة العربية السعودية إلى فرض سيطرتها على هذه الأقلية المسلمة.
تتجول زاكينا، إحدى المسلمات، وسط مدينة هافانا، وهي ترتدي حجابا بلون السماء، لتشكل بذلك عنصرا غريبا على مشهد المدينة الكوبي التقليدي. في الوقت ذاته، تخترق شمس آخر أيام الخريف سماء هافانا لتنير التمثال الأبيض للمسيح، الذي يهيمن على كورنيش “الماليكون” الأسطوري. أما في ساحة “بلازا دي أرماس”، فيتوقف السياح منبهرين بمشهد الباعة المتجولين، الذين يسعون إلى بيع سجائرهم ذات الجودة السيئة، في حين يعرض البعض منهم كتبا قديمة تمجّد وتشيد بإنجازات فيدل كاسترو.
أما على شرفات الساحة، فيجلس سياح المدينة وأهلها للتمتع بأشعة الشمس الخفيفة، فيما يقف أمامهم بعض موسيقيي الشوارع، لإضفاء لمسة خاصة على المشهد. وفي ظل شجرة مزهرة، تتجاذب شابتان تنتميان للديانة “السانتيرية”، التي تجمع بين التقاليد المسيحية والمعتقدات الأفريقية، والتي تنتشر على نطاق واسع في منطقة الكاريبي، أطراف الحديث وهما ترتديان ملابس بيضاء وتحملان مظلتيهما للاحتماء من أشعة الشمس.
وعلى الرغم من أن كل ما في هذه المدينة الكوبية من عناصر تجسد الصورة النمطية التي لطالما اقترنت بهذا البلد الواقع بين خليج المكسيك والبحر الكاريبي، إلا أن ظهور زاكينا في الواجهة قد ساهم في تغييرها على نحو طفيف. وأثناء عبورها شوارع المدينة برفقة اثنتين من صديقاتها، اللتين ترتديان بدورهما الحجاب، لم تتردد زاكينا في الابتسام لنا. في الحقيقة، تتجه هؤلاء النسوة نحو إحدى الفضاءات التي تطل من فوقها مئذنة صغيرة داخل الحي التاريخي “لهافانا القديمة”. فكما هو الحال في كل أسبوع، تقصد زاكينا أول قاعة صلاة خاصة بالمسلمين، والوحيدة من نوعها في المدينة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه القاعة قد تم تدشينها، منذ سنتين، داخل مبنى حكومي قديم، وقد تمت تهيئتها من قبل الحكومة الكوبية والمملكة العربية السعودية على حد سواء. فضلا عن ذلك، تستقبل القاعة التي يطلق عليها اسم “مسجد عبد الله” يوميا عشرات المسلمين، الذين أعربوا عن سعادتهم بامتلاكهم أخيرا لمثل هذا المكان، حيث أصبح باستطاعتهم ممارسة شعائرهم الدينية. وفي هذا الصدد، أشارت إحدى صديقات زاكينا إلى أنه “قبل افتتاح هذا المسجد، كنا نؤدي الصلاة في منزل أحدنا. حقيقة، من المهم للغاية أن يتوفر لنا مكان يسمح لنا بالاجتماع ومناقشة المسائل الدينية”.
داخل قاعة الصلاة، تتوفر نسخ من القرآن باللغتين العربية والإسبانية، التي تمت طباعتها في المملكة العربية السعودية. وتقدّم عدة شخصيات وأعضاء من السلك الديبلوماسي، الذي يزورون المنطقة، العديد من الدروس الدينية في هذا المكان. في الوقت نفسه، يواصل المسلمون توافدهم على المسجد، مرورا بالشارع المزدحم الذي يربط “لا بلازا دي أرماس” “بلا بلازا دي سان فرانسيسكو”.
وفي حين يكتفي بعض الرجال المسلمين بارتداء السراويل والقمصان، يميل آخرون إلى الحفاظ على لباسهم التقليدي. أما النسوة، فتضعن غطاء رأس بسيط، فيما ترتدي إحداهن الحجاب، في غياب تام للنقاب والبرقع. وصرحت زاكينا، متحدثة عن نظرة المجتمع الكوبي للمرأة المحجبة، أن “الأشخاص في الشوارع ينظرون إلينا في بعض الأحيان بشيء من الغرابة”.
وأضافت المسلمة، التي تضطر إلى ركوب عدة حافلات من أجل الوصول إلى قاعة الصلاة، أن “الأشخاص هنا يسخرون أحيانا من هذا الأمر، ذلك أن ارتداء غطاء للرأس في ظل درجات الحرارة المرتفعة، ليس بالأمر الهيّن”. من جهتها، لم تُخفي زوجة سفير التوغو، التي تحافظ على ارتداء الحجاب فضلا عن لباس “البوبو” الأفريقي، امتعاضها وعدم رضاها عن المسلمات الكوبيات اللاتي لا تتبعن “الطريق الصحيح” فيما يتعلق بملابسهن أو معاملاتهن.
في الواقع، اعتنقت زاكينا، وهي سيدة كوبية كانت تُدعى روزا، الإسلام منذ ست سنوات. وقد اعتمدت زاكينا على نفسها للتعرف على تعاليم الدين الإسلامي. وفي غياب المفتين والمفكرين والقادة الروحيين في كوبا، يظل التعرف على ماهية الإسلام وجوهره مهمة صعبة بالنسبة للمعتنقين حديثا لهذا الدين. ونظرا لأن النفاذ إلى شبكة الإنترنت أمر صعب للغاية، يعتمد المسلمون الجدد خلال جمعهم للمعلومات المتعلقة بممارسة الإسلام على ما يتم تناقله شفهيا، أو ما ترويه القلة التي تمكنت من السفر إلى البلدان الإسلامية.
من ناحية أخرى، يلجأ بعض المسلمون في كوبا إلى مشاهدة مقتطفات مأخوذة من المسلسلات التركية، على غرار “حريم السلطان”، التي يتم تحميلها بطريقة غير قانونية وبيعها من خلال وحدات تخزين البيانات “يو أس بي” في السوق السوداء، بهدف معرفة بعض التفاصيل عن هذا الدين. ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن لكل مسلم في كوبا طريقته الخاصة في اكتشاف دينه وممارسته.
من وجهة نظر زاكينا، التي كانت كاثوليكية في السابق، يمثل الإسلام “فكرا جديدا ومثيرا للاهتمام”، حيث أنها تستطيع ممارسته خلال عطلة الأسبوع، كما يساعدها على تكوين صداقات جديدة. وفي الأثناء، تأمل النسوة الكوبيات المسلمات في إيجاد زوج مسلم “يقف على رأس عمله في حين تكتفي المرأة بالبقاء في المنزل”، وبالتالي، سيعنى زوجها بتوفير حياة أفضل لها.
وتجدر الإشارة إلى أن حفيدة زاكينا، التي تُدعى روزالينا، قد اعتنقت هي الأخرى الإسلام لتتبع بذلك خطى جدتها. في الحقيقة، ارتفع عدد الكوبيات المعتنقات للإسلام، وخاصة اللاتي ينتمين إلى الطبقات الفقيرة، حيث وجدن في الدين الإسلامي جانبا من الأصالة والأبهة في مجتمع يعيش في عزلة تامة منذ ما يقرب من ستة عقود.
وفي المقابل، يثير وجود جالية مسلمة في كوبا، على الرغم من قلتها وتحفظها، اهتمام أطياف المجتمع الأخرى، الذين لا يترددون في تفحّص قاعة الصلاة بفضول شديد، عند مرورهم من أمامها. والجدير بالذكر أن كوبا قد ارتبطت تاريخيا بالدين الكاثوليكي، وهو ما تعكسه الكنائس المهيبة التي تزخر بها البلاد، على غرار “كاتدرائية مريم العذراء”.
في حقيقة الأمر، كانت ممارسة الشعائر الدينية محدودة وأحيانا محظورة، في ظل النظام الملحد لفيدل كاسترو. ونتيجة لذلك، غادر الآلاف من رجال الدين المسيحيين البلاد صوب الولايات المتحدة الأمريكية. وفي سنة 1998، أحيت الزيارة التاريخية التي أداها البابا يوحنا بولس الثاني إلى البلاد، ثقة وإيمان الشعب الكوبي المسيحي في دينهم، مما أدى إلى انتشار الكاثوليكية على نطاق واسع.
وفي حين أن جذور المجتمع المسلم في كوبا لا تزال غير معروفة، ولكن نقطة التحول التي شرعت الأبواب أمام دخول الإسلام إلى البلاد كانت في سنة 2005. ففي أعقاب الزلزال الذي ضرب منطقة كشمير الباكستانية، سارعت كوبا إلى إرسال مجموعة من أطبائها لمد يد المساعدة للضحايا الباكستانيين.
وكرد للجميل، أطلقت باكستان خلال الأشهر التي تلت هذا الحدث برنامج منح دراسية، الذي سمح للشباب الباكستاني بالسفر إلى كوبا بهدف دراسة الطب لمدة سبع سنوات. وبفضل انتشار الباكستانيين في مختلف محافظات كوبا بما في ذلك مدينة هافانا، اكتشف الكوبيون الدين الإسلامي، ما دفع الكثير منهم إلى اعتناقه، فيما تعرّف آخرون على الإسلام في وقت سابق وبأشكال مختلفة.
من جهته، يعد اللاعب السابق لكرة القاعدة، أحمد، الذي اعتنق الإسلام منذ سنة 1999، من أبرز المسلمين الأوائل الذين ساهموا في انتشار الإسلام في كوبا. وفي الوقت الراهن، يعتبر أحمد إمام هذا المسجد، فضلا عن أنه يتكفل بمسؤولية توجيه المنضمين الجدد للدين الإسلامي. عموما، يتشارك أحمد وزاكينا وجهات النظر فيما يتعلق ببناء أساس دينهم الجديد وترسيخها ضمن المجتمع الإسلامي المصغر في كوبا، فعلى الرغم من صدق مساعيهم لتحقيق ذلك، إلا أن الأمر لا يخلو من الصعوبات.
فعلى سبيل المثال، يعمل بعض المسلمين الجدد، على غرار الشاب دانيس (الذي أصبح يطلق عليه اسم محمد علي بعد أن أعلن إسلامه في شهر آذار/مارس سنة 2016) جاهدا على تعلم اللغة العربية عن طريق شريط صوتي أُرسل من قبل المملكة العربية السعودية. في المقابل، يستطيع هؤلاء المسلمون حفظ ونطق عدة كلمات باللغة العربية دون فهم تام لمعانيها.
وعند سؤاله عن أكبر أحلامه، أفصح دانيس، قائلا: “أن يتم اختياري للسفر إلى مكة”، تحديدا من قبل المملكة العربية السعودية. في الواقع، أتاح انفتاح كوبا غير المسبوق، الذي تواترت تقارير الصحافة الغربية بشأنه منذ حوالي ثلاث سنوات، للعديد من البلدان الإسلامية فرصة إنجاز وتقديم مقترحات مشاريع استثمارية.
ومن المثير للاهتمام أن العديد من الأحداث ساهمت في تعزيز انفتاح كوبا؛ على غرار زيارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما السنة الماضية للبلاد، فضلا عن حفل فرقة “الرولينغ ستون” الموسيقي، وعرض أزياء الماركة العالمية “شانيل”، فضلا عن وفاة فيدل كاسترو منذ بضعة أشهر.
عموما، تعزى أسباب هذا الانفتاح بالأساس إلى وصول الحكومة الكوبية إلى شفا الإفلاس، مما دفعها للبحث عن مصادر تمويل لإنقاذ البلاد. وأثناء زيارته لكوبا في شهر شباط/فبراير سنة 2015، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان أنه يعتزم بناء أول مسجد “رسمي” في كوبا، متجاهلا المشروع الذي صادقت عليه المملكة العربية السعودية.
من جانب آخر، وبالإضافة إلى مشاركتهم في تهيئة قاعة الصلاة، يمتلك السعوديون بالفعل قطعة أرض شاسعة، حيث كُتب على اللافتة التي ثبتت في الواجهة “هنا سيُقام مسجد، تحت رعاية المملكة العربية السعودية”. في الأثناء، تقف في وجه القائمين على المشروع عقبة كبيرة، إذ أن مصنعا صاخبا وملوثا للبيئة يجاور قطعة الأرض، فضلا عن انتشار بائعي الكحول حولها. وعلى ضوء هذه المعطيات، لم يلاقي هذا الوضع استحسان السعوديين، الذين لم يشرعوا في بناء المسجد إلى الحد الآن، في الوقت الذي لا يزال موعد افتتاحه مجهولا.
من ناحية أخرى، يبدو من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، تقدير عدد المسلمين الذين يقطنون في كوبا بشكل دقيق. ففي حين قدّر مركز إحصائي أمريكي عددهم بحوالي 10 آلاف، تشير عدة صحف فرنسية إلى أن أعدادهم تتراوح بين ستة وثمانية آلاف. أما بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، فقد أوردت أن عدد مسلمي كوبا يبلغ حوالي أربعة آلاف. من جهته، أفاد الإمام، “يحيى” بيدرو سانشيز، رئيس الرابطة الإسلامية بكوبا، المعترف بها رسميا من قبل الحكومة منذ سنة 2007، أن عدد المسلمين في كوبا لا يتجاوز 1000 شخص.
وفي هذا الإطار، أكد الإمام، وهو كهل في عقده السادس، أن “عدد المسلمين غير مهم، على عكس قوة إيمانهم”، أثناء استقباله لنا في منزله الواقع في إحدى ضواحي العاصمة، حيث يمتلك العديد من المصاحف، وكتب تعليم القرآن، في حين ازدانت إحدى حيطانه ببساط كبير نسجت عليه صورة مدينة مكة المكرمة. وأفاد الإمام، الذي لم يتوانى عن تأدية فريضة الحج، “لقد ذهبت إلى مكة المكرمة في العديد من المناسبات، وذلك تلبية لدعوة المملكة العربية السعودية”.
وفي حين يعتبر السفر إلى مكة المكرمة بمثابة مشروع العمر بالنسبة لملايين المسلمين حول العالم، ذلك أن فريضة الحج تتطلب مبالغ طائلة، تُعدّ دعوة السعودية للإمام “يحيى” وتمتعه بفرصة أدائها ثلاث مرات، امتيازا بالغ الأهمية.
من جهته، يدير رضا المركز الإسلامي الشيعي “مؤسسة فاطمة الزهراء”، الذي يفتح أبوابه أمام المسلمين من أجل الصلاة، فضلا عن المشاركة في دروس التاريخ القرآني. واستقبلنا رضا، الذي يفيض نشاطا وحيوية، في الطابق الأرضي من منزله حيث وجدنا العديد من الصور “لآية الله الخامنئي”. وقد أقدم رضا على تحويل المرأب إلى قاعة للصلاة. والجدير بالذكر أن رضا قد أمضى عدة أشهر في إيران، وبالتحديد في جامعة “قم”، أين درس القرآن.
من وجهة نظره، يؤمن رضا أن “جلب مثقفين إسلاميين إلى كوبا حتى يقوم بتوجيه المسلمين هناك، أمرا بالغ الأهمية. ففي ظل ما يحدث في العالم، في الوقت الراهن، أصبح من الضروري الحفاظ على الدين الإسلامي في كوبا، من خلال عدم فسح المجال للمتطرفين، الذين لا علاقة لهم بديننا الحنيف، حتى يبثوا سمومهم”.
وعلى مستويات عدة، يُعتبر الإسلام في كوبا دينا متنزها عن الاختلافات، حيث لا علاقة له بالقضايا التي تحدث في العالم الإسلامي على غرار تلك التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، عند الانتهاء من تناول وجبة الطعام، تتوجه النسوة إلى الجزء المخصص لوضوء الرجال داخل “المسجد”، بغية غسل الأواني. من جانبها، تتردد زاكينا على قاعة الصلاة السنية التي افتتحتها المملكة العربية السعودية، ولا تتردد، في المقابل، في الذهاب إلى المركز الشيعي الذي يديره رضا من أجل المشاركة في الدروس والصلاة.
من جهة أخرى، لم تخفي شهيدة (التي كانت تُدعى في السابق بيرتا)، وهي عميدة النسوة اللاتي اعتنقن الإسلام في بلادها، خوفها من انفتاح كوبا على التأثيرات الخارجية المحتملة. كما أكدت شهيدة أنها لا تثق بجهاز كاسترو الأمني الشيوعي والقوات الثورية المسلحة على حد سواء.
وأفادت السيدة، التي استقبلتنا داخل شقتها في وسط مدينة هافانا، “كنت أنتمي فيما مضى إلى الرابطة الإسلامية الكوبية التي يقودها الإمام “يحيى”، إلا أنني سرعان ما غادرتها. في الواقع، لاحظت أن يحيى كان مشاركا في أعمال مشكوك فيها، حيث كانت تُقدّم التبرعات، التي يشوبها الغموض، من قبل دول أجنبية من أجل مساعدة الجالية المسلمة في كوبا. علاوة على ذلك، لم تُجرى انتخابات لإعادة تعيين إماما آخر عوضا عن يحيى، الذي لم يتردد في تنصيب جميع أفراد عائلته في المناصب الرئيسية داخل الرابطة”.
وأثناء قضائنا لبعض الوقت داخل قاعة الصلاة، أصر أحد الشباب هناك على دعوتنا إلى مطعم يقدم أكلا حلالا. وعلى الرغم من أن كلا من زاكينا، ورضا، وشهيدة أكدوا أن المطاعم التي تبيع هذا النوع من الأطعمة غير موجودة في كوبا، إلا أننا قررنا الذهاب برفقة الشاب. ومن المثير للضحك أننا اكتشفنا أن قائمة الطعام كانت تزخر بأطباق تحتوي على لحم الخنزير، فضلا عن أن أسعارها كانت مرتفعة للغاية.
في واقع الأمر، يبدو أن النهوض بمجتمع ديني، نزيه ومستقل أمر لا يخلو من التحديات في بلد تغلغل فيه الفساد في صلب جميع المؤسسات الحكومية. فضلا عن ذلك، لا تزال لجان الدفاع عن الثورة فاعلة وتفرض رقابتها على السكان، بالإضافة إلى انعدام النفاذ إلى شبكة الإنترنت (حيث أن 5 بالمائة فقط من المنازل الكوبية تتمتع بهذه الخدمة).
وعلى إثر وفاة فيدل كاسترو، بدأت الحياة تدب داخل البلد، الذي شهد تقدما بطيئا خلال العقود الستة الأخيرة. فقد أصبحت كوبا قادرة على الانفتاح على العالم الخارجي خاصة في أعقاب استئناف العلاقات بين هافانا وواشنطن. وإثر زيارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الربيع الماضي، للبلاد أعربت شركة غوغل عن استعدادها لتقديم المساعدة فيما يتعلق بتطوير خدمة الإنترنت في كوبا. وفي الاثناء، قد يمثل هذا الأمر خطوة مهمة للمعتنقين الجدد للإسلام حتى يتمكنوا من الاطلاع أكثر على دينهم الجديد.
وفي هذه المرحلة، يبقى السؤال المطروح: كيف ستتطور العلاقات الأمريكية الكوبية بالتزامن مع تولي، دونالد ترامب لمنصب الرئاسة، علما وأن ترامب لم يخفي رغبته في مراجعة كافة المبادرات التي عمل عليها سلفه. وكيف ستؤثر هذه التطورات على المجتمع المسلم الكوبي، الذي لطالما اعتمد على نفسه للاطلاع على تعاليم دينه؟ في المقابل، ستسمح إذابة الجليد بين واشنطن وهافانا للحكومة الكوبية بإعادة ضخ الأموال داخل صناديقها الفارغة.
فقد أصبح بمقدور السياح الأمريكيين منذ سنة 2015، زيارة جزيرة كوبا، مما أدى إلى ارتفاع كبير في عدد حجوزات الفنادق، التي قد يتطلب إيجاد غرفة فيها الحجز قبل موعد الرحلة بسنة كاملة. أما في حال نأت الولايات المتحدة بنفسها وأغلقت الأبواب أمام كوبا، فلن تتردد هافانا آنذاك في الالتفات إلى بلدان أخرى أكثر استعدادا للاستثمار داخل البلاد على غرار تركيا، والمملكة العربية السعودية، وإيران. ومن هذا المنطلق، سينتج عن هذه التقاربات الديبلوماسية فوائد جمة تسمح بانتشار الدين الإسلامي وتطوّره داخل كوبا.
خلافا لذلك، سيثير التقارب بين كوبا والمملكة العربية السعودية مخاوف حكومة ترامب، التي تعتبر السعودية مُصدّرا أساسيا لعناصر تتبنى الإسلام الوهابي المتطرف، التي تعمل على تغذية ظاهرة الإرهاب كما تساهم في انتشاره، عن هذه الجماعات وعملياتها الإرهابية لا تمت للإسلام السلمي والنزيه في كوبا بأي صلة.
المادة مترجمة عن صحيفة لوفيغارو للإطلاع على المادة الأصلية هنا
[sociallocker] [/sociallocker]