العار

14 مايو، 2017

إبراهيم صموئيل

ثمّة لعنة تلحق بالسّوريّ -لكونه سوريًّا فقط- أينما ولّى وجهه، وانتقل، وارتحل، وأقام، أو عبر. ثمّة لعنة، ما من سبيل أمام السّوريّ للتخلّص منها، أو الانفكاك عنها، أو التغلّب عليها، مهما فعل وحاول وجهد وابتكر وأظهر وأضمر!

أنت سوريّ؟ إذن، أنت مصدر ارتياب، أو أنت غير مرغوب بك، أو أنت على اللائحة السوداء، أو الرماديّة. جنسيتك -الظاهرة على غلاف جواز سفرك- تُقلقنا، نحن حكومات معظم بلدان العالم، وتبلبل أفكارنا، وتُقلقل موقفنا منك؛ حتى قبل تقليب صفحات جواز سفرك، وتفحّص تحرّكاتك وأسفارك، ومعرفة إلى أين ارتحلت، وأين حللت.

يكفي أنك سوريّ، لتجد نفسك -على الحدود البرّية والبحرّية والجوّية لدول العالم- إزاء زمزمة الشفاه، وامتعاض الوجوه، واستياء النظرات، والنفور الصريح، والتردّد في استكمال الإجراءات. ويكفي أنك سوريّ ليُطلَب منك الخروج من طابور جنسيّات ما هبَّ ودبَّ من البشر، وانتحاء ركنٍ قصيّ، تحت وطأة نظرات جميع المسافرين المتقصّية لشخصك، كائنًا غريبًا عجيبًا لستَ منهم.

ويكفي أنك سوريّ، لتُلاقي الصدَّ والجفاء من سفارات دول العالم، من دون أن يشفع لك وجود نسخة لدى السفارة من دعوة ثقافيّة وُجّهت إليك، من بلد السفارة الكارهة وجودك. فأنت سوري، والسوريّ -لكونه سوريًّا- بين قوسيّ التشكك والارتياب، وانعدام الرغبة بزيارته.

صرنا نحن -السوريين- فرجة لمن يتفرّج، على قول المثل الدارج. فرجة تثير النفور والقرف والغثيان، أو تحرّض -في أحسن الأحوال- الشفقة، أو العطف، أو الرثاء؛ حتى بات جواز سفرنا الذي نحمله معنا أشبه بعقرب سامّ يثير ذعرنا قبل أن يثير ذعر الآخرين منّا.

وصرنا كذلك، ليس لأنّنا من بلد اكتُشفت فيه أقدم شجرة زيتون في مملكة إيبلا عام 2200 قبل الميلاد، ولا لأنّ بلدنا ضمّ أقدم ميناء للملاحة النهريّة على الفرات في مدينة ماري، ولا لأننا أحفاد مملكة أوغاريت التي عُثر فيها على أول أبجديّة عرفها التاريخ، ولا لأنّ هذه الأرض السوريّة ازدهرت فيها أعداد هائلة من الممالك، وشهد ترابها أشهر الحضارات القديمة بآثارها المعماريّة والثقافيّة والإنسانيّة..

ليس لكل ذلك، وغيره المعروف عن سوريّة في تاريخ العالم، بل -حصرًا وتحديدًا- بسبب اختطاف هذا البلد، والاستيلاء على السلطة فيه، من عصابات الأسد، على مدار خمسين عامًا الأخيرة من حياة شعبه، وتَمَيُّزِ الخاطفين له، باستبدادهم وطغيانهم وفسادهم العربيّ الأشهر، والأطول زمنًا.

وبسبب ذلك راح السوريّ يجرُّ خلفه ظلَّ الطغيان الدامي الثقيل، ويُحَمَّل شخصيًّا -خلافًا لأيّة شريعة أرضيّة أو سماويّة- وِزْرَ ذلك الطغيان، وأفعاله، وصيته الذي انتشر في العالم أجمع، وبات مضرب الأمثال على العتوّ الأعمى. وبسبب طغيان السلطة الخاطفة للبلد، وتعسّفها، ودمويّتها على مدار نحو خمسين عامًا، لا يُؤخذ بالتاريخ الشخصي للإنسان السوريّ، وأفعاله، وسوابقه، أو حسن سلوكه، والتزامه بالقوانين …إلخ، بل بكونه سوريًّا، من البلد المخطوف أسديًّا، فحسب.

ولولا أن ذلك كذلك، فلماذا تُرفع القبَّعات لأيّ يابانيّ -على سبيل المثال- في معظم بلدان العالم، ويعبر الحدود مُحترمًا، مبجَّلًا، من دون تأشيرة دخول؟ هل يتمّ هذا بسبب سيرته الذاتيّة الشخصيّة ووقائعها، أم لسمات نظام الحكم في بلده، وسمعته، وطابع حكومته؟

تلك هي اللعنة الجهنّمية، مجهولة الأمد، التي اُبتُلي بها السوريّ، وهذا هو العار العاري الذي مثَّله الطغيان الحاكم، وجسّدته سلطته، وحُمّلَ الشعب وزره، منذ نحو نصف قرن وإلى ما لا يدري متى، سوى ولاة الطغيان وسادة أمره.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]