طريق خناصر .. حالات خطف متكررة وعصابات تجني الملايين
13 يونيو، 2017
في عام 2013 شنّ نظام الأسد حملة عسكرية ضخمة قادها سهيل الحسن الملقّب بـ “النمر”، بهدف إيجاد طريق بري إلى حلب، حيث كانت مناطق النظام فيها معزولة بشكل شبه كامل، نتيجة اتساع رقعة مناطق سيطرة المعارضة آنذاك.
وعقب معارك استمرّت لأشهر، تمكّن النظام من فتح طريقٍ يمرّ من مدينة السلمية بريف حماه الشرقي نحو أثريا ثم خناصر، وبعدها قرى ريف السفيرة، ثم حيّ الشيخ سعيد وأخيراً العامرية فمدينة حلب.
وفيما شكّل الطريق منفذاً للنظام نحو حلب وشرياناً لإمداد قواته وضمان استمرار تدفق المؤن والمقاتلين، فإنه كان أيضاً مسرحاً دائماً لجريمة متكررة ألا وهي الخطف، وبات التعرض للمارّة المدنيين وسلبهم وابتزازهم يتمّ بشكلٍ مافيوي منظّم، حيث استغل الخاطفون مرور الطريق في مناطق نائية ووعرة.
قصص عديدة
شهد الطريق أول حادثة خطف بعد فتحه بأيامٍ قليلة فقط، حيث خُطف حينها طالبٌ جامعي من مدينة حلب كان متوجهاً إلى جامعة حمص حيث يدرس، وذلك بعد قضاء عطلة في مدينته.
عقب هذه الحادثة بدأ الخطف يستفحل بشكلٍ كبير على هذا الطريق، وذلك من قبل ميليشيات وعناصر موالين ومحسوبين على النظام، بعد أن وجدوا في هذا المجال فرصة لتحقيق مكاسب مادية سريعة وكبيرة، نتيجة حصولهم على فِدى مقابل إعادة المخطوفين.
وفي مطلع عام 2015، خُطف شخص آخر خلال توجّهه من حلب إلى دمشق عبر هذا الطريق، وتم إعادته بعد ثلاثة أشهر من الخطف عبر دفع المبلغ الذي طلبه الخاطفون كاملاً.
يروي “أبو حسام” تفاصيل هذه الحادثة نقلاً عن شقيقه المخطوف “أحمد حسن” حينها قائلاً: “كان شقيقي متوجّهاً إلى العاصمة دمشق، وبعد قطعه منطقة خناصر ووصوله إلى الطريق الواصل بين أثريا وسلمية، أوقف الحافلة حاجز مؤلّف من خمسة أشخاص يرتدون الزي العسكري ومعهم سيارة دفعٍ رباعي وليس لديهم أي آليات عسكرية أخرى، وكان مع كل واحدٍ منهم سلاح فردي من طراز كلاشنكوف”.
وأضاف أن المجموعة صعدت مباشرة إلى الباص، واقتادت شقيقه مع خمسة أشخاص آخرين، وتم سحب الهويات والوثائق والحقائب والأموال والهواتف المحمولة من جميع المخطوفين، وجرى نقلهم بسيارة دفع رباعي كانت متمركزة على طرف الطريق الصحراوي، وذلك تحت تهديد الخاطفين لهم بالسلاح، حيث دخلوا بهم إلى مناطق جبلية وعرة غير معروفه، ثم وضعوا المخطوفين في شقة، ومن بينهم شقيق “أحمد حسن” الذي تم حبسه في غرفةٍ داخل المنزل لمدّة ثلاثة أيام.
يتحدث أبو حسام عن ظروف خطف شقيقه كما نقلها له ويقول لـ “صدى الشام”: “كانوا يدخلون له الطعام مرة واحدة في الصباح ولا يتحدّثون معه أية كلمة، كانوا يدخلون ليضعوا الطعام ويخرجون مباشرةً”.
بعد ثلاثة أيام دخل إليه أحد الخاطفين، وطلب منه إجراء اتصال مع عائلته لطلب مبلغ مالي كفدية يدفعها ذووه مقابل إخراجه، ولم يتم التأكّد من الجهة التي تنتمي إليها المجموعة الخاطفة، لكنها “كانت تحمل معدات وأجهزة لاسلكية وأسلحة وذخائر وجعب وغيرها”، يقول أبو حسام.
هدف مادي
اتفقت عائلة “أحمد حسن” بعد اتصالاتٍ استمرّت لأكثر من أسبوع مع الخاطفين على دفع 12 مليون ليرة سورية لقاء الإفراج عنه.
يقول أبو حسام: “اطمأنّينا إلى حدٍ كبير عندما علمنا أنه مخطوف لهدف مادي، كُنّا نظن أنه معتقل ولن يخرج إطلاقاً”.
وأضاف أن الخاطفين طلبوا في الاتصال الأول 30 مليون ليرة، ثم بدأ التفاوض على المبلغ حتّى رسا الطرفان على 12 مليون ليرة، تم دفعها في خلال عملية التسليم.
وبينما تغيب أية إحصاءات عن حالات الخطف التي طالت المدنيين على هذا الطريق، فإن المؤكد والواضح هو أن جميع الحوادث التي حصلت خلال السنوات الأربع الماضية على هذا المحور، لم تحمل أي طابعٍ سياسي أو طائفي أو انتقامي وإنما مالي وحسب.
فمن خلال مجموعة مقابلات أجرتها “صدى الشام” فإن جميع من تم اختطافهم على هذا الطريق طُلب من ذويهم الفدية المالية، والتي لا تقلّ عن 8 ملايين ليرة في أحسن الحالات.
ولاحظت “صدى الشام” أن العصابات التي تقوم بالخطف تمتلك الكثير من المعلومات والوقائع عن الحركة على الطريق، وعن عبور أية شخصية معروفة ليقوموا بالتحضير لخطفها.
بورصة “الفدية”
في أواخر شهر أيلول من عام 2015، ظهر المطرب الحلبي “مصطفى هلال” بعد اختفائه لمدّة شهرٍ كامل.
هلال كان حينها قد اختُطف من قبل أحد الحواجز العسكرية التابعة للميليشيات المقرّبة من نظام الأسد، وذلك خلال توجّهه لإحياء حفل غنائي في العاصمة اللبنانية بيروت.
وتقول مصادر مطلعة على هذا الملف لـ “صدى الشام”: “إن الشخصيات المشهورة التي يمكن تحصيل أموال طائلة منها تكون عرضةً للخطف بشكل أكبر”.
وعلى غرار مصطفى هلال، كان هناك 4 مخطوفين تراوحت المبالغ التي دفعت كفديات لتحريرهم ما بين 9 – 25 مليون ليرة سورية، وفي حالةٍ غير استثنائية خطفت ميليشيا الدفاع الوطني سائق سيارة أجرة لدى توجهه من حلب إلى دمشق عبر طريق إثريا- خناصر، ونقلت وسائل إعلامية تابعة للنظام عن زوجة السائق قولها: “إنها تلقت اتصالاً من أحد الشبيحة أبلغها فيه أن زوجها مخطوف، وطالب بمبلغ قدره 75 مليون ليرة لإطلاق سراحه”، وأثار الخبر جدلاً واسعاً بين السوريين، في حين لم يُعرف عمل السائق وسبب طلب هذا المبلغ الضخم منه.
وقبل هذه الحادثة بفترة، اختُطف صاحب معامل أقمشة وتاجر ألبسة يدعى “محمود النعسان”، حيث تم دفع مبلغ 20 مليون ليرة سورية كفدية لإطلاق سراحه بعد اختطافه بالقرب من قرية أبو رويل جنوب مدينة السفيرة على طريق خناصر.
من هم الخاطفون؟
بسبب الدقة الكبيرة التي تميز عمليات الخطف بكافة خطواتها ومراحلها، فإنه يصعب على أي شخصٍ أن يقوم بتحديد أماكن وجود الخاطفين أو المناطق التي يقومون بنقل المخطوفين إليها.
لكن أحد المخطوفين سابقاً والذي ينحدر من مدينة حلب قال لـ “صدى الشام” إن معظم عمليات الخطف تتم تحديداً على الأوتوستراد الممتد من منطقة أثريا إلى سلمية، وأشار هذا الشخص الذي رفض الكشف عن هويته، إلى أن هناك حالات خطف تتم خارج هذا الطريق لكنها نادرة.
وأضاف أنه هو ومجموعة أشخاص آخرين خُطفوا على هذا الطريق إضافةً إلى أنه سمع بعدّة حوادث مماثلة على الطريق ذاته.
وتُرجع مصادر أهلية من سكّان ريف حلب الجنوبي الشرقي السبب في ذلك، إلى أن هذا الطريق لا يحتوي على أي مظاهر للحياة البشرية، وهو عبارة فقط عن أوتستراد طويل يحيط به مناطق صخرية، ولا يحتوي على أية نقطة خدمة أو توقف أو محطة وقود كما يخلو من المارّة، وبالتالي فهو طريق سريع للسيارات وحسب.
وأردفت المصادر أنه يمكن بسهولة نقل المخطوف من هذا الطريق نحو قرى ريف حماة الموالية لنظام الأسد، متهمةً عناصر في ميليشيات النظام بوقوفها خلف هذه العمليات، ولا سيما أنهم كانوا يتقاضون مبالغ مالية كبيرة.
على هذا الطريق تم إطلاق تسمية “حاجز المليون” للمرّة الأولى، على حاجز عسكري يأتي موقعه قبل حاجز “بطاطا” المعروف في مدينة سلمية، ويُعرف عنه سوء المعاملة وعمليات النهب والسلب والتشليح لجميع المارّة، وذلك وفقاً لشهادات من عابرين لهذا الطريق حصلت عليها “صدى الشام”.
وتقوم هذه الحواجز بسرقة الأموال والهواتف المحمولة من المارة تارةً، وتارة أخرى تقوم بإنزال مدنيين من السيارات والحافلات بحجّة أنهم معتقلون ثم تقوم بخطفهم، وفي حالاتٍ أخرى يصعد عناصر إلى الحافلات ويقومون بجمع 5 آلاف ليرة من كل راكب “ثمن غداء للعناصر”.
النظام لا يحرّك ساكناً
عمدت قوات النظام إلى سحب كل قطعها العسكرية بعد السيطرة على الطريق، وقامت بنشر ميليشيات “اللجان الشعبية” و”الدفاع الوطني” لتقوم بإدارة هذا الطريق وإجراء عمليات التدقيق والتفتيش، حيث راحت هذه الميليشيات تقوم بعمليات الخطف والسلب والنهب من المدنيين.
وعلى الرغم من انتشار أخبار الحوادث على نطاقٍ واسعٍ في سوريا، ولا سيما من خلال “حاجز المليون” الذي لم يترك حافلةً تمر دون سلبها، إلّا أن النظام لم يحرّك ساكناً تجاه ذلك ولم يتّخذ أي قرارٍ من شأنه إيقاف عمليات الخطف والسلب والنهب.
هذا الأمر أثار غضباً واسعاً في صفوف الموالين، حيث اتهم هؤلاء الميليشيات التابعة لـ “سهيل الحسن” بالوقوف وراء عمليات الخطف المستمرة، والتي تواصلت بعد إيقاف ما يعرف بـ “الترفيق” الذي كان يشكل مصدر ارتزاق للكثير من ميليشيات الشبيحة وعناصر “النمر”.
وطالب موالون بنشر عناصر من الأمن الداخلي أو الجمارك، لحماية طريق خناصر الذي يشهد حركة مرورية كثيفة، ويربط محافظة حلب بالعديد من المحافظات السورية ومنها العاصمة دمشق.
لكن سواء بوجود “الترفيق” أو غيابه يبقى الخطف كمظهر ثابت من مظاهر ما يسميه الخبراء الاقتصاديون بـ “اقتصاد الحرب” الذي تحولت فيه ممارسات الخاطفين وعناصر الحواجز على السواء إلى “مهنة” بغياب مظاهر سيادة القانون لدى نظام الأسد.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]