اليوبيل الذهبي للهزيمة
5 يونيو، 2017
نزار السهلي
نصف قرن على هزيمة النظام الرسمي العربي في 1967، ذكرى واضحة لا خفاء فيها، حزن أسود ينبعث منها إلى يومنا هذا، يُتوّج فيه الإخفاقُ العربي بالهزائم المتتالية.
لم يختلف جذريًا وضع النظام العربي، بعد الهزيمة عن الوضع قبلها سوى تغيير في “قشرة” نظام الحكم، بينما بقي جوهره على حاله، حتى بعد عملية “تنظيف” الهزيمة، في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، التي انحصرت في نهاية المطاف بتوسيع قاعدة الاستثمار لبعض النظام الرسمي العربي، من خلال ترسيخ الاستبداد وتعميقه في البنى السياسية والاقتصادية والأمنية التي شكلت صلب “الدولة” الوليدة من الهزائم باستبدال شعارات، رفعت أسهم الطغيان وقزّمت من قيمة الإنسان، على عكس العدو الذي قيّم عملية “تنظيف” الهزيمة، بعد حرب تشرين، بجملة خلاصات أوصلت الهزيمة إلى اليوبيل الذهبي، ويمكن أن تصعد لذكراها الماسية، مع أن وثائق هذه الخلاصات نُشِرت قبل أربعة عقود، لكن ما يفسر استمرار الهزيمة هو بالضبط ما أشارت إليه مراكز البحث الإسرائيلية في ذلك الوقت، ودعت إلى استمرارها حتى اليوم.
يقول شمعون بيريز -وهو فيلسوف القوة الإسرائيلية- في مقابلة مع صحيفة (بمحانيه) العبرية في 3 كانون الأول/ ديسمبر 1974، بعد عام من تصدير شعارات تنظيف الهزيمة والشعار العربي “قهر الجيش الذي لا يُقهر”، يقول: لقد اقتصرت إنجازات النظام العربي على بوادر تدل على نيته القبول بـ “إسرائيل” كأمر واقع، وفي محاضرة له أمام صناع القرار وقادة الجيش في 28 أيار/ مايو 1975، قال: “أريد أن أطمئنكم لمستقبل (إسرائيل) وهذه مناسبة جيدة للعمل وفقها، الغنى العربي يبقى خارجيًا إن لم يصل إلى المدارس والجامعات والمؤسسات الاجتماعية، وما لم ينعكس على حياة الفرد، فأنتم في أمان، طالما هناك أنظمة تستثمر في السلطة والمال فأنتم في أمان، وإذا لم يوظف العرب أموالهم في تحسين أوضاعهم الاجتماعية لن يكون بمقدورهم بناء جيش حقيقي ذي قيمة، (إسرائيل) تستثمر في التكنولوجيا، وفي الإنسان فأنتم في أمان”.
طريقة التفكير الإسرائيلية مبنية على هذا الأساس، لكن بالمقابل المسألة لا تتوقف على طريقة تفكير المؤسسة الصهيونية، بل بالسلوك وفق قواعد التفكير بعد حديث بيريز بثلاث عقود. تُرجع مراكز البحث الإسرائيلي أسباب النهضة التكنولوجية التي تنعم بها إلى وجود أهم مراكز تطور الصناعات التكنولوجية في (إسرائيل) قرب الجولان السوري المحتل المنطقة الأكثر أمنًا لتوفير قاعدة تفوق تكنولوجي بتكلفة صفرية، سببها توفير الأمن ممن يستثمر في السلطة بالجهة المقابلة، بمعنى أن مخططي السياسة الإسرائيلية تعلموا العديد من الدروس بعد عملية “تنظيف الهزيمة” ما أدى إلى توجيه ضغط شديد على تبعات الخامس من حزيران/يونيو، تبعات بقيت صامدة في تخصيص الجزء الأكبر من نظرة الاستثمار الرسمي العربي في السلطة والمال، وهي الاستنتاجات البعيدة المدى التي رتبت مقولة بيريز “أنتم في أمان”.
بعد نصف قرن من الهزيمة العربية، تبقى الدروس المستفادة مع النظريات الفرضية والمواقف لا تترك مجالًا للحديث عن هزيمة الرهان الإسرائيلي بمجال الاستثمار العربي إلا في المخاطر التي بدأت تلوح منذ سبعة أعوام مع اندلاع شرارة الربيع العربي، وبحماسة المستثمرين لقيادة ثورات مضادة لإخماد لهيبها تنهض الهمم المساعدة للحفاظ على قوة الاستثمار العربي، خوفًا من حدوث ما لا تحمد عقباه في نقائض الهزيمة العربية، والخلاص الذاتي المؤشر له في ثورات الربيع العربي كهوية تعبر عن تطلعات الإنسان العربي في الحرية والديمقراطية، كشرط ضروري مناقض لمفهوم “فلسفة القوة والهزيمة” التي رسخها مفكرو الحركة الصهيونية في بعض النظام العربي.
نظرة سريعة على نصف قرن من المواقف والسياسات التي أعقبت فاجعة النظام الرسمي العربي، تظهر أن ما نجم عنها ملائم لتطلعات بعض النظام العربي الأمين على تحقيق رؤية بيريز والمؤسسة الإسرائيلية وتبديد الحيرة والتخبط والاتجاه مباشرة دون تردد إلى قتل الإنسان العربي وطموحاته، إن ما حدث -ويحدث- في سورية ومصر تحديدًا كمجال حيوي للمستثمر بالهزيمة يكفينا للاطلاع على الدروس التي استخلصها النظام في كلا البلدين والتي تعتقد (إسرائيل) أنها حيوية لضمان بقائها، هو تكريس الهزيمة من خلال السلوك المتبع على مدار نصف قرن، الهزيمة دون رعاية وحماية ووحشية وطغيان، لا تبلغ يوبيلها الذهبي، لكن بفضله يمكن أن تبلغ عقدها الماسي.
[sociallocker] [/sociallocker]