‘الغارديان: كيف يمكننا مكافحة التطرف؟ بالأمل والأمن للشباب’

21 مايو، 2017

أحمد عيشة

تخاطر اليوتوبيا الغريبة، والرجعية للمتطرفين بجرّنا إلى حربٍ أهلية كونية. نحن بحاجةٍ إلى رفض السياسات الثنائية: الأبيض والأسود، وإعادة بناء المجتمعات.

مهاجم أوكلاهوما سيتي تيموثي ماك فاي في عام 1995. تصوير: ديفيد لونغستريث /أسوشيتد برس

كيف لنا أن نفهم ما يدفع بعض الرجال المسلمين نحو التطرف؟ عندما أنجزت فيلمي الوثائقي، الجهادmy documentary, Jihad ، تحدثت مع كثيرٍ من المتطرفين الإسلاميين السابقين؛ قالت امرأة من أصلٍ مسلم: عشتُ معظم حياتي متعرضةً لتهديدات بالقتل من متطرفين مسلمين، بسبب نشاطي المناصر لحقوق المرأة والإنسان، وقضيتُ سنواتٍ عدة أخاف من رجالٍ من هذا القبيل. على الرغم من أن تلك المحادثات ليست مريحةً، لكنها كانت حاسمةً.

إحدى الحوارات كانت مع أبو منتصر، وهو مجندٌ شهير ومحاربٌ جهادي، شارك متطوعًا في حركات التمرد في أفغانستان والبوسنة وبورما. عرفتُ منه أنَّ الرجال والنساء الذين قام بتجنيدهم كان لديهم تاريخٌ من الصدمات النفسية، وشعورٌ بالضعف، بالعجز، وقابلية للجنوح؛ وهذا الذي جذبهم ليربطوا ألمهم الفردي والشخصي بمعاناة المسلمين في جميع أنحاء العالم.

كانت تلك المشاعر تضعف من خلال الانضمام إلى حركة –حيث كانت تُستبدل بشعورٍ هادف بالانتماء والصداقة الحميمة؛ وكان هذا يُعزَّز من خلال العنف والهدف الطوباوي: (حريق تطهيري) يريد الجهاديون مشاهدة العالم يحترق، لتحطيم كلّ شيء، لتدمير المؤسسة، وإعادة بنائها، وفق رؤيتهم القاسية. هذه الطوباوية أو المثالية المضلّلة هي ما يجعلهم غِيلان، وشريرين بمثل هذه الفاعلية.

حيثما هناك خوف، هناك أناس على استعداد لاستغلاله، وتقديم أنفسهم كأبٍ حامٍ للأمة. لربما مثل تلك الضرورة التي قادت كبير مساعدي دونالد ترامب (كيلي كونواي) إلى افتعال مجزرة “بولينغ غرين”. في حين أنه لا وجود لمثل هذا الحدث، حيث ألقى مكتب التحقيقات الفدرالي القبضَ على مواطنَين عراقيين، وهما (وعد رمضان علوان، ومهند شريف حمادي) في 2011، في بولينج غرين ـ كنتاكي؛ لأنهما حاولا شحن الأسلحة إلى تنظيم القاعدة. وبعد ذلك بعام، في بولينج غرين ـ أوهايو، اكتشفت الشرطة مخططًا لاغتيال مواطنين سود، ويهود بارزين، دبّرها عنصريٌّ أبيض صاحب متجر هو ريتشارد شميت الذي كان قد جمَّع في مخبأ ضخمٍ الأسلحة لهذا الغرض. (حُكم على شميت بالسجن مدة ست سنوات في السجن، بينما على حمادي مدى الحياة، وعلى علوان مدة 40 عامًا).

أثار اعتقال حمادي وعلوان، باراك أوباما للبدء في فرض القيود على الهجرة، ممهدًا لقرار الحظر على المسلمين الذي أصدره ترامب؛ ومع أن رجالًا مثل شميت وغيره من الإرهابيين القوميين البيض لم يثيروا أيّ تغيير راديكالي في السياسة؛ على العكس من ذلك، فإن الإدارة الحالية تبدو مطلعةً على القومية البيضاء، ومرتاحة جدًا لها.

تعدُّ بريطانيا “السجون الجهادية” -في حين لا أحد يفكر في صعود المشاعر القومية لدى البيض التي أدت إلى وفاة جو كوكس (وهي سياسية بريطانية وعضو في حزب العمال، قُتلت في حزيران/ يونيو 2016).

نتجاهل أوجه التشابه بين التطرف الديني، والقومي القائم على العرق في حالنا الخطر. كان تيموثي ماك فاي، مثل مؤلف هويات بانكاج author Pankaj Mishra identifies ، نذيرًا لعصرٍ جديد.

قتل تفجير (أوكلاهوما) 168 شخصًا، وجرح أكثر من 600. في السجن، تصادق ماك فاي مع رمزي أحمد يوسف، مهندس الهجوم على مركز التجارة العالمي في عام 1993، وأسفر عن مقتل ستة أشخاص، وإصابة أكثر من ألف، وهو يُعدّ أنَّه تدريبٌ رسمي لـ 11 أيلول/ سبتمبر.

أبو محمد العدناني الشامي، المتحدث باسم داعش، في فيديو على اليوتيوب عام 2012. تصوير: وكالة الصحافة الفرنسية/ صور جيتي

وتعكس هذه العلاقة أوجهَ التشابه العميقة بين الرجلين، المتعارضين تعارضًا افتراضيًا؛ فهويتهما العرقية والدينية، متمحورة على إحساسهم بالأحقّية، والاستهداف كضحية، إحساس بتفوقهم، وولائهم لجماعتهم، وكراهيتهم لأولئك الذين هم خارج تلك الحدود.

المنطقة الرمادية  Grey Zone، وهي افتتاحيةٌ من عشر صفحاتٍ في مجلة الدولة الإسلامية دابق Dabiq,، تضع تلك العلاقات أو الاتصالات بين المتطرفين في قلب استراتيجيتهم. داخل سرديتهم التبسيطية الثنائية، الأبيض والأسود، الخير والشر، الفكرة هي لفرز الجميع إلى أطرافٍ، من خلال القضاء على “المنطقة الرمادية” للأرضية الوسط المتسامحة الرقيقة التي يقضي معظمنا فيها حياته اليومية، وبالتالي تجنيدنا جميعًا لأن نلعب دورًا في كارثتهم أو قيامتهم الخيالية.

عندما يستند مفهومك لليوتوبيا على فكرة الحرب بين الحضارات؛ فالأعداء الحقيقيون ليسوا هم الجانب الآخر، وإنما هم المعترضون ضميريًا ووجدانيًا. نحن الذين نواصل توسيع تعاطفنا الإنساني لما بعد تصنيفات الهوية.

كان من الخطأ الفادح أن نتحدث عن التطرف الإسلامي كما لو أنّه ظاهرةٌ معزولة، كما لو كان هناك، ربما، شيء ما سُمْيّ بشكلٍ استثنائي في الإيمان، أو كما لو أنَّ ظروف التنشئة والتربية في بلاد المسلمين، ومنازلهم تولّد العنف السياسي على نحو استثنائي.

متطرفون آخرون لديهم كتُبهم التي يقرؤونها، وبلادهم التي يعيشون فيها، وعائلاتهم التي ينتمون إليها، لربما تختلف الأيديولوجيات، ولكنّ العقلية المتطرفة متشابهة أينما تصادفها. والسؤال الملح هو: لماذا توجد مثل تلك العودة، أو الظهور المفاجئ في السياسة المتطرفة المتركزة على الهوية على مدى العقود الماضية؟

الجهادية، والقومية العرقية كلاهما تعبيرٌ عن أزمةٍ على الصعيد العالمي، في عصر وسمَ حياة كثيرٍ من الشباب بالشك وعدم اليقين، بالنقص المتزايد في الأمن الاجتماعي والمالي الذي هو سمةٌ للعولمة والليبرالية الجديدة.

إنَّ المخاوف السياسية والاقتصادية تُترجم حتمًا إلى انعدام الأمن في حياة الناس اليومية، من عدم الحصول على الرعاية، إلى زيادة انعدام الأمن في مكان العمل. إنَّ الميل إلى خلق جماعات هويةٍ موجهة إلى الداخل، ومغلقة، وعدوانية أيضًا، ينبع من هذا الشعور بانعدام الأمن، والاستقامة الذاتية في عالمٍ يشعر الناس بأن لا مكان لهم فيه، وبأنَّ مستقبلهم ليس مؤكدًا.

إنّ قضية الشعبوية، والسياسة التي يحركها الخوف – من “هندوتفا” (جماعة تبحث عن التآلف والتسامح بين الجميع) في الهند، إلى الليكود، ومن لوبان إلى ترامب – هي عالميةٌ من حيث الحجم. يتعرض النظام العالمي السلمي لمخاطر الانهيار بسبب مخاوفنا ورغبتنا المبنية على الوهم، لاستعادة زمن أبسط. ولكنَّ هذه “البساطة” هي رفضُ التعددية، والابتعاد عن الديمقراطية نحو الاستبداد. هذا لا يقدم القليل لمواجهة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحقيقية التي هي أكبر تهديدٍ لازدهار الإنسان، ويفاقم عمدًا تلك التهديدات، وذلك لخلق مزيد من الخوف، وكثيرٍ من التابعين.

ليس هناكَ شيءٌ أكثر جوهريةً في حياة الإنسان من التنوع، يتعين على إنسانيتنا المتكسرة أن تتوحد ثانية لحماية مستقبلنا. اليوتوبيا الغريبة والرجعية للمتطرفين -سواء جُذِبوا من طرف أميركا الحقوق المدنية، أو من طرف خلافة القرون الوسطى- هي خطرٌ يُدنينا من حربٍ أهلية عالمية. يجب علينا إعادة التركيز على رؤيةٍ أكثر تواضعًا بدلًا من اليوتوبيا، رؤية قائمة على الاعتراف بأنَّ ما يجعلنا مختلفين هو ما يجعلنا متشابهين.

الطريق إلى وقف تطرف الشبان المسلمين هي الطريق ذاتها إلى وقف تطرف الشبان المشدودين إلى أيديولوجية “ستيف بانون”، أيديولوجية “اليمين البديل” السياسة التي تنجز توزيعًا عادلًا لموارد العالم، وتقاوم مكوث الثروة والسلطة في أيديّ قلةٍ من الناس، هذه هي مثالي ومدينتي الفاضلة. نحن بحاجةٍ إلى الابتعاد عن الخوف من “الآخر” الشرير، عن كل ما يبرز مخاوفنا واستياءنا، وبدلًا من ذلك، علينا العمل على استعادة الوعد غير المحقق بالمساواة. نحن بحاجةٍ إلى معالجة التفاوتات الهائلة للسلطة، والتعليم، والمكانة والفرص بين الأفراد، بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العقيدة. نحن بحاجةٍ إلى بناء التواصل بين المجموعات، لتعزيز التفاهمات من خلال حوارنا، من خلال الفن، من خلال شِعرنا وأغانينا، وتفاهماتنا المشتركة لما يتوجب عليه أنْ نكون بوصفنا بشرًا.

وهذا ينطوي على وجود محادثاتٍ غير مريحة، ولكنها ضرورية، مع أولئك الذين يبدون -من الوهلة الأولى- مختلفين تمامًا عني. ولا يكون السؤال عندئذٍ: لماذا اختلقت كونواي مذبحة بولينغ غرين، وإنما لماذا يوجد هذا العدد الكبير من الناس الذين يشعرون بكل هذا الحرمان، حتى إنهم على استعدادٍ لتصديق مثل هذه الأكاذيب؟

بعض الأكاذيب –الأكاذيب التي نقولها بيأس، خوفًا من الأذى الذي ستسببه الحقيقة في محاولاتٍ حسنة النية، ولكن قليلة الحظ بارتياح- هي آمالٌ لم تحدث. لكن تلك الأكاذيب هي أخطر بكثير؛ فهي خبيثةٌ ومؤذية، ومع ذلك لدينا الرغبة في أن نصدقها كما هي؛ ولكنها تؤذينا وعلينا أن نفهمها من أجل مواجهتها، وتوفير بديل لليوتوبيا المشوهة التي يعد بها ترامب وأمثاله، أتباعَهم. نحن بحاجةٍ إلى سياسات الأمل والوحدة ضد سياسات اليأس والاستياء.

إذا كان هناك يوتوبيا، فعلينا أنْ نبنيها في المنطقة الرمادية، بعيدًا عن سياسات الثنائية: الأبيض والأسود، ومن ثم نرسمها، ونلونها بكلّ الألوان الرائعة للتجربة الإنسانية.

اسم المقال الأصلي How do we combat radicalisation? Offer young men hope and security الكاتب ضياه خان، Deeyah Khan مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 08/05/2017 رابط المقالة https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/may/08/combat-radicalisation-hope-security-regressive-utopias-extremists ترجمة أحمد عيشة

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]