مديح الهجرة

20 سبتمبر، 2015

عثمان النمر

لانقسام الأوروبي الحاد حول اللاجئين والمهاجرين يعكس الدوافع الحقيقية وراء قبول أو رفض هؤلاء الوافدين، فبينما ينظر البعض إلى المهاجرين كنعمة بحساب المنافع في المستقبل، ينظر آخرون إلى هؤلاء بعداء انطلاقاً من أسباب وطنية ودينية وديمغرافية سياسية وعنصرية.

روحية الاتحاد الأوروبي تفتح الباب على مصراعيه أمام الهجرة الداخلية بين دول الاتحاد، ولكن هذه الهجرة باتجاه واحد، من الشرق الحديث الانضمام إلى الاتحاد، إلى غربه المؤسس. حتى هذه الهجرة في إطار النادي الأوروبي المسيحي يعترض عليها بعض الدول الأوروبية لأسباب وطنية واقتصادية في مخالفة صريحة لمبادئ الوحدة الأوروبية نفسها. وكانت بريطانيا من أعلى الدول صوتاً في هذا الخصوص، وهددت بالخروج من الاتحاد إذا لم يحترم حقها في تقييد هذه الهجرة ذات الطبيعة الاقتصادية.
في سياق الرفض نفسه تؤجج الأحزاب الشعبوية في فرنسا وهولندا كراهية حرية تنقل العمالة داخل الاتحاد الأوروبي من الشرق إلى الغرب، ومن خارج القارة إلى داخلها باعتبار أن تدفق المهاجرين سيؤثر في العمالة الوطنية بسرقة وظائفها وخفض الأجور ومستويات المعيشة ورفع معدلات الجريمة وتهديد الهوية الدينية والوطنية والقومية.
بيد أن الهجرة التي قوامها مهاجرون اقتصاديون ولاجئون سياسيون هاربون من دول موبوءة بالحرب الأهلية والاضطهاد، ليست شراً محضاً من زاوية أخرى. فأوروبيا الغربية تحتاج بشدة إلى المزيد من العمالة المدربة المهاجرة كماً ونوعاً في ظل شيخوخة المجتمعات الأوروبية.
السبيل الوحيد في المدى القريب للتغلب على مشكلة نقص العمالة في الدول الغربية هو رفع سن التقاعد للرجال والنساء، وتدوير المهاجرين المقيمين بطريقة فعالة لسد النقص، لكن المشكلة تبقى قائمة على الأمداء المتوسطة والبعيدة، وهي الحاجة إلى عدد أكبر من العمالة الماهرة من خارج دول القارة نفسها.
الاتحاد الأوروبي بحسابات الواقع يدرك أهمية الهجرة في زيادة قوة أوروبا وتعزيزها. فقد ساعدت الهجرة في نمو القارة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ودراسات الاتحاد أكدت أن العديد من الدول الأعضاء تواجه نقصاً في العمالة والمهارات في القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وقدرت انخفاض عدد الأوروبيين في سن العمل بواقع 15 مليون عامل حتى 2025.
بحسابات الواقع أيضاً تعاني دول مثل ألمانيا القوة القاطرة في اقتصادات أوروبا من تراجع مستمر في عدد السكان، وهي في ذلك شبيهة بالنمسا وهولندا وفنلندا. والنتيجة الحتمية لنقص العمالة هو تباطؤ الاقتصاد، وارتفاع كلفة خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية في مجتمعات تشيخ.
على ذلك يكون من المفهوم لماذا ترحب ألمانيا باستقبال 800 ألف لاجئ ومهاجر من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن كان البعض من قصار النظر يرون المسألة من جانبها الإنساني، فمن الجانب الاقتصادي يمثل هؤلاء الوافدون مع سياسة الدمج والتدريب والتأهيل قوة عمل مستقبلية ضرورية ومطلوبة.
وسط الغبار الكثيف في أوروبا الناجم عن عاصفة اللاجئين والمهاجرين تبدو كلمات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند واقعية وصائبة عندما قال إن «فرنسا أرض هجرة متواصلة مرتبطة بالقيم الإنسانية والعمل الاقتصادي والتاريخ» في إشارة إلى علاقة فرنسا بطيفها الفرانكفوني الذي يضم 36 دولة تتحدث اللغة الفرنسية.

المصدر: الخليج

“مديح الهجرة”

أخبار سوريا ميكرو سيريا

20 سبتمبر، 2015