عن أي “سياحة” يتحدث النظام في سوريا؟

22 يونيو، 2017

لو توقّفنا قليلاً عند الأرقام التي تعلنها وزارة السياحة في حكومة النظام بين حينٍ وآخر لظننا أن الحديث عن بلد مختلف تمامًا (جزر المالديف أو النمسا أو الدنمارك) وليس عن سوريا، فهي لا توحي ببلد مصنف ضمن أكثر البلدان بؤساً.

وطبقاً لما ذكره وزير السياحة مؤخراً، فإن عدد السياح القادمين إلى سوريا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي بلغ 256 ألفًا من العرب والأجانب، أي بمعدل 85 ألف سائح شهرياً، وأضاف أن عدد القادمين زاد بنسبة مقدارها 41% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2016، وأن نسبة زيادة الأوروبيين +40%، ومن دول آسيا +208%، ومن دول الجوار (العراق ولبنان) بنسبة 41%!

لا يخفى على أحد أن القطاع السياحي يعتبر من أكثر القطاعات الاقتصادية حساسية من حيث تأثره بالوضع الأمني في البلاد، فهو يتعرض للانتكاسة بمجرد وقوع أية حادثة من شأنها أن تزعزع الأمن، فكيف سيكون الحال إذاً بالنسبة لبلد يعاني من “الحرب” منذ أكثر من 6 سنوات، ولا يزال؟

 

تحول جذري

 

في قراءة لواقع القطاع السياحي في سوريا قبل الثورة، فقد بلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 أكثر من 14%، ووفر فرص عمل لنحو 13% من مجموع القوة العاملة، كما أنه وفّر جزءاً كبيراً من احتياطيات سوريا من القطع الأجنبي التي قدرت نسبتها بـ31%، كما بلغ مجموع الاستثمارات العامة والخاصة في القطاع السياحي وفق إحصائية رسمية صادرة عام 2007 نحو 300 مليار ليرة.

وبعد عامين من انطلاق الثورة السورية والحرب التي أشعلها نظام الأسد تراجعت أعداد السياح من 5 ملايين سائح عام 2010 إلى أقل من 400 ألف عام 2015 وفق بيانات وزارة السياحة، وبلغت خسائر القطاع السياحي 387 مليار ليرة، أي أكثر من مجموع حجم الاستثمارات التي سجلها، ويمكن القول بأن قدوم السياح انخفض بمعدل 98% مقارنة مع عام 2010 وفق ما أكده وزير السياحة خلال عام 2015.

لكن وفي حين تبدو هذه الأرقام واقعية نظراً لما تمتلكه سوريا في ذلك الحين من مقومات، فإن التصريحات الأخيرة عن ازدياد أعداد السائحين عاماً بعد عام تبدو موضع تساؤل واستغراب نتيجة ما شهدته البلاد من تحولات.

 

تعتبر سوريا بلداً سياحياً قياساً بالأرقام التي حققتها قبل الثورة، خصوصاً بالنسبة لمساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، لكن وعقب الحرب التي أشعلها نظام الأسد تراجعت أعداد السياح بشكل واضح لا يمكن أن تخفيه التصريحات.

 

من هم هؤلاء؟

 

في محاولة لتفسير الأرقام التي طرحها وزير السياحة مؤخراً عن عدد القادمين، أكد باحث اقتصادي في تصريح لـ صدى الشام، أنها “أرقام خلبية”، مشيراً إلى أن هناك قادمين إلى سوريا بقصد السياحة، ولكن ليس بقصد الاصطياف وإنما لزيارة المقامات الدينية، ويأتي هؤلاء “السياح” بشكل خاص من العراق ولبنان، أما ما يقال عن توافد السياح من أوروبا ومن دول آسيا، فهذا “ضرب من المستحيل بل وتضليل إعلامي”، بحسب الباحث، فالسوريون يهربون من بلدهم، فكيف للأجانب أن يأتوا إلى سوريا بقصد السياحة؟ وهل تعتبر المشاهد المأسوية التي تبث يومياً عبر شاشات التلفاز العربية والعالمية، والتي تجسد الواقع السوري من آلام وتفجيرات واشتباكات، مناخاً جاذباً أو محفزاً لقدوم السياح”؟.

 

الأرقام التي توردها وزارة السياحة في حكومة النظام عن أعداد السياح قد تشير بدرجة ما إلى القادمين إلى سوريا من العراق ولبنان بشكل خاص لزيارة المقامات الدينية، أما الحديث عن توافد السياح من أوروبا ومن آسيا فهو تضليل.

 

والسياحة الداخلية أيضاً

 

تقسم السياحة حالياً في سوريا إلى نوعين: دينية تشمل زيارة المقامات، وداخلية تعتمد على السكان المحليين، وحتى هذان النوعان تعرضا لتدهور كبير في الأرقام مقارنة مع ما قبل الثورة، فالسياحة الدينية التي تعتمد على المقامات تعرضت لهزات أكثر من مرة فانخفضت كثيراً، في حين أن السياحة الداخلية تأثرت بالمجمل بتردي الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير لمعظم المواطنين السوريين، مع ضعف مداخيلهم، وارتفاع الأسعار وحدوث فجوة أثرت في قدرة الأسرة السورية على تلبية متطلبات معيشتها الأساسية، فكيف لهذه السياحة أن تنتعش؟ يقول الباحث.

ويضيف أن معظم مرتادي المطاعم والمنتجعات السياحية هم من أثرياء الحرب والتجار ورجال الأعمال، وهم فئة قليلة لا يمكنها أن تنعش هذا القطاع، فهل يعقل أن تنتعش السياحة الداخلية وقد بلغ عدد المهجرين داخل سورية وفق تقرير نرويجي، نحو 824 ألف مهاجر، في حين ذكر تقرير آخر صادر عن منظمة العفو الدولية “امنستي” أن ما يقرب من 13.5 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة في سوريا، ومن المتوقع أن يصل عدد النازحين في البلاد إلى 8.7 ملايين بنهاية عام 2016.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]