سعي إيران للتملك العقاري وعمليات التهجير

10 يونيو، 2017

محمد محمد

المحتويات
الأطماع الإيرانية…………………………………………………………………… 3

تسهيلات النظام……………………………………………………………………. 5

طرائق التملك……………………………………………………………………… 7

أدوات التملك…………………………………………………………………….. 11

مناطق التملك……………………………………………………………………. 13

التغيير الديموغرافي أحد الأهداف……………………………………………………… 15

مراحل التهجير القسري……………………………………………………………… 18

أدوات التهجير القسري……………………………………………………………… 19

الأطماع الإيرانية

بدأت الأطماع الإيرانية في سورية، منذ استولى الملالي على السلطة في إيران، ونشرت حركة التشيُّع نشرًا مُنظّمًا ومنهجيًا، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، في الأراضي السورية كلها. بُنيت الحسينيات، واستُغّل الفقر لتقديم المساعدات والخدمات ترغيبًا بالتغيير المذهبي؛ نظر الأسد الأب إلى تلك الحركة بحذر شديد، وتعامل معها بقمع ناعم مستور، اغتيل عدد من رموز العلويين ذوي النفوذ الاجتماعي بسبب دعوتهم الشيعية، وقُيّدت الجرائم ضد مجهول. اختلف الأمر بعد استلام الأسد الابن؛ فُتحت الأبواب على مصراعيها أمام النفوذ الإيراني بصوره السياسية والمذهبية والاقتصادية كافة. ومنذ عقود مضت، سعت إيران للاستحواذ على مناطق واسعة في جنوب العاصمة دمشق بحجة وجود “مراقدها” المقدسة، إذ بدأت إيران بشراء فنادق واستئجارها بغية إقامة “حجّاجها” في العاصمة دمشق، وزادت وتيرة شراء المنازل والفنادق واستئجارها بعد التغلغل الإيراني منذ 2006، إذ استُثمرت العقارات في حي السيدة زينب ذي الأغلبية السنية، وتحولت المنطقة بأكملها إلى أسواق تجارية، مع تنشيط النزعة الدينية فيها في المناسبات الشيعية بمثل عاشوراء.

لم ينحصر التملك الشيعي في مناطق جنوب العاصمة، بل انتقل الأمر إلى الأحياء القديمة في دمشق، بهدف تغيير الطبيعة الديموغرافية لسكان دمشق الأصليين، لتشمل الأحياء الدمشقية القديمة والعريقة، إذ بدأت تشتري منازل في كل من أحياء الأمين والعمارة والشاغور والجورة وغيرها. دفعت المستشارية الإيرانية ما يقارب 320 مليون ليرة سورية لشراء 12 منزلًا عربيًا قديمًا في حي السادات، وأغدقت أموالًا طائلةً لترغيب عائلات دمشقية ببيع منازلها في الحي المذكور، من مثل عائلة آل منصور والصباغ وشيخ الأرض والكيلاني وحصرية والسقا. واشترت منازل من آل القوتلي ومردم بيك والمالكي والعجلاني والخراط والبكري وسلوم ومنصور في حي الشاغور، وتحديدًا بالقرب من مقام أبي ذر الغفاري. واشترت محلات تجارية أيضًا في حي الأمين وسوق مدحت باشا. كان أكبر هذه المحلات التجارية مكتب لنشر التشيّع، يديره أشخاص من داخل السوق تشيّعوا حديثًا بمثل أبو رضا الميداني.

تسهيلات النظام

تغوّل النفوذ الإيراني وتعرّى بعد الثورة، وقدّم الأسد التسهيلات الضرورية كلها، بما فيها التسهيلات التشريعية والتغطية القانونية. فقد أصدر القانون رقم 25 لعام 2013، الذي سمح بتبليغ المدعى عليه بالدعوى غيابيًّا في الصحف في المناطق الساخنة. ولمعرفة كيف يُغطي هذا القانون عملية نهب ملكية السوريين وتحويلها بعملية نصب أخرى إلى ملكية الإيرانيين، يكفي الاستماع إلى شهادة القاضي المُنشق عن النظام محمد قاسم ناصر لوكالة (الأناضول): “كنت قاضي الصلح في محكمتي داريا والمعضمية، وبعد تدمير داريا وقتل من قُتل وتهجير من هُجّر من أهلها، بدأ الشيعة والإيرانيون بالتقدم بدعاوى تثبيت بيع أراضي، ويقولون إنهم اشتروا الأراضي من أصحابها الذين هربوا من أراضيهم أو قتلوا. أصحاب الأرض لم يكونوا موجودين، ومن يدّعون ملكية الأرض يتقدمون بدعوى غيابية، ويأتون بوكالات مزوّرة، من كاتب بالعدل، يحصلون عليها من دمشق وريف دمشق، وبعقود وهمية، ويأتون إلينا ويقولون إن هذه الأراضي اشتريناها من أهاليها قبل أن ينزحوا عنها أو يعتقلوا أو يقتلوا. في البداية كنا نرد الدعاوى بحجة أن التبليغ باطل والمالك الأصلي غير موجود إلى أن أصدر بشار قانونًا يسّهل للإيرانيين وأعوانهم سرقةَ ونهب الأراضي. وهو القانون رقم 25 لعام 2013 الذي سمح بتبليغ المدعى عليه بالدعوى غيابيًا عن طريق الصحف في المناطق الساخنة حتى إذا لم يكن مالك الأرض موجودًا في المحكمة. وهو قانون مُعيب وأثار دهشة العاملين في الوسط القانوني كلهم”. انتهت الشهادة الطويلة لكنها كانت ضرورية.

صدر المرسوم التشريعي رقم 19 لعام 2015 القاضي بجواز إحداث شركات سورية قابضة مساهمة مغفلة خاصة، بناء على دراسات اجتماعية واقتصادية وتنظيمية، بهدف إدارة أملاك الوحدات الإدارية أو جزء منها واستثمارها. سمح هذا المرسوم ببيع الأراضي السورية وشرائها على قاعدة الربحية والتشاركية، وهو أمر متاح للإيرانيين، لأنهم يملكون المال، ولو بالتشارك مع قلة من كبار رجال الأعمال السوريين المتشاركين بدورهم مع متنفذين سلطويين، بينما أكثر رجال الأعمال السوريين منكوبون بسبب الحرب. يضاف إلى ذلك فتح قناة جديدة يُمكن استخدامها لتسهيل بيع عقارات السوريين للإيرانيين. تمثلت هذه القناة بوضع الإشارات على أملاك المقترضين المتعثرين بوصفه حلًا قانونيًّا، لكنهم لن يكونوا قادرين على السداد حتى لو حُجزت ممتلكاتهم، وبيعت عقاراتهم في المزاد العلني، وهنا سيكون الإيرانيون زبائن متوقعين لهذه العقارات.

طرائق التملك

استُخدم حق الدولة التقليدي في استملاك الأملاك الخاصة استخدامًا مُسيّسًا، ويخدم الفساد الكبير كما هي العادة. بذريعة تنظيم المدن والتطوير العمراني، يُضاف لاحقًا “إعادة الإعمار”، هذه الذريعة مثلت أيضًا مدخلًا للاستيطان الإيراني.

حق الاستملاك مستمد من “سيادة الدولة” على أراضيها في الدول الطبيعية، غير الفاشلة وغير المارقة التي تتحقق فيها سيادة القانون وفصل السلطات، وخصوصًا استقلال القضاء ونزاهته.

في سورية لا توجد دولة بهذه المواصفات، إذ كان الاستملاك عملية نهب فاحش مزدوج. يُدفع لأصحاب الأراضي ثمن بخس من جهة، ومن جهة ثانية يصبح مصدرًا للإثراء غير المشروع لمقاولين وتجار عقارات وشركائهم من كبار السلطويين. وأخيرًا أُحدثت وظيفة سياسية جديدة للاستملاك في الحالة الإيرانية.

واتبع النظام ذرائع عدة لمصادرة العقارات وأملاك الأهالي بإيعاز من إيران، من بينها ذريعة المصادرة تحت بند (قانون مكافحة الإرهاب). فقد نفذ النظام اعتقالات واسعة بحق تاجرين دمشقيين، وصادر ممتلكاتهم بذريعة دعمهم للإرهاب، ومنهم من هرب إلى خارج سورية، ووضعت السلطات الأمنية يدها على بيوتهم، وسلمتها لعائلات مرتزقة شيعة من دون وجود أي رادع أخلاقي، في ضوء السلطة الممنوحة للمرتزقة التي غدت أعلى من سلطة النظام وفروعه الأمنية.

هناك قصص كثيرة لمصادرة ممتلكات أشخاص، على الرغم من غياب ما يثبت مشاركتهم في الحراك الثوري، ومن هذه القصص ما حصل لعبدو عطايا، الدكتور والأستاذ في كلية الصيدلة في دمشق، فقد ذكرت زوجته وفاء حمود أنّ “الاستخبارات الجوية اعتقلت زوجها في 26 آب/ أغسطس عام 2012، في أثناء عودته من زيارة أقاربه في دوما، وصادرت سيارته ومخبره الكائن في ساحة الشهبندر، وشقته الكائنة في المزة فيلات غربية، تحت بند قانون مكافحة الإرهاب وما يزال زوجها موقوفًا في سجن الخطيب”.

تمتعت السفارة الإيرانية بتسهيلات وتغطية كاملتين من كبار مسؤولي الاستخبارات في نظام الأسد، مكنتها من إنجاز عمليات بيع العقارات السورية للإيرانيين، بخاصة في مدينة دمشق القديمة، وفي المنطقة الممتدة من خلف الجامع الأموي وحتى منطقة باب توما. وتملكت تملكًا خاصًا، فنادق كالدة، والإيوان، وآسيا، ودمشق الدولي، وفينيسيا، والبتراء، إضافة إلى أسهم في فندق (سميراميس). ودفع سفيرها بسماسرة إيرانيين وآخرين تابعين للنظام السوري، لتقديم عروض مغرية لعدد من رجال الأعمال، للاستحواذ على ممتلكاتهم بعد دفع مبالغ مضاعفة لهم. والمثال المشهور هو استملاك “بساتين الرازي” لإقامة مشروع سكني إيراني كامل في منطقة المزة، حيث توجد السفارة الإيرانية في دمشق. والاستملاك لا يقتصر على جنوب شرق المزة، بل يمتد إلى منطقة تنظيم جنوب شرق المزة، بذريعة التوسع العمراني. إذ تملكت المساحة الواقعة خلف مشفى الرازي إلى جنوب المتحلق الجنوبي في القدم ونهر عيشة والزاهرة، بمساحة تقدر بـ 20 في المئة من مساحة دمشق، بأسماء مستثمرين سوريين. وبعد إجبار السكان القاطنين في المزة وكفر سوسة والقدم ونهر عيشة والزاهرة على الخروج، ستُنشأ أبراج سكنية يتوطن فيها مئات الآلاف من شيعة الكويت والبحرين ولبنان والعراق بعد إعطائهم الجنسية السورية. وصل الأمر إلى غوطة دمشق الشرقية، وبخاصة منطقة المليحة، علمًا بأن أراضي تلك المنطقة هي من الأراضي (الأميرية)، ملك للدولة، ما يسهل تمليكها للإيرانيين بالتحايل على القانون. إضافة إلى مُناقصات حكومية سورية، مفتوحة للإيرانيين فحسب، فضلًا عن الأحياء السكنية المُدمرة التي اشتراها إيرانيون لإعادة إعمارها ثم استوطنوها، وأحياء أُخرى جرى ابتزاز سُكّانها -وإن كانوا مُؤيدين للنظام السوري- وإجبارهم على التخلي عن مساكنهم. وهذا غيض من فيض.

أدوات التملك

تجنّد إيران شبكة ضخمة من المؤسسات وتجار العقارات والسماسرة، وأصحاب المكاتب العقارية في سورية، وتضخ لهم ملايين الدولارات لشراء عقارات وأملاك السوريين لمصلحتها. واحد من رجالات إيران البارزين، في عمليات بيع العقارات السورية للإيرانيين، هو رجل الدين الشيعي عبد الله نظام الذي يستخدم نفوذه واتصالاته الوثيقة برجالات من السلطة، لتسهيل الصفقات والتعاملات العقارية في سورية، واللعبة بسيطة، فما على الرجل سوى إقناع أصحاب العقارات بالتنازل عنها مُقابل المال لرجال أعمال إيرانيين، ليقدم له النظام السوري، ولمؤسساته، ما يُسهل إتمام العقود كاملًا.

كشف موقع (بيك نت) الإيراني عقد الحكومة الإيرانية اجتماعات مع العاملين في قطاع البناء الإيراني، لتُؤكد لهم أن هناك فرصًا واعدات في مجال الاستثمار في سورية، مُطالبةً إياهم بالذهاب إلى هُناك، واستكشاف “السوق المُغري”، وبالفعل سارع رجال أعمال إيرانيون بالاستثمار في سوق العقار السوري. وأضاف بأن النظام الإيراني، يُشجع الشركات والتجار والمقاولين والمواطنين على شراء المنازل والعقارات والفنادق في أحياء دمشق الراقية. ونشطت عمليات البيع في حي الجورة القريب من باب توما، بمساعدة عائلات شامية تشيّعت في الماضي، كـآل لحام، الروماني، مرتضى، فضة، نظام، النوري، لطف، بختيار، مملوك، الشمعة، وحامض، وغيرها من العائلات السورية المعروفة.

ويعمل عدد من البنوك والمؤسسات المالية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بخاصةً، مثل بنك أنصار الإيراني، ومؤسسة مهر المالية، على تقديم مزيد من التسهيلات، ومنح القروض الكبيرة لمن يرغبون في شراء العقارات في سورية. وتنتشر المراكز الشيعية في أماكن عدة من سورية، بعضها بمسمى وكالات غوث، أو جمعيات خيرية، أو مكاتب تجارية أو تثقيفية. بالطبع، إيران تتكفل بالتكاليف المالية والتقنية لهذه المراكز كلها، من دون أي تدخل من النظام السوري. وهذه المراكز الشيعية تُشرف على شراء الأراضي والعقارات لمصلحة مُستثمرين شيعة من لبنان والعراق وإيران، بإغراء أصحابها الأصليين بأسعار خيالية.

مناطق التملك

وإن يكن الجهد الرئيس للتغلغل الإيراني ينصبّ بالدرجة الأولى في دمشق، العاصمة وريفها، نظرًا إلى أهميتها الرمزية والسياسية والجغرافية والاقتصادية فهي ليست وحيدة في الاستهداف. ففي حلب -عاصمة الاقتصاد السوري- أطلقت طهران يدَ رجال أعمال النظام لشراء عقارات في مناطق حلب الراقية من مثل الموكامبو، والشهباء، وحلب الجديدة. ثم إن هناك توجيهات إيرانية لشراء عقارات في حلب، وتسليمها لرجالاته من مدينتي نبل والزهراء، وطرد رجال أعمال لم يتدخلوا في الثورة، وإجبارهم على بيع ممتلكاتهم عنوة أو حتى مصادرتها في كثير من الأحيان. وفي حمص استُعيد مشروع (حلم حمص) الذي طُرح عام 2007. وسينفذ من خلال ما يدعي النظام أنه (إعادة إعمار)، إضافة إلى الاستحواذ على الأحياء المُدمّرة والمُهجّر سكانها بمثل بابا عمر وباب السباع والخالدية وعشيرة وكرم الزيتون والرفاعي والبياضة ووادي العرب وحي السبيل. وتسعى إيران للحصول على حصة كبيرة من هذه المشروعات.

وتشهد مدينة طرطوس تحركات تتمثل بمحاولة إحداث تغيير ديموغرافي وعقائدي ومذهبي في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، من خلال السعي لنقل ملكية العقارات للشيعة بمساعدة ومباركة كاملتين من وزير أوقاف النظام محمد عبد الستار السيد. ونقلًا عن متابعين في القصر العدلي في طرطوس فإن “الحوزات الشيعية تشرف على شراء الأراضي والعقارات لمصلحة مستثمرين شيعة من لبنان والعراق وإيران، مغرية أصحابها بأسعار خيالية”. ويضيف المتابعون إن “عمليات توقيع عقود البيع والشراء تحصل بسلاسة قانونية، وبتوافق بين الأطراف نظرًا إلى يأس البائع من مقاومة السعر المغري تارة، والخوف من التشبيح، والإجبار بالقوة تارة أخرى. وسُجّلت بعض حالات الشراء الإجبارية لبعض العقارات والأراضي تحت التهديد متعدد الأوجه. إضافة إلى أن أراضي الوقف التي يبيعها وزير أوقاف النظام أغلبها مخفية، بمعنى أنها مجهولة في المصالح العقارية”. وهناك انتشار ملحوظ لظاهرة المراكز الشيعية في طرطوس بغطاء: وكالات غوث، وكوارث، وجمعيات خيرية، ووكالات عقارية، ومكاتب تجارية، ومعارض سيارات، وندوات تثقيفية.

التغيير الديموغرافي أحد الأهداف

تدرك إيران أنه لترسيخ نفوذها واستدامة أطماعها في سورية تحتاج إلى قاعدة ديموغرافية ذات ثقل اجتماعي. فسورية هي أضعف حلقة في سلسلة مشروعها الإمبراطوري من الناحية الديموغرافية، بينما هي الحلقة الذهبية بالمعيار الجيو-استراتيجي، بوصفها “واسطة العقد” بتعبير الشاعر أبي تمّام. فالشيعة في العراق أكثرية سكانية، وهم في لبنان ثالث كتلة سكانية كبيرة. لكن الشيعة في سورية لا يتجاوزون 0.5 في المئة من السكان حتى عام 2010. لذلك تسعى إيران لزيادة نسبة الشيعة في سورية. وتتبع طرقًا عدة من التملك والاستيطان والتوطين والتجنيس ونشر المذهب الشيعي. يترافق ذلك مع تهجير السنة العرب. وكأن كلام الأسد يُعبّر عن لسان حال إيران ومصالحها حينما يقول إن النسيج الاجتماعي اليوم هو أفضل من أي وقت مضى. كيف لا، وأكثر من نصف السوريين مُهجّر في الداخل والخارج. فشراء العقارات في المناطق الحيوية وزرع رجالاتهم فيها يساعد في تغيير التركيبة الديموغرافية، إضافة إلى التهجير القسري. وفي تقديرات، لا يُمكن التأكد من صحتها، أن إيران قدمت 3 مليارات و400 مليون دولار لرجالات أعمال، بهدف شراء عقارات في دمشق وحدها. فعلى المدى البعيد -وليس المنظور- السيطرة على العقارات، تليها عمليات استثمار ضخمة، بغية التغلغل في مفاصل الاقتصاد السوري كافة، يتيح خلق رجالات جدد ولاؤهم بالدرجة الأولى لملالي طهران. وفي تقديرات غير مُؤكَدة إن سلطات الأسد منحت الجنسية السورية لما يقارب 200 ألف من شيعة البحرين والكويت ولبنان والعراق، كي يتملكوا العقارات والمنازل في قلب العاصمة دمشق بتمويل إيراني. وما هو مُؤكَد -مثلًا لا حصرًا- منح الأسد الجنسية السورية لعبد الحميد دشتي، المستثمر الكويتي الشيعي والعضو السابق في مجلس الأمة، والمطلوب للعدالة الكويتية. وقد استطاع دشتي من خلال الجنسية، شراء أسهم عقارات في مناطق عدة من دمشق. وحتى يصبح وجود الشيعة قانونيًا أكثر في سورية، أسّست إيران لهم شركات تجارية وخدمية عدة، وغيرها من المؤسسات السياحية، وجهزت لهم عقود عمل بالاتفاق مع الحكومة الأسد في منطقة السيدة زينب.

مراحل التهجير القسري

مارس النظام القمع العسكري الذي أدّى إلى عمليات تهجير قسري على مراحل:

  • المرحلة الأولى (العقاب الجماعي): تمثلت بشن حملات أمنية وعسكرية للسيطرة على الموقف الميداني في مناطق الحراك، لكنها لم تكن استراتيجية مقصودة للتغيير الديموغرافي القسري، بسبب اعتقاد النظام بقدرته على السيطرة على الموقف من دون اللجوء إلى التهجير.
  • المرحلة الثانية (التطهير المكاني): التحول إلى العمل العسكري نهاية 2011، وإخراج قوات النظام الأمنية من بعض المناطق، دفع النظام إلى تصعيد الموقف الميداني بزج المزيد من القوات العسكرية وفق استراتيجية التطهير المكاني وهو ما بدأ في محافظة حمص عبر تهجير أحياء بابا عمرو والسباع والخالدية وعشيرة وكرم الزيتون والرفاعي والبياضة والسبيل ووادي العرب ومنطقة جوبر والسلطانية.
  • المرحلة الثالثة (سورية المفيدة): تطورت عمليات التغيير الديموغرافي بداية 2013، لتحقيق الاستراتيجية الإيرانية في سورية المعروفة بــالمحافظة على (سورية المفيدة). وحدث نزوح قسري للسكان بفعل العمليات العسكرية القائمة بين قوات النظام والميليشيات الموالية له من جهة والفصائل المسلحة من جهة أخرى.

أدوات التهجير القسري

استخدم النظام السوري والقوات الموالية له في عملية التهجير القسري أدوات سياسية وعسكرية واستخباراتية واقتصادية وإدارية من أهمها:

  • المجازر: ارتكبت قوات النظام والقوات الموالية مجموعة من المجازر على أساس طائفي بهدف ترهيب السكان والدفعهم بهم إلى ترك مناطقهم، ومن أمثلة تلك المجازر: مجزرة الحولة 25 أيار/ مايو 2012، مجزرة القبير 6 أيار/ مايو 2012، مجزرة البيضا ورأس النبع 2 أيار/ مايو 2013، مجزرة التريمسة 12 تموز/ يوليو 2012، مجزرة الزارة 6 آذار/ مارس 2014، وغيرها.
  • القصف الجوي: لجأ النظام إلى القصف الجوي بهدف تدمير مقومات الحياة؛ ما دفع بالسكان إلى النزوح القسري عنها بحثًا عن الأمن والخدمات، وفي دراسة صادرة عن المجلس المحلي لمحافظة حمص- مكتب التوثيق بعنوان “مؤشر التهجير في حي الوعر- حمص”  تبين وجود علاقة ارتباط طردي قوية بين القصف الجوي وتهجير السكان من الحي.
  • التضييق الاستخباراتي: لجأ النظام إلى التضييق الأمني على السكان، وذلك إما بالتضييق على حركة تنقلهم من وإلى داخل مناطقهم، أو باعتقال الشباب بذرائع أمنية أو بذريعة السَّوق للخدمة الإلزامية الأمر الذي دفع السكان إلى ترك هذه المناطق.
  • الحصار: اتبع النظام الحصار للتضييق على السكان وتعريضهم لمراحل حصار طويلة كما حصل في داريا والمعضمية وأحياء حمص القديمة والزبداني ومضايا وغيرها.
  • اتفاقات الإخلاء: جرت عمليات تفاوضية بين ممثلي النظام والمسلحين المحليين بوساطة أممية، تمخض عنها استعادة النظام للمناطق التي تسيطر عليها الفصائل وتهجير من فيها من مدنيين ومقاتلين، بدأت أولى اتفاقات الإخلاء في عام 2012، وشهد عاما 2015 – 2016 العددَ الأكبر من اتفاقات الإخلاء، ويقدر عددها بين حزيران/ يونيو 2012 وآب/ أغسطس 2016 بـــ 7 اتفاقات. تلكلخ في حزيران/ يونيو 2012، القصير في منتصف 2013، حمص القديمة في 7 أيار/ مايو 2014، الحجر الأسود في 6 تموز 2015، الزبداني في 19 أيلول 2015، حي القدم في 23 كانون الأول 2015، قريتي قزحل وأم القصب في 21 تموز 2015، داريا في 25 آب 2016، معضمية الشام في 13 تشرين الأول 2016، قدسيا والهامة في 15 تشرين الأول 2016، مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين وبلدات زاكية، والمقيلبية، وطيبة في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، مدينة التل في بداية كانون الأول/ ديسمبر 2016. في أواخر العام 2016 خيّر الأسد وحلفاؤه عشرات آلاف المحاصرين، في أحياء حلب الشرقية، بين الموت قصفًا وجوعًا وبردًا، والخروج من بيوتهم إلى المجهول في أكبر عملية تهجير تشهدها سورية.
  • آخر التهجيرات

اتفاق المدن الأربع، يوم الأربعاء، 12 نيسان/ أبريل 2017، بين جيش الفتح من جهة وميليشيا (حزب الله) اللبناني والإيرانيين من جهة أخرى، حيث تنطلق الحافلات خلال ساعات من (الزبداني، مضايا، كفريا، الفوعة). شمل الاتفاق نقاطًا عدة، ومن أهمها: (إخلاء كفريا والفوعة) المواليتين للأسد في الشمال السوري، مقابل نقل مقاتلي الزبداني ومضايا إلى الشمال مع عائلاتهم، إضافة إلى وقف إطلاق النار بين الجانبين.

خرج مئات المقاتلين المعارضين والمدنيين، الإثنين في 8 أيار/ مايو 2017، من حي برزة الواقع في شمال دمشق، في أول عملية إجلاء للفصائل المعارضة من العاصمة السورية منذ اندلاع النزاع قبل أكثر من ستة أعوام. وبحسب الاتفاق سيخرج نحو 10 آلاف مدني وعسكري من الحي الذي يسكنه 40 ألف شخص، موضحين أن عملية التهجير ستجري على 8 مراحل. ويقضي الاتفاق بتهجير المقاتلين و”السكان الراغبين”، إلى الشمال السوري، في إدلب وجرابلس في ريف حلب.

خرجت الدفعة التاسعة والأخيرة في 9 أيار/ مايو 2017، ضمن اتفاق أبرم، في 13 آذار/ مارس الماضي، بين المسلحين وممثلين عن السلطات السورية، الذي يقضي بنقل المسلحين مع عائلاتهم إلى مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة، وإجلائهم عن حي الوعر في حمص وسط سورية. وتوجهت دفعتان من المسلحين وعائلاتهم إلى مخيمات في محافظة إدلب، بينما توجهت 6 دفعات إلى مخيمات في ريف حلب الشمالي، وذلك منذ بدء تنفيذ الاتفاق بمعدل دفعة أسبوعيًا.

ومازالت الرواية مستمرة .

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]