الغوطة الشرقية بين الماضي والحاضر

10 يوليو، 2017

بلال الخربوطلي

تقع الغوطة الشرقية جنوب سورية، حيث يحدها من الجنوب والشرق العاصمة دمشق، ومن الشمال جبال القلمون، ومن الشرق البادية السورية. وتشتهر بالزراعة وبتربية المواشي وبالحرف اليدوية، وهي ذات تربة خصبة وطقس معتدل وجو نقي.

مع بداية انطلاق الثورة السورية، اندلعت فيها التظاهرات السلمية، وطالبت -كغيرها من المناطق الثائرة- بحقوق السوريين المسلوبة من الحرية والعدالة والكرامة؛ فواجهها نظام الأسد بالحديد والنار، وخرّب بيئتها، وعمل على قتل شعبها وتدمير أبنيتها واعتقال أبنائها وتهجير أهلها.

في بداية عام 2013، فرض نظام الأسد عليها حصارًا مطبقًا، كغيرها من المناطق الثائرة؛ بهدف إخضاع أهلها وإجبارهم على الاستسلام ضمن سياسة “الجوع أو الركوع”، إضافة إلى القصف اليومي الممنهج والعمليات العسكرية المستمرة، من قِبل نظام الأسد وميليشياته الأجنبية بحق مدنها وقراها.

وفقًا لتقارير إنسانية لدى المؤسسات والمنظمات الفاعلة في الغوطة، تعيش الغوطة الشرقية أوضاعًا معيشية غاية في الصعوبة، من فقدان متطلبات الحياة اليومية، وانهيار شبه تام لمكونات البنية التحتية، ووفقًا لتلك التقارير فإن الغوطة الشرقية محرومة من الكهرباء منذ ما يقارب خمس سنوات؛ الأمر الذي دفع أهلها إلى إيجاد بدائل مكلفة للغاية وغير مضمونة لتوليد الكهرباء، أيضًا تعاني بلدات ومدن الغوطة من انقطاع مياه الشرب، يضاف إلى ذلك عدم توفر مادة الخبز والطحين، وأدّى الشح الكبير في المواد الغذائية إلى غلاء فاحش ونقص كبير من الأدوية والكوادر والمستلزمات الطبية مثل (السيروم، أدوية التخدير، صفائح الدم، اللقاحات، المضادات الحيوية)، أما من حيث التعليم فقد واجه النظام التعليمي المأساةَ ذاتها نظرًا إلى الاستهداف المباشر للمدارس والمؤسسات التعليمية، وعدم توفر الكتب والمناهج بشكل جيد، إضافة إلى صعوبة في توفير لوازم الطلاب، وعدم توفر بيئة آمنة لمزاولة العملية التعليمة.

أما الزراعة، وهي التي اعتمد عليها أهالي الغوطة اعتمادًا أساسًا في ظل الحصار المطبق، فإنها تعاني معاناة كبيرة من شح المياه والمستلزمات الأساسية لها نتيجة الحصار. إضافة إلى خسارة الغوطة الشرقية سلّتها الغذائية من الأراضي، وكان أهالي الغوطة يعتمدون عليها اعتمادًا رئيسًا لتوفير مادة القمح والخضَر والثمار، وتقدر مساحة تلك الأراضي بنحو 23 ألف دونم، وكان نظام الأسد قد سيطر عليها، ومن أهمها مناطق وبلدات القطاع الجنوبي والمرج.

في ما يتعلق بالوضع السكاني والإنساني، أكدت تلك التقارير انخفاض عدد السكان مقارنة بإحصائية 2011 إلى نحو 385 ألف نسمة، أي بنسبة تعادل 49 بالمئة، وكان هذا الانخفاض نتيجة الحصار وسياسة القتل والتشريد الذي مارسه نظام الأسد بحق أهلها، وبالنسبة إلى النزوح والتهجير، فقد شهدت مدن الغوطة وبلداتها عددًا كبيرًا من حركات النزوح الداخلي لعدد كبير من سكانها؛ نتيجة سيطرة نظام الأسد على قراهم ومدنهم خاصة قرى وبلدات القطاع الجنوبي وقطاع المرج الذي سيطر جيش النظام على معظمه؛ الأمر الذي أدى إلى نزوح كافة تلك العوائل باتجاه مدن القطاع الأوسط وقطاع دوما، وتعاني تلك العائلات حتى اليوم من صعوبة في توفير المستلزمات اليومية من الغذاء والمواد الأساسية إضافة إلى صعوبة في توفير المسكن المناسب، بسبب الدمار الذي لحق منازل الغوطة. وبحسب التقارير، فإن عدد العائلات التي نزحت من مدنها قد تجاوز 19 ألف عائلة.

بالنسبة إلى الشهداء الذين سقطوا نتيجة للقصف الذي تعرضت له مدن الغوطة الشرقية بشتى أنواع الأسلحة والطائرات الحربية، فضلًا عن استهداف الغوطة الشرقية بغاز السارين السام، في تاريخ 21 آب/ أغسطس 2013 وقد أدى إلى مقتل نحو 1400 شخص، فقد بلغ عدد الشهداء الإجمالي في الغوطة الشرقية ما يقارب 20 ألف شهيد، منهم 16 ألف رجل و1300 امرأة ونحو 3000 طفل. هذا العدد الكبير من الشهداء خلّف وراءه 9500 يتيم بحاجة مستمرة إلى الرعاية بمختلف أنواعها الصحية والغذائية والتعليمية، وبلغ عدد المعتقلين من أبناء الغوطة الشرقية، في سجون ومعتقلات نظام الأسد، نحو 5500 معتقل بين رجال ونساء وأطفال.

كل ما سبق، من كوارث ومآس، يصور المعاناة اليومية التي يعيشها أهالي الغوطة الشرقية، مع استمرار نظام الأسد وحلفائه بفرض سياسة الحصار على أهلها، واستمرار العمليات العسكرية بحقهم، بالتزامن مع القصف الممنهج الذي يجعل من الغوطة الشرقية منطقةً منكوبة بكل المعايير الدولية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]