لبنان الدولة الرهينة واللاجئين السوريين

5 يوليو، 2017

مشعل العدوي

ما قام به الجيش اللبناني الرسمي، في مخيمات عرسال، كان جريمةً ضد الإنسانية، ترقى لجرائم الحرب، من حيث الشكل والمضمون، لكن الأمر الأكثر خطورةً، في ما حصل في عرسال، هو الادعاء بوجود إرهابيين في المخيمات، بل وصم اللاجئين بأنهم إرهابيون، وذلك في سياق تبرير الجريمة التي ارتكبها الجيش ضد المدنيين العُزل الذين لا حول لهم ولا قوة.

إن الادعاء بوجود أربعة إرهابيين، قاموا بتفجير أنفسهم هو محض زعم كاذب، حاولت ماكينة الإعلام اللبنانية الرسمية وغير الرسمية تأكيده بشتى السُبل، إلا أن الواقع كان أقوى، فكيف يمكن لأربعة انتحاريين أن يُفجّروا أنفسهم دون أن يذهب أي ضحية من الجيش اللبناني الذي يُفترض أنه الخصم؟ هل كان هؤلاء الانتحاريون مجرد هواة في الإرهاب؟ ولماذا ينتظر هؤلاء (الإرهابيون) في المخيم منذ شهور طويلة، ولم يذهبوا ليفجروا أنفسهم في أماكن تواجد (حزب الله)، سواء في الضاحية أو الداخل السوري؟ هل هم مختصون بالتفجير العائلي فقط؟ أي أنهم مدربون لتفجير أنفسهم بعائلاتهم؟

الجندي اللبناني الوحيد الذي أصيب، في هذا الهجوم السافر، كان بسبب تهوّر منه، حيث كان متقدمًا على زملائه، حين رمى أحدهم قنبلةً يدوية تجاه المخيم، فأصيب الجندي اللبناني بشظايا قنبلة زميله، أما القتلى الأربعة من طرف اللاجئين، فقد قضوا نتيجة القنابل اليدوية التي رماها عناصر الجيش اللبناني، بداية اقتحامه المخيم، بهدف بث الخوف والذعر في قلوب اللاجئين، فمن خلال عشرات الصور التي انتشرت، شاهدنا صورةً لجندي لبناني يضع قدمه ويركل مدنيًا ممددًا على الأرض، وهو مبتور القدم اليسار من فوق الركبة، وشاهدنا رجالًا مسنين تجاوزوا السبعين من العُمر، ونساءً شبه عاريات، وتم في نهاية الاقتحام البربري اعتقال أربعمئة رجل، قُتل منهم تحت التعذيب أربعة على الأقل، ومن المرجح أن يتم تسليم الشباب منهم للنظام في دمشق، ليصار إلى سوقهم إلى الجبهات، حيث الموت المجاني.

من اللافت، في هذه القضية، أن الطبقة السياسية في لبنان انقسمت إلى قسمين: القسم الغالب هو المؤيد لعملية الجيش، والقسم الآخر المتآمر بصمته على الجريمة، وكذلك المؤسسات الدينية في لبنان، إذ كان المجلس الشيعي الأعلى سباقًا إلى المباركة للجيش اللبناني بهذه البطولة، وتبعه (حزب الله)، بينما باقي المؤسسات الدينية غلّفت نفسها بطبقة سميكة من الصمت المعيب.

لم يجرؤ سياسي واحد، من أي فريق كان، أن يُعلن للجميع أن الحل أبسط من أن نقتل الأبرياء في سبيل الضغط عليهم لمغادرة لبنان، والحل هو خروج ميليشيات (حزب الله) من سورية، وتحديدًا من القصير والقلمون، ليستطيع اللاجئون العودة إلى منازلهم، وبعدها ليعزز الجيش اللبناني الحراسة على حدوده منعًا من دخول اللاجئين، تجاه لبنان ومنع ميليشيات (حزب الله) من التوجه إلى سورية، إذ لا يمكن أن نقبل بلعبة الدولة الرسمية والدولة اللا رسمية في لبنان، ففي حين تكرر الدولة اللبنانية مقولة النأي بالنفس، عما يجري في سورية، تسمح لميليشيات (حزب الله) بالذهاب بالعتاد الكامل، لقتل الشعب السوري وتهجيره تحت أنظار وسمع دولة لبنان الرسمية، وهذا أمر لا نجد له تفسيرًا، إلا إذا كانت حكومة لبنان لا تعدّ (حزب الله) فريقًا لبنانيًا، وله وزراء في الحكومة ونواب في البرلمان اللبناني، ولكي تكتمل المؤامرة ضد هؤلاء المساكين في المخيمات، لم نسمع تصريحًا واحدًا من حكومة الأمر الواقع في دمشق، تُندد بقتل المهجّرين المدنيين أو تطالب بحمايتهم.

من الواضح أن كل زعيم “مافيا” بلبنان قد قبل بحصته من لبنان الغنيمة، والجميع مرتهن لرضا (حزب الله) الذي أخذ الدولة اللبنانية كاملةً كرهينة، ووضعها في عهدة الولي الفقيه، وبذلك أصبح هو الدولة، وباتت لبنان شبه دولة.

على خجل، طالب وليد جنبلاط، في “تغريدة” له، بوجوب التفريق بين الإرهابيين واللاجئين، لكنه سارع إلى حذفها بعد دقائق تحت الضغط، أما المذيع نديم قطيش فقد رفضَ، في مقابلة متلفزة له، مجردَ النقاش بالطريقة التي لجأ إليها الجيش والعنف غير المبرر في هجومه على المخيم، وقال: “لا خطوط حُمر في وجه الجيش اللبناني”، مؤكدًا المزاعم الكاذبة بقصة وجود أربعة انتحاريين قاموا بتفجير أنفسهم.

إن ما قامت به الدولة الرسمية اللبنانية، بموافقة وتأييد أو صمت جميع الأحزاب اللبنانية، لا يمكن وصفه في خانة محاربة الإرهاب أو الحفاظ على لبنان، وإنما يصبّ كليًا في خانة بناء جدران من الحقد والكراهية، بين الشعبين اللبناني والسوري، وهذه الجدران سيكون لها عقابيل لا تُحمد في المستقبل بين الدولتين والشعبين، ولا سيما أن صفحات التواصل الاجتماعي قد غصّت، في لبنان، بسيل من التعليقات العنصرية المملوءة بالحقد والكراهية، وصل بعضها إلى حد مطالبة الجيش اللبناني بإحراق المخيمات بمن فيها.

وجد ساسة لبنان في الساحة السورية مهربًا لهم من أزمات بلادهم السياسية والاقتصادية والمافيوية المستدامة، ولكن هذا الهروب اليوم سينعكس على لبنان غدًا، حين يكون (حزب الله) مضطرًا للخروج من سورية، لتصبح المواجهات السياسية، وربما العسكرية، على أشدها في لبنان، وسيدفع الصامتون اليومَ الثمن مضاعفًا، إذ إنهم جميعًا صمتوا عن تدخل (حزب الله) السافر في سورية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]