المواقف الدولية وانعكاساها على جبهات الغوطة الشرقية
26 يونيو، 2017
هيثم البدوي
تفرض التفاهمات وتقاطعات المصالح الدولية واقعًا متغيرًا على الأرض السورية باستمرار، يظهر من خلال انتقال وتبديل وتنوع مناطق الهجوم والمواجهة والحملات العسكرية بين النظام والمعارضة.
يتكشف الموقف الأميركي يومًا بعد يوم، وتنوعت خطوطه الحمراء بين قطعية، وتكتيكية، وظنية، فالخطوط التي نفترضها قطعية، وقد ظهرت من خلال منع أميركا النظامَ الاقترابَ من مناطق نفوذ وسيطرة ميليشيا قوات سورية الديمقراطية (قسد)، بعد إسقاط المقاتلة السورية فوق مناطق نفوذهم، إضافة إلى منع النظام وميليشيات إيران الطائفية الاقتراب من الحدود السورية العراقية، بعد قصف الرتل المتجه نحو الرقة للسيطرة على تلك المناطق والعمل على استكمال وصل ما يُسمى “الهلال الشيعي” بين طهران والمتوسط.
وبالنسبة للخطوط الحمراء التكتيكية، وقد ظهرت على الجبهة الجنوبية، بعد فرض الاتفاق الأميركي-الروسي هدنة درعا التي بدأت بـ 48 ساعة، تلتها فترة تمديد ثانية لتدخل جبهة درعا بعدها مرحلةَ السكون والتهدئة، وبذلك يفهم هذا الخط على أنه خط أحمر تكتيكي، لاحتمال أن تكون درعا قاعدة الانطلاق لتحرير البادية السورية لاحقًا.
هذان الخطان معًا، دفعا النظام نحو الهجوم على غوطة دمشق الشرقية، ليختبر حقيقة الموقف الأميركي والدولي تجاه مناطق تواجد المعارضة على محيط العاصمة السورية دمشق، وعلى ما يبدو أنه غير واضح إلى الآن، وبذلك يكون خطًّا أحمر أقرب إلى الظني.
كان من مخرجات اجتماع أستانا فرض الاتفاق على تعيين مناطق، سُميت بمناطق “خفض التوتر”، وكانت الغوطة الشرقية من ضمنها، ومع عدم وضوح تفسير المصطلح وحدوده وزمنه بشكل علني، استطاع النظام السيطرة على منطقة القابون وبرزة في الشهر الخامس، على الرغم من وقوعها افتراضًا ضمن مناطق خفض التوتر لمحاذاتها الغوطة الشرقية.
وفرض النظام مصالحة وتسوية جديدة كان من نتائجها تهجير سكان ومقاتلي المنطقة وفصائلها (جبهة النصرة) نحو الشمال السوري، في عمليات بات يطلق عليها عمليات تغيير ديموغرافي.
لكن لسبب ما، لم يفهم ما حصل تجاه هذين الحيين؛ فراوحت التفسيرات بين اتفاق غير معلن (من تحت الطاولة) بين النظام والمعارضة بسبب تواجد جبهة النصرة هناك، وهي التي تعدّ غير مشمولة ضمن اتفاق مناطق خفض التوتر، وبين تفسير عدم التزام النظام وقبوله بما فرض التوقيع عليه في اتفاق مناطق خفض التوتر وخاصة بعد ظهوره مسلوبَ السيادة والإرادة، وأنه قام بالتوقيع على ما اتفقت عليه الدول الضامنة بشكل مذعن.
بعد سقوط برزة والقابون بيد النظام عاشت الغوطة مرحلةً قاسيةً وتخوفًا من مصير مجهول قادم، تجلت في اتهامات متبادلة بين فصائلها عن مسؤوليتهم تجاه سقوط برزة والقابون، وترافق ذلك مع محاولة (جيش الإسلام) استئصال بقايا جبهة النصرة، وعلى الرغم من أن وجودها الأكبر كان في القابون، بسبب ممارستها العمل التجاري عبر الأنفاق هناك، وعلى الرغم من تهجير مقاتليها نحو الشمال، كما ذكرنا إلا أنه تم الاشتغال على تهويل وتعظيم وجودها في الغوطة الشرقية، مع أن وجودها رمزي وتجاري عبر وكالاتها التجارية ومراكز البيع التي انتهت مهمتها، بسقوط الأنفاق والقابون وبرزة.
ولسبب مجهول عُظّم دورُها في الغوطة الشرقية على الرغم من إعلان (جيش الإسلام) القضاء على 80 بالمئة من وجودها، واضمحلال وتشتت 20 بالمئة المتبقية.
هذه الأحداث ترافقت بالطبع مع تجدد الاقتتال بين فصائل الغوطة في تاريخ الاقتتال السابق نفسه من العام المنصرم، وسط تبادل اتهامات تباينت بين منع وصول مؤازرات وتعزيزات لجبهة القابون، وبين محاولة القضاء على (فيلق الرحمن).
كل هذا جرى تحت مرأى ومسمع النظام، دون أن يقوم بأي محاولة أو مبادرة منه لاستغلال الوضع والتقدم نحو الغوطة، وبعد هدوء الاشتباكات بين الطرفين نسبيًا وظهور الخلاف الخليجي-الخليجي، وانعكاساته السلبية على دول المنطقة وعلى فصائل الغوطة الشرقية بالتحديد، ومع تغيير شخصيات هيئة التفاوض وقرب انعقاد أستانا وجنيف، بادر النظام باقتحام الغوطة الشرقية من جميع الجهات، ففي الجهة الشمالية الشرقية حقق تقدمًا ملموسًا؛ ليقف بعدها عند بلدة حوش الضواهرة.
أما على الجهة الغربية الجنوبية، وهي التي تمر بأضعف لحظاتها السياسية على عكس قوتها وجهوزيتها العسكرية الدائمة، ولطالما شكلت هذه الجبهة (جوبر وعين ترما بشكل نسبي) عقدةً عسكريةً للنظام، ظهرت من خلال صمودها القوي أمام عمليات التقدم والمواجهة مع النظام، وقد ساعدت فيه طبيعتها الجغرافية ومعمارية المنطقة الحديثة (جوبر)، وبعد هجوم استمر أربعة أيام متتالية دون تحقيق أي تقدم ملموس، سارع النظام إلى فتح محور هجومي جديد من منطقة عين ترما بالتوازي مع هجومه على جوبر، ظنًا منه أنه يستطيع إحراز تقدم ملموس، بسبب ضعف المعارضة عسكريًا هناك والناتج عن جغرافية المنطقة وضعف سلاح الميكا (الدبابات والمدرعات وناقلات الجند) ومضادات الدروع (م. د) لدى كيانات المعارضة في الغوطة الشرقية، إلى جانب تفوقه الكمي والنوعي وسرعة تنقله بين الجبهات وسهولة وفاعلية استخدامه لسلاح الميكا والطيران.
مع كل ما سبق لم يستطع النظام تحقيق تقدم ملموس، بل سارعت فصائل الغوطة إلى إرسال رسائل قوية، عبر صمودها ومبادرتها الهجوم أحيانًا وعبر بثها صورًا تظهر امتلاكها للأسلحة المضادة للدروع (صواريخ الميتس) ولسلاح الدبابات، وأكدت مواقع الفصائل الرسمية استخدامهما في معارك وادي عين ترما، ذي الطبيعة الزراعية والمساحات الجغرافية الواسعة؛ مما يعني فشل توقعات النظام على هذه الجبهة أيضًا.
هذه الرسائل المرسلة من المعارضة لا يمكن قراءة هدفها إلى الآن. هل هو محاولة منها لإظهار قوتها ومدى استعدادها لمواجهة أي خيار يقدم عليه النظام، أم هو بوادر خط أحمر أميركي تجاه هذه المنطقة، وهو ما نبهت إليه بداية التقرير بأنه خطوط حمراء ظنية.
وإلى حين وضوح الرؤيا لاحقًا حسب تطور الاحداث، يبقى المطلوب من فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية الاستمرار في الصمود والتصدي لهجمات النظام حتى حين عقد أقرب موعد اجتماع دولي (أستانا أو جنيف) ليتضح ما هو موقع الغوطة في أي تسوية، وكيف تنظر الدول المعنية إلى وجود المعارضة فيها، بخاصة بعد أن بقيت المنطقة الوحيدة، داخليًا حول العاصمة، التي تمتلك وجودًا سياسيًا وعسكريًا قويًا نوعًا ما.
ولتتكشف ماهية النوايا المستقبلية للدول الضالعة في الثورة السورية مع ظهور اصطفافين دوليين متباينين، وتصريحات متضادة ضمنية بينهم إلى جانب اتساع الخلاف ورسائل المواجهة غير المباشرة بينهم.
[sociallocker] [/sociallocker]