مهن صنعتها الحرب… النادلات المهجّرات ينعشن المقاهي والكافتريات

17 سبتمبر، 2015

ميكروسيريا

سمر وروضة وتنسيم نادلات في حي ساروجة وسط دمشق يستقبلن الزبائن ويطلبن منهم الجلوس على الطاولات الموزعة في الشارع الذي تحول مع عصر الانفتاح إلى مقهى كبير، بعدما كان مجموعة من البيوت القديمة التي تم استثمارها فيما بعد الانفتاح لتصير من أكثر الأماكن التي يرتادها الشباب وتقدم لهم الأركيلة والشاي والمشروبات الساخنة والباردة، وملتقى لجيل يتابع كأس العالم والأندية الأوربية في الشارع، ويتحدث عن العولمة والثورة والحريات.

المطاعم التي تقدم الفول والصحون الشامية الشهيرة كالفتة والمسبحة استخدمت أيضاً الفتيات في تقديم الطلبات للزبائن العابرين لساروجة إلى شارع الثورة وبالعكس ومبنى المحافظة وبالعكس، وهذه ميزة من ميزات الشارع الموزع على بقية جهات العاصمة، وأخذ سمعته من المقام الموجود فيه منذ عقود ليتحول شارع المزار المقدس لصاحب الخطوة إلى مقصد شباب الجامعة والباحثين عن جلسة هادئة لا تخلو من الفتيات اللواتي يزدحمن هنا.

الكافتريات المنتشرة جداً وتبدو كأنها الوحيدة التي تعمل بعد أن تحطمت أغلب المهن بسبب الغلاء وهجرة اصحابها والحصار المضروب على الاستيراد والتصدير، وعدم توفر المواد الخام وقطع تبديل وإصلاح المنتجات المحلية والمستوردة، وتبدو مهنة كهذه لا تحتاج إلا لبعض الجمال والقدرة على مخاطبة الزبائن والابتسامة المجانية، وبعض الفتيات يضفن إليها الميوعة والغنج.

في مقهى (س) سالت النادلة من اي أنت ..؟، أشارت بيدها إلى نادلتين برفقتها وعددت الأسماء ثم قالت أنا من حمص وهذه من عين ترما وهذه من ريف حلب، وكلنا مهجرات و(آكلين هوا)، ونعيش مع أسرنا التي لا تملك إيجار البيت باستثناء الحلبية، أهلها بحلب وهي تعيش في بيت خالتها وترسل لأهلها المصروف.

النادلة التي تبدو متكلمة قالت لي: حتى لا تظن بك الظنون أنا بنت عائلة محترمة ولكن تهدم بيتنا ومات أبي في المعتقل، وتركت جامعتي في السنة الثانية، وحالياً ليس عندي خيارات في إعالة العائلة، وأتمنى أن أجمع بعض المال لأسافر وأعمل في تركيا، ومن ثم سأهاجر إلى أي دولة أوربية، وبعدها من الممكن أن أفكر بمستقبلي العلمي، وهذه الحرب أجبرتنا كل حسب وضعه وظرفه على العمل، وما نتعرض له من الزبائن الذكور أمر مشين، ولكن هناك كثيرون يدافعون عنا ويقدرون عملنا وظروفنا.

بعد هروب أغلب الشباب إما من الاحتياط أو الخدمة العسكرية أو باتجاه الحلم الأوروبي اضطرت الفتيات أيضاً غلى القبول بالعمل أياً كان في ظل الحاجة وغياب المعيل، وتؤكد احداهن أنها تعرضت للتحرش أثناء دورانها بين الطاولات، ولكنها مضطرة للصمت وابتلاع الاهانات والنظرات ريثما تحل أوضاع البلاد وتحسم المعركة فقد تعب الناس، ولكنها تختتم حديثها كأغلب السوريين الموجودين بمناطق النظام المجرم… (يفرجها الله).

أخبار سوريا ميكرو سيريا