اتفاق الجنوب يحقّق أهداف الدول الراعية .. والسوريون ينتظرون
11 يوليو، 2017
دخل اتفاق وقف إطلاق النار في جنوبي سوريا حيز التنفيذ ظهر يوم الأحد، لتكون تلك المنطقة الأولى التي يطبق فيها “اتفاق تخفيض التصعيد” من ضمن المناطق الأربعة التي تم التوافق عليها خلال مؤتمر أستانا في الخامس من شهر أيار الماضي.
وكان اللافت أن التوافق على تفاصيل الاتفاق في هذه المنطقة لم يتم في أستانا كما كان يفترض، بل جرى وفق مسار منفصل، وكان ثمرة مفاوضات مباشرة بين خبراء أمريكيين وروس في العاصمة الأردنية عمان، بدأت منذ منتصف شهر أيار وتواصلت حتى مطلع الشهر الجاري بمشاركة مباشرة من الأردن وغير مباشرة من إسرائيل، ليكون الاتفاق بالنتيجة معبراً عن مصالح وأهداف الدول الأربع، أكثر مما هو عن مصالح السوريين أو المنطقة الجنوبية، وعموم سوريا.
وجاء الإعلان عن الاتفاق خلال قمة العشرين في هامبورغ في ألمانيا حيث اتفق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب على وقف لإطلاق النار جنوبي سوريا، وتعهدت الولايات المتحدة بالتزام فصائل المعارضة في المنطقة بالاتفاق، على أن تقوم الشرطة العسكرية الروسية بحفظ الأمن في محيط مناطق خفض التوتر، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والأردن.
وجاءت هذه التطورات بعد ساعات من إعلان قوات النظام تمديد وقف الأعمال القتالية في المنطقة الجنوبية، وذلك في الوقت الذي واصلت فيه استهداف المناطق المحررة في درعا، وسط استقدام تعزيزات عسكرية إضافية.
تفاصيل
وحسب المعطيات المتوفرة حول الاتفاق، فان مراقبة تنفيذه ستكون من خلال صور عبر الأقمار الصناعية وطائرات من دون طيار، وكذلك مراقبين على الأرض. وستنشر روسيا عناصر من الشرطة العسكرية في المنطقة.
ووفقاً لمسؤولين أمريكيين فإن “الأردن وإسرائيل هما جزء من هذا الاتفاق وبسبب حدودهما المشتركة مع سوريا، فهما قلقتان من امتداد آثار القتال هناك عبر الحدود”.
ويرى هؤلاء أن اتفاق وقف إطلاق النار الجديد منفصل عن “مناطق خفض التوتر” في سوريا، التي تسعى روسيا وتركيا وإيران إلى تحقيقه، علماً أن الولايات المتحدة لم تشارك في المحادثات المتصلة بتلك المناطق التي أخفقت الدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق بشأنها خلال اجتماعاتها الأخيرة في العاصمة الكازاخية أستانا في الرابع والخامس من الشهر الجاري، وتبادلت الدول الثلاث المعنية الاتهامات حول أسباب الإخفاق، خصوصاً فيما يتعلق بمنطقة خفض التوتر في محافظة إدلب.
وبحسب المصادر الأمريكية فان الاتفاق يتضمن تفاصيل أمنية وعسكرية وسياسية تتعلق بتقاسم النفوذ وأمن الحدود، وهو مبني على ركيزتين: الأولى بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في السلطة، والثانية إبعاد إيران وميليشياتها من المناطق الحدودية، ويشمل العمل مع موسكو إنشاء مناطق آمنة.
وتشير هذه المصادر إلى أن هزيمة تنظيم “داعش” تشكل الأولوية القصوى لواشنطن وأن التعاون مع روسيا يهدف إلى “توزيع النفوذ في مناطق سيطرة داعش بعد هزيمته”.
من جهته، قال مسؤول أردني لم يكشف عن هويته، إن المجتمع الدولي والقوى الإقليمية والأردن لن يتسامحوا مع إقامة “خط يربط الطريق من طهران إلى بيروت”، وأضاف أن “مثل هذا الهلال الشيعي سيعطل التوازن الإقليمي ويعتبر خطاً أحمر كبيراً”، وفق تعبيره، وتابع المسؤول الأردني أن “نجاح الهدنة قد يمهد الطريق لإجراء محادثات حول استعادة النظام السوري السيطرة على المعابر الحدودية مع الأردن، والتي فقدها أمام المعارضة خلال الحرب”، حسب وصفه.
بدوره، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى أن الاتفاق يتضمن “تأمين وصول المساعدات الإنسانية، وإقامة اتصالات بين المعارضة في المنطقة، ومركز مراقبة يجري إنشاؤه في العاصمة الأردنية”، فيما نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية قوله إن وقف إطلاق النار في جنوبي سوريا يعد “خطوة أولى” نحو ترتيب أكبر، وأضاف أن مزيداً من المناقشات ستحدد جوانب حاسمة في الهدنة ومن سيتولى مراقبتها.
وقال وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد المومني، أنه “وفقاً للترتيبات التي تم التوصل إليها في عمان، سيتم وقف إطلاق النار على طول خطوط تماس اتفقت عليها قوات الحكومة السورية والقوات المرتبطة بها من جانب، وقوات المعارضة السورية المسلحة”، وأوضح المومني، أن “الأطراف الثلاثة اتفقت على أن يكون وقف النار هذا خطوة باتجاه الوصول إلى خفض دائم للتصعيد في جنوبي سوريا ينهي الأعمال العدائية ويعيد الاستقرار ويسمح بوصول المساعدات الإنسانية وعودة اللاجئين إلى هذه المنطقة المحورية في سوريا”، وخلص إلى أن “الدول الثلاث أكدت أن هذه الترتيبات ستسهم في إيجاد البيئة الكفيلة بالتوصل إلى حل سياسي دائم للأزمة” حسب وصفه، كما أكد التزام الأردن العمل على حل سياسي عبر مسار جنيف وعلى أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وبما يضمن وحدة سوريا واستقلالها وسيادتها.
بدوره رحّب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بالاتفاق قائلاً “إنه المؤشر الأوّل إلى أنّ الولايات المتحدة وروسيا قادرتان على العمل معاً في ما يتعلق بسوريا”.
لكن دبلوماسياً أميركياً كبيراً في وزارة الخارجية أقرّ بأنّ الولايات المتحدة تبقى “متواضعة” و”واقعية” في أهدافها، نظراً إلى فشل عمليات وقف إطلاق النار السابقة التي تفاوضت واشنطن وموسكو في شأنها، وأقرّ أيضاً بأنّ “سياق العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا صعب”، لكن “لدينا شعور ولديهم شعور بأنه إذا أردنا حلاً للنزاع السوري، فيجب علينا أن نكون منخرطَين معاً”.
انقسام
من جهته أكد الوفد العسكري الذي يمثل المعارضة في مفاوضات أستانا، في بيان، أن “عقد اتفاق منفرد في جنوبي سوريا بمعزل عن الشمال يمثل سابقةً تقسّم سوريا، ويكرّس القبول بالوجود الإيراني فيما بعد بالمناطق العازلة المحددة بـ40 كيلومتراً والمتاخمة للحدود السورية مع فلسطين المحتلة والأردن”، وفق ما جاء في البيان.
وأعرب الوفد عن قلقه من الاجتماعات السرية التي عقدتها “الجبهة الجنوبية” مع الدول المذكورة في الأردن، لأنها تفضي إلى فصل الجنوب عن الشمال للمرة الأولى كما أنها تقسم سوريا.
وأوضح البيان أن الاتفاق الذي عقدته “الجبهة الجنوبية” يقبل بالوجود الإيراني فيما بعد المنطقة العازلة المقدرة بـ40كم على الحدود السورية- الأردنية، والسورية-الفلسطينية، إضافة إلى فتح معبر نصيب أو معبر آخر في محافظة السويداء لقوات النظام السوري، مجدِّداً رفض المعارضة قبول إيران كدولة راعية للاتفاق، بسبب “مشروعها الطائفي القائم على التغيير الديمغرافي”.
غير أن فصائل الجبهة الجنوبية التابعة للمعارضة السورية أصدرت بياناً أوضحت فيه موقفها من مؤتمر أستانا5، واستنكرت قيام فصائل من المعارضة شاركت بالمؤتمر، بإصدار بيان يتكلم باسم جميع الفصائل، بما فيها الجبهة الجنوبية.
وقال البيان إن اجتماع أستانا5 لم يصدر عنه أي اتفاق أو إنجاز يحقق أي تخفيف تصعيد، ما يعني فشله، ورداً على اتهامات لها بأنها قاطعت مؤتمر أستانا بناءً على طلب أمريكي- أردني ، قالت الجبهة الجنوبية إنها لم تشارك في المؤتمر نتيجة قرار داخلي صادر عن الفصائل “التي تدافع عن أرض سوريا”.
مخاوف
يعزز الاتفاق الجديد مخاوف السوريين من اتجاه المجتمع الدولي نحو تقسيم بلادهم، أو تحويلها إلى مناطق نفوذ إقليمية ودولية، مع الإبقاء على بشار الأسد في السلطة لتكريس هذا الواقع في ظل انسداد آفاق حل سياسي قريب، وقد حققت أطراف الصراع ما تريده من هذا الاتفاق باستثناء إيران، والتي تسعى لتكريس وجودها في دمشق ومحيطها وحمص وريفها.
وبينما حقق كل من الأردن وإسرائيل مطالبهما بإبعاد ايران وميليشياتها عن حدودهما، وتهيئة الظروف للبدء بعودة اللاجئين من الأردن إلى سوريا، حققت روسيا أيضاً ما سعت إليه طويلاً وهو التعاون الأمني والعسكري مع واشنطن في سوريا، كما كرست نفسها لاعباً رئيسًا في الملف السوري يمكن أن تتعاون معه المعارضة السورية التي ترفض بالمطلق أي وجود إيراني في سوريا.
ويأتي نشر شرطة عسكرية روسية جنوبي سوريا وفق الاتفاق، ليؤكد أن الوجود الروسي بات مترسخاً جداً وبرضى أميركي، إذ من الواضح أن واشنطن اقتنعت أخيراً أن موسكو خلقت وقائع لا يمكن تجاوزها في سوريا طيلة سنوات الصراع.
كذلك جاء الاتفاق كخطوة متقدمة لواشنطن في طريق تقليص النفوذ الإيراني على مراحل في سوريا، كما أتى ليؤكد أن أي حلول في سوريا لا تمر من دون موافقتها، خاصةً أن الاتفاق جاء بعيداً عن مسار أستانا الذي أرادت روسيا أن يكون مدخلاً لتكريس إرادتها في سوريا، وتم الاتفاق الروسي-الأميركي-الأردني بمعزل كامل عن النظام والمعارضة، وهو ما يشير إلى أن سوريا باتت “دولة فاشلة” يتحكم بمصيرها الآخرون.
تشريع لاحتلالين
من جانبه اعتبر عضو وفد الثورة العسكري إلى أستانا، أيمن العاسمي، أن هدف الولايات المتحدة من الاتفاق “إبعاد الصراع عن حليفي واشنطن في المنطقة وهما الأردن وإسرائيل”، مشيراً إلى أن الاتفاق “يكرس الخلاف داخل المعارضة السورية”، وأضاف أن الأمر يتعلق بالسعي لـ”خلق فجوة بين المعارضة في الشمال والجنوب”،لافتاً إلى أن اتفاق موسكو وواشنطن “فيه تشريع للاحتلالين الروسي والإيراني لسوريا، ومحاولة لتقسيمها من أجل ترسيخ نظام بشار الأسد لضمان المصالح الروسية والإيرانية فيها”.
وجاء تطبيق الاتفاق قبل أيام من بدء جولة جديدة من المفاوضات في جنيف، وهي مفاوضات بات من الواضح أنه يتم إخضاعها قسراً للمعطيات المتوالية على الأرض وآخرها اتفاق المنطقة الجنوبية، برغم كل الادعاءات بأن هذه الاتفاقات مؤقتة ومرحلية، وأن هدفها المساعدة على عقد مباحثات جنيف في ظروف هادئة.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]