(جيرون) تكشف نيّة دي مستورا تشكيل “آلية تشاورية” دستورية وقانونية مضطربة
17 مايو، 2017
جيرون
حصلت صحيفة (جيرون) على وثيقة حديثة، قدّمها المبعوث الخاص للأمم المتحدة لوفد المعارضة السورية المُشارك في مؤتمر جنيف في جولته السادسة المنعقدة حاليًا في سويسرا، تشير إلى نيّة المبعوث الأممي تشكيل “آلية تشاورية” حول المسائل الدستورية والقانونية. تشير دراسة أولية لهذه “الآلية” أو الهيئة بأنها ملغومة ومضطربة، تعكس -كغالبية الاقتراحات التي تقدّم بها دي مستورا منذ استلامه مهامه في تموز/ يوليو 2014- غرابةً في الطرح وغموضًا في النوايا والأهداف.
ووفق الوثيقة (التي نُقدم صورة عنها باللغة الإنكليزية، مع ترجمة غير رسمية لها باللغة العربية) فإن المبعوث الأممي ينوي تشكيل تلك الآلية التشاورية، بعد “دراسة أكثر تعمقًا للمسائل الدستورية والقانونية مع الأطراف السورية، من أجل ضمان الحيلولة دون وجود فراغ دستوري أو قانوني، في أي مرحلة خلال عملية الانتقال السياسي المتفاوض عليها”، ستقوم هذه الآلية التشاورية بـ “تقديم الدعم للمباحثات السورية – السورية للمساعدة على تحقيق تقدم سريع مبني على أسس دستورية وقانونية صلبة ورؤى قانونية محددة”، في إطار بيان جنيف 1 كما اعتمده مجلس الأمن 2218 و2254 و2268 و2336.
سيترأس هذه الآلية -وفق نص الوثيقة- مكتب المبعوث الخاص، مع ضمان حقّه بالاستعانة بعدد من الخبراء من مكتبه، ولها حرية التشاور بشكل منفصل مع خبراء قانونيين تسميهم الحكومة والمعارضة، وتتشاور مع خبراء من المجتمع المدني يختارهم مكتب المبعوث الأممي من غرفة دعم المجتمع المدني والمجموعة الاستشارية النسائية أو خبراء يقترحهم مكتبه، قد تعقد اجتماعات ما بين جولات المباحثات أو في أثناء المباحثات، وقد يستعين المبعوث الخاص بخبراء فنيين من الدول المعنية لمراقبة ومساندة عمل الآلية التشاورية؛ ما يعني أنه لا يحق للمعارضة السورية فرض أعضاء فيها، ما قد يعكس شكوكًا في نتائجها.
تنص الوثيقة على ترأس مكتب المبعوث الخاص للهيئة التشاورية، وأن يستعين بخبراء المكتب، وأن يجري مشاورات مع عدد من الخبراء الذين تسميهم المعارضة والحكومة. ما من شك أن حكومة النظام ستسمي “خبراء” للدفع باتجاه تسوية سياسية على حساب العدالة، فيما الأهداف المُعلنة للمعارضة تتمثل بالقضاء على النظام الشمولي القائم على الاستبداد والفساد، وهذا لا يحققه إلا خبراء مهنيين مؤمنين بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبمبدأ سيادة القانون وبتحقيق العدالة لجميع الضحايا وبمحاسبة المجرمين بعيدًا عن الانتقائية والانتقام.
ومن هذا المنطق، فإن الآلية المقترحة لن تضمن بصيغتها المقترحة أن يكون الخبراء من أصحاب المبادئ المهنية والاستقلالية والنزاهة والحياد، وأن يمتلكوا خبرة قانونية واسعة في مجال القانون الدولي، وتحديدًا فيما يتعلق بحل النزاعات، محاسبة المجرمين، العدالة الانتقالية، المبادئ الدستورية خلال المرحلة الانتقالية وبعدها، بناء المؤسسات، سيادة القانون، ويجب تلافي الانتقائية في قضية محاسبة المجرمين، وإقناع الأطراف بتحقيق عدالة انتقالية تحقق العدالة لجميع الضحايا بعيدًا عن العدالة الانتقامية.
دراسة أولية للوثيقة، تُشير، بما لا يدع مجالًا للشك، إلى أن المبعوث الأممي الخاص لسورية يسعى للاستحواذ على صلاحيات وهيمنة إضافية على الملف السوري، من خلال إضافة “آلية استشارية دستورية وقانونية” لحاشيته، تُضاف إلى حاشيات استشارية كثيرة تدور في فلكه مشكوك بأهميتها وأعضائها، حيث سيختار دي مستورا أعضاء هذه “الآلية” من المقربين منه، وستعمل وفقًا لنواياه وتوجيهاته، ليُعطي مبررات لرفض أو تحوير أو تعديل أي نتيجة يمكن أن تصل لها المفاوضات، إن كُتب لها التوصل لأي نتيجة أصلًا.
من نقاط الغموض أيضًا، أن آلية دي مستوار تتحدث عن تقديم استشارات وحلول قانونية ودستورية، دون أن توضح أي مرجعيات قانونية ودستورية ستعتمد، أهي قرارات مجلس الأمن، أم القوانين الدولية، أو القانون والدستور السوري، أم هي قانون مؤقت خاص؟ إذ لم تُشر وثيقة المبعوث الأممي إلى ضرورة اعتماد خبراء الآلية التشاورية على مبدأ علو القانون الدولي وسموه بمواجهة القانون الوطني (الداخلي). (المعايير الدولية لحقوق الانسان، القانون الدولي الإنساني، القانوني الجنائي الدولي)، وإمكانية تحويل الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية تمهيدًا لمحاسبة مرتكبي الجرائم الأشد خطورة (جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية)؛ ما يهدد بإمكانية التعاطي مع القرارات الدولية بخصوص سورية بشكل انتقائي.
يلاحظ كذلك أن هذا الاقتراح يمنح أهمية وشرعية أكبر، مشكوك بجدواها أساسًا، لغرفة دعم المجتمع المدني والمجموعة الاستشارية النسائية التي اختارها دي مستورا في وقت سابق من دون آلية واضحة أو منطقية، وتساوي أهمية هذه المجموعات بأهمية وفدي المعارضة والنظام، وبالمقابل تُهمّش الوثيقة وفد الهيئة العليا للمفاوضات ووفد النظام، وتضع سلطة قانونية ودستورية أعلى منهما، يمكن لها رفض وقبول أي اتفاق يتم التوصل إليه أو يُفرض على الفرقاء.
الأخطر في هذا الاقتراح الـ “دي مستوري” أنه فسح المجال لـ “الدول المعنية” لمراقبة وتصويب عمل هذه الآلية (الهيئة)، ما يعني -في الغالب- أن على المعارضة السورية الاستعداد لأن تكون روسيا، وربما إيران أيضًا، العضو المراقب لهذه الهيئة التي ستُفتي في الآليات الدستورية والقانونية لنتائج المفاوضات.
تضيف الوثيقة التي قدّمها دي مستوار للمعارضة السورية، أنها ستبدأ عملها بـ “تقديم خيارات حول صياغة الدستور، وعقد مؤتمر وطني”، أي يُصرّ دي مستورا على البدء بأعقد ملف، وهو الدستور، قبل مناقشة هيئة الحكم الانتقالي التي افترض دي مستورا أن الهيئة تُؤسس لتعمل وفق بيان جنيف 1 الذي ذكرها كأولوية الأولويات. فضلًا عن أن دي مستورا يطلب من السوريين عقد “مؤتمر وطني”، لم يُشر له أي قرار دولي سابق يتعلق بالقضية السورية.
لا تُشير الآلية التي ينوي دي مستورا تشكيلها، بأي كلمة فيها، إلى علو القانون الدولي على القانون الوطني، وضرورة تحويل الملف السوري لمحكمة الجنايات الدولي لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ولا تعير أهمية لتحقيق العدالة للجميع من خلال عملية عدالة انتقالية خاصة بسورية، ولا تستوعب خطورة المصالحة السياسية والعدالة الانتقامية كبديل عن العدالة الانتقالية، وتبدو في صيغتها العامة أنها تصب ضمن مساعي المصالحة السياسية على حساب تحقيق العدالة لجميع الضحايا.
[sociallocker] [/sociallocker]