قِيم النظام تطفو في دراما رمضان
30 يونيو، 2017
جيرون
انتهى موسم النظام الدرامي مع مرور عيد الفطر، ولملم “نجومه” نهاية دفعات أجورهم واستراحوا، بل انتقل بعضهم إلى دول أخرى ليستجم، بعد عناء وجهد “إبداعي”، رصد خلاله دموعَ وأنات شعبه، وما جلبته آلة حرب النظام من نكبات للبيوت السورية وأصحابها الذين جعلوا هؤلاء نجومًا، لهم هيبتهم الفاخرة، كما ظهروا في مسلسل (الهيبة).
مسلسلات مختلفة قدمتها شركات نظام الأسد المحلية، إضافةً إلى ما أنتجته بعض الشركات العربية، وتنوعت بين الكوميدي والفنتازيا والبيئة الشامية، كذلك بعض الأعمال الاجتماعية التي تركزت تركّزًا رئيسًا حول الزواج، ومشكلاته ويوميات المتزوجين، بينما ذهبت مسلسلات البيئة الشامية باتجاه الهروب من الواقع نحو مجتمع افتراضي، ليلقي مشكلاته على المستعمرين، ويخرج من شراويل الممثلين وشواربهم ونظراتهم الثاقبة أبطاله الوهميين الذين دحروا الأعداء.
الوسط الفني السوري الحالي ليس ابتكارًا ظهر بلا أسس، أو فطرًا أنبتته الأحداث بلا جذور، بل هو نتاج عقود من العمل المستمر؛ لإفراغ المجتمع السوري من طاقاته الإبداعية، وتسميم عادات الناس وتقاليدها وذوقها العام، وبناها الثقافية والأخلاقية، لإظهار نوع من “الفن” أو “الإبداع”، يتناسب مع كافة المصطلحات التي يرغب النظام في نشرها، مثل الأنانية، وتكريس الفردية في حل المشكلات، وعدم الاكتراث لمشاعر الآخر، والقفز فوق القوانين والنظام العام، وترسيخ مفهوم المسؤول الفاسد والمرتشي الذي تعودت عليه الناس في كل مكان كي لا تتفاجأ به، ورفع منسوب “الردح” النسائي على الشاشة الذي يساعد في تهديم بنية الأسرة، وجعل الشهادات الجامعية مسألة تافهة، مع أزمة البحث عن عمل بالاختصاص، وربط حالة قبول الرشوة بحالة الفقر والجهل، وما إلى ذلك من صفات وعادات، تجعل من اليسر قبول المجتمع لكافة الأفكار، التي تساعد النظام على تثبيت أي واقع يلائمه.
يقول الشاب السوري سامي لـ (جيرون)، إنه لم يستطع إكمال متابعة أي مسلسل، فقد تابع حلقات قليلة من بعضها، لكن ما لفت نظره هو “محاولة تقديم رجال العصابات على أنهم جيدون، وكيف يمكن أن يكونوا خيّرين”، كما حاولت بعض الأعمال تمرير مقولة “أنه من المثير الإفلات من القانون”، وبذكاء البطل ودهائه “يستطيع غش رجال القانون والإفلات من أي ملاحقة، وليس العكس”. ويرى سامي أن بعض التصرفات سيكون لها أثرها في الأطفال والمراهقين، باكتساب سلوك مغرٍ من تحدي المفاهيم والقوانين مهما كانت، حتى قوانين الأسرة المتعارف عليها”، بحيث قدمت بعض الأعمال “نموذجًا سيئًا للبطل الذي يقود القصة”.
من الملاحظ أن هذا التعامل غير المسؤول من قِبل المشرفين على الأعمال الفنية، وعدم مراعاتهم -ككل دول العالم- لمتطلبات التربية الأسرية النموذجية؛ قاد على سبيل المثال إلى جريمة بشعة في منطقة الهامة في العاصمة دمشق، حيث قضى الطفل محمد وسيم قباني، وهو من مواليد 2005، بعد أن شنق نفسه.
وذكرت صفحات إخبارية موالية للنظام أن الطفل قباني أقدم على لفّ حبلٍ حول عنقه، وشنق نفسه مقلدًا شخصية (النمس) ومحاكيًا فعلَه، في مسلسل (باب الحارة). ونقلت الصفحات عن شرطة المزة، أنه “بتاريخ 21 حزيران/ يونيو، أُدخل الطفل إلى مشفى الرازي، وهو في حال غياب عن الوعي”، وتوفي بعدئذ بساعات، وصرّح الأخ الأكبر للطفل أنه وأخاه كانا أمام المنزل، حين قال أخوه وسيم له: “سوف أشنق نفسي كالنمس، وأعود للحياة”، ولكن الأخ الأكبر منعه، وأضاف أنه بعد دخوله لإحضار الماء من المنزل، وجد شقيقَه وسيمًا “قد لف سلك هاتف متدلٍّ من أمام المنزل، وقد شنق نفسه”.
من المرجح أن رغبة النظام، في إظهار أن الناس تعيش حياتها الطبيعية، هي وراء هذا الإنتاج الكثيف للدراما وتنوعها، والهروب من طرح أي شيء مهم يلامس الواقع، وإن إقدام هذا الطفل على شنق نفسه -مع الأسف- إنما هو صورة مصغرة عن محاولة قتل مجتمع كامل، من خلال التعدي على وعيه وسلبه إرادته. ويستغل النظام الدراما كسلاحٍ إلى أبعد مدى، لأنها تدخل كل بيت بلا استئذان، ليمارس تزييف الوعي، بعيدًا عن أي إنتاج فني حقيقي.
[sociallocker] [/sociallocker]