‘الانتخابات الإيرانية: المرشد يهندسها والحرس الثوري يمارسها’

20 مايو، 2017

أحمد مظهر سعدو

تبدو الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي انتهت يوم 19 الجاري، ضمن أطر ديمقراطية شكلانية، يحاول حكم الملالي في إيران أن يظهرها وكأنها كذلك، وهو ما دأب على الاشتغال عليه منذ أن راح الصراع في الداخل الإيراني يحتدم، ويأخذ شكل صراع على استلام دفة الحكم، أي منذ أن وصل خاتمي إلى الرئاسة، وهو المحسوب على ما يسمى الإصلاحيين، لكن كثيرًا من المهتمين بالشأن الإيراني يرون ذلك مسرحيةً ليس إلا، فلا فرق -كما يقولون- بين متشددين وإصلاحيين، فكلاهما يتكئ على نظام ولاية الفقيه، وكلاهما يتعامل مع مسألة تصدير الثورة التي عوّمها الخميني في ذلك الحين، وما زالت السياسة الإيرانية في المنطقة تتابع المسارات ذاتها، مهما تغير ساكن القصر الرئاسي الإيراني.

يرى الباحث في الشؤون الإيرانية جمال عبيدي أن “الانتخابات كسابقاتها، هُندست من قبل المرشد والحرس الثوري، وعموم التيار الأصولي المسيطر على المشهد السياسي في إيران، والغاية من هذه الانتخابات توجيه رسالتين إلى الداخل والخارج معًا. فالرسالة التي أراد النظام إيصالها للداخل الإيراني هي أن الجماهير والشعوب غير الفارسية القاطنة في جغرافية إيران السياسية تشارك في رسم سياسات الدولة الفارسية، وبالتالي هي من اختارت بين الإصلاحي والمتشدد. وبالنسبة إلى الخارج، يرغب النظام، من خلال المشاركة الواسعة التي حشد لها، في أن يحصل على الشرعية من خلال صناديق الاقتراع”، وأكد عبيدي: “أن المتشددين والإصلاحيين، لا يختلفون في السياسات العامة ولا سيما الخارجية للبلاد. والحكومات الإيرانية المتعاقبة، منذ انتصار (الثورة) إلى يومنا هذا، هي حكومات تنفذ السياسات المرسومة مسبقًا ليس إلا. ومن حيث الأساس لا يختلف الإصلاحي عن الأصولي، إذ إن طبيعة النظام لا تسمح أبدًا بالعمل الحزبي، حيث يشكل هذا الأمر خطرًا بالغ الأهمية على رأس النظام ألا وهو المرشد. وبطبيعة الحال، تستمد الأحزاب قوتها من القاعدة -الجماهير- كما تؤثر هذه القاعدة على سياسات الأحزاب وبالضرورة لا بد لهذه الأحزاب أن تخضع لرغبات القاعدة الجماهيرية، وهذا المبدأ لا يتماشى كليًا والمفهوم العام للنظام في إيران الذي يتحكم بالجماهير من رأس النظام”. ويُعتقد أن تستمر طهران بالمنهج نفسه الذي كانت عليه بغض النظر عن الفائز، بحيث أن السياسات الخارجية الإيرانية تُهندس من قبل بيت المرشد والحرس الثوري، ولا علاقة لها بالرئيس المنتخب سواء كان إصلاحيًا أو أصوليًا. وأما بالنسبة إلى سورية، حيث تشكّل بوابة دمشق أساس المشروع الثيوفارسي في العالم العربي، وكذلك همزة الوصل بين إيران وحزب الله -ذراع طهران الذي ينفذ سياساتها الطائفية في المنطقة- فلا أعتقد أن نرى أي تغيير في سياسات إيران في بلاد الشام في المدى المنظور”. في السياق ذاته تحدث يعقوب سعيد الأحوازي -الباحث المختص في الشؤون الإيرانية- لـ (جيرون) قائلًا: “لم يعد الصراع السياسي، بين جناحي النظام: الأصوليين الذين يدعمون الحفاظ على قيم الثورة الإسلامية ويعبّرون عن الوجه المتشدد في الخطاب والأداء السياسي لهذا النظام من جهة، والمعتدلين الذين يستندون على البراغماتية في العمل والدبلوماسية في التعاطي من جهة أخرى، خفيًا على أحد. وفي استعراض للفرص والتحديات الماثلة أمام المرشحين المذكورين أعلاه، نرى أن نجاح روحاني في إبرام الاتفاق النووي مع الدول 5+1 وخروج إيران نسبيًا من عزلتها الدولية، وكذلك اعتماد منافسه إبراهيم رئيسي مهاجمة حسن روحاني، بسبب دعايته الانتخابية التي راهن من خلالها على “التقرب من الغرب ومحاولة إعادة بناء علاقة، تمكن من رفع العقوبات وإنماء الاقتصاد الإيراني” عبر اتخاذ الدبلوماسية في التعاطي، وهذا(أي مهاجمة هذه الدعاية) ما لا يتوافق مع مزاج الناخب الإيراني الشاب، فضلًا عن انسحاب المرشح الرئاسي جهانكيري، داعيًا مؤيديه للتصويت لحسن روحاني، من أهم العوامل التي يمكن لها أن تستأثر على مجمل الرأي العام في إيران، وأن تتحرك وتتحكم في المزاج العام للناخب الإيراني لصالح حسن روحاني. وَمِمَّا لا شك فيه، إذا ما أخذ التسجيل الصوتي الذي نشر في صيف 2016 وتضمن حديثًا يعود إلى اجتماع عُقد في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم، بين حسين علي منتظري ومسؤولين قضائيين، أبرزهم المرشح الرئاسي إبراهيم رئيسي، مكلفين بعمليات إعدام في حق السجناء السياسيين (لجنة الموت)، سيؤثر حتمًا على مسار الانتخابات في إيران. وللهدف نفسه، إنّ تضافر ملف الفساد الإداري والاختلاس المالي، من قبل مسؤولين في الحكومة الإيرانية، مع الفشل في الحد من القبضة الأمنية على الحريات السياسية والاجتماعية، وكذلك تميز فترة روحاني بأعلى نسبة من الإعدامات مقارنةً بالعقدين الماضيين، يكفي أن يسبب إضعاف علاقة الثقة بينه وبين الجمهور مما يفقده زخمًا شعبيًا يقلل، في نهاية المطاف، من نسب حظوظه بالفوز في الانتخابات. وفي السياق نفسه، يأتي انسحاب مصطفى مير سليم، ومحمد باقر قاليباف لصالح إبراهيم رئيسي في إطار ارتفاع فرص هذا الأخير للفوز في المعترك الانتخابي. إن المشهد الانتخابي، في ظل هذه الاستقطابات الحادة والمنافسة القوية بين جناحين متصارعين على السلطة، يمكن أن يفتح المجال لخوض جولة ثانية في الانتخابات”.

وحول السياسة الخارجية الإيرانية بعد الانتخابات وانعكاسها على الوضع السوري، قال يعقوب: “ما زالت فرضية نجاح الأصوليين في الانتخابات مرهونة بتوجهات الناخب الإيراني وتطورات المشهد الانتخابي، ولكن إذا ما أردنا أن نناقش نتائج تلك الفرضية، على مستوى السياسة الخارجية الإيرانية، فيبقى الأمر مرهونًا بأداء وسلوك الحكومة الجديدة في المنطقة والسياسة الخارجية بشكل عام، فإذا ارتأت هذه الأخيرة أن تتجه في تدخلاتها السافرة بالمنطقة ولا سيما في سورية والعراق، فسينجم، من ذلك الفعل، ردات فعل أكبر ممثلة بحزمة عقوبات دولية جديدة، تتمكن من إنهاك إيران اقتصاديًا واستنزافها سياسيًا، خاصة في ظل الإدارة الجديدة للولايات المتحدة التي اختارت (خلافًا لإدارة أوباما) أن ترفع من منسوب انخراطها المباشر في تقرير شؤون الشرق الأوسط، عبر إعادة تعزيز العلاقة مع حلفائها التقليديين بغية الحد من مساعي إيران الهادفة إلى توسيع دائرة نفوذها وهيمنتها التي تبدأ من الأحواز وتنتهي في لبنان”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]