بأسلوب حرب العصابات.. تنظيم الدولة يغير استراتيجيته في هجماته بسوريا والعراق
28 أكتوبر، 2017
شهدت قوات نظام الأسد والقوات العراقية التي تطبق على آخر معاقل تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة الحدودية النائية بين البلدين رداً من جانب التنظيم سيمثل على الأرجح نهجهم في المستقبل.
ففي حين كان مسلحو التنظيم يخوضون قتال اللحظات الأخيرة في الرقة معقلهم الرئيسي في سوريا وفي مدينة الحويجة بالعراق قبل خسارتهما (..) استولى عناصر التنظيم على مدينة القريتين في سوريا وشنوا أكبر هجوم لهم في الرمادي بالعراق أواخر الشهر الماضي.
ويبدو أن هذا هو نوع حرب العصابات الذي تتوقع الدولتان تحول “تنظيم الدولة” له.
وقال مصدر عسكري تابع لنظام الأسد إنه مع فقدان التنظيم لقدرته على القتال في الميدان من المتوقع أن يلجأ فلوله إلى هذا النوع من العمليات. لكنه أشار إلى أن ذلك لن يستمر إلا لفترة من الوقت فحسب وليس للأبد.
ويرى محللون أن استمرار قدرة “تنظيم الدولة” على شن هجمات في المناطق التي خسرها سيعرقل جهود إعادة الاستقرار للمناطق التي ينحسر فيها القتال.
وفي العراق، حيث نشأ “تنظيم الدولة”، هناك سوابق تشير إلى لجوء التنظيم لشبكات محلية تمكنه من النهوض من جديد عندما تسنح الفرصة. وحتى الآن لم يثبت التنظيم أنه يملك ذات القدرة في سوريا.
فالانقسامات الطائفية التي يقتات التنظيم عليها أقل وضوحاً في سوريا كما أنه يواجه منافسة على الولاءات من جماعات أخرى قوية.
وقال هشام الهاشمي الخبير في شؤون “تنظيم الدولة” المقيم في بغداد والذي يقدم مشورة في هذا الشأن للحكومة العراقية إن التنظيم في الأساس منظمة عراقية وسيتمكن من البقاء إلى حد ما في العراق لكن عناصره في سوريا سوف يتلاشون بالانضمام لجماعات أخرى.
لكن التنظيم أثبت قدرة في الدولتين على استغلال الثغرات الناجمة عن إرهاق أعدائه، بفعل طول فترة الحرب، لشن هجمات مؤثرة مثلما حدث في القريتين بهدف نشر الفزع وشل قدرة القوات المنافسة على التحرك.
كما أثبت أيضاً قدرته على تنفيذ تفجيرات واغتيالات في مناطق تسيطر عليها الحكومة في العراق وسوريا وفي مناطق تسيطر عليها قوات كردية مدعومة من الولايات المتحدة أو جماعات منافسة مما يشير إلى قدرة التنظيم على بناء خلايا نائمة في تلك المناطق.
وقال عنصر من جماعة في المعارضة السورية المسلحة مناوئة لـ”تنظيم الدولة” إن التنظيم كسب تأييداً بين الشبان يكفي لمنحه قدرة على العودة من جديد.
وأضاف: “أعتقد أن الممكن ظهور شيء جديد (في المستقبل) في ظل انتشار فكر التنظيم بشكل واسع بين الشبان” في إشارة إلى آلة الدعاية الفعالة التي استخدمها التنظيم خلال السنوات الثلاث الماضية.
سرعة فائقة
وذكر أحد السكان ويدعى أيمن الفياض أن هجوم القريتين بدأ مساء 29 من سبتمبر/ أيلول عندما انتشر زهاء 250 عنصراً مسلحين بالبنادق والصواريخ وقذائف الهاون حول المنطقة “بسرعة مخيفة”.
وأثار الهجوم قلقاً بشكل خاص لأن نظام الأسد أعلن تأمين القريتين قبل أشهر وعاد سكانها لمنازلهم.
وعندما اضطر التنظيم في نهاية المطاف للخروج بعد ثلاثة أسابيع من القتال حول مشارف القريتين انتقموا بذبح عشرات السكان. وقال الفياض “كانوا متعطشين جداً للدماء ولم يرحموا أحداً”.
وبين مصدر عسكري أن الأمر استغرق ثلاثة أسابيع لاستعادة السيطرة على المدينة لأنها كانت مكتظة بالسكان.
لكن الهجوم أظهر هشاشة وضع المدن والبلدات السورية في الصحراء، التي لا يمكن نشر القوات المسلحة فيها إلا بأعداد قليلة، أمام “تنظيم الدولة” وأظهر أن مثل تلك العمليات يمكنها أن تكبل قدرات القوات المعارضة للتنظيم.
وأفاد صحفي سوري زار المدينة هذا الأسبوع :يخشى الناس من عودة داعش (..) قتلوا أي شخص شارك في مسيرات موالية للحكومة. ألقيت الجثث في الشوارع وفي الآبار”.
وقال الفياض أيضاً إن أشخاصاً من داخل المدينة كانوا من بين المهاجمين بما يشير إلى أن “تنظيم الدولة” استغل السنوات التي سيطرت فيها عليها لبناء شبكات دعم محلية وتشكيل خلايا نائمة من أجل شن هجمات بعد ذلك وهو أمر قد يتكرر في مناطق أخرى في سوريا.
وأوضح الكولونيل “ريان ديلون” المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم “سيواصلون البحث عن أماكن يمكنهم منها التخطيط والتمويل والعثور على موارد لشن هجماتهم”. وأشار إلى أن “تنظيم الدولة” عادة استخدم “مناطق قليلة السكان”.
وقع الهجوم على الرمادي قبل ثلاثة أيام من هجوم القريتين. وشن عناصر التنظيم الهجوم على قوات الأمن العراقية بالاستعانة بانتحاريين فجروا سيارات ملغومة وبإطلاق قذائف الهاون ونيران الأسلحة الرشاشة لاقتحام المدينة التي خسرها التنظيم قبل عدة أشهر.
حرب عصابات
ويبدو أن التحدي الأكبر في العراق وسوريا على حد سواء يتمثل في استيعاب العشائر العربية السنية وهو أمر ينذر، إن لم يتحقق، ببعث التنظيم من جديد.
وعانى العراق من انقسام سني شيعي منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 الذي تسبب في اندلاع حرب أهلية. وتهيمن أحزاب شيعية تدعمها إيران على الحكومة واستخدمت قوات ضد جماعات أغلبها من السنة.
وقد تواجه سوريا المشكلة ذاتها. فهي متحالفة مع قوتين شيعيتين أساسيتين في المنطقة وهما إيران و”حزب الله” اللبناني.
وسيشكل الأمر أيضاً تحدياً لـ”قوات سوريا الديمقراطية” التي تدعمها الولايات المتحدة في شمال البلاد إذ تقودها جماعات كردية واجهت مشكلات في بعض الأحيان في إقناع العرب بأنها ستحمي مصالحهم.
وقال “أندرو تابلر” وهو زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى “الأمر يعتمد على مدى استيعاب من يحاربون مع الأسد وقوات سوريا الديمقراطية للعشائر (السنية) في مؤسسات الحكم”.
وحتى في شمال غرب سوريا، الذي تسيطر عليه جماعات من المعارضة المسلحة وبينها جماعات متشددة، قد يتيح شظف العيش والاقتتال بين الجماعات في المعارضة مجالاً لـ”تنظيم الدولة” لتحقيق مكاسب على الأرض.
وبالإضافة إلى هجوم القريتين تمكنت مجموعة من مسلحي التنظيم من السيطرة على جيب في منطقة يسيطر عليها مقاتلو المعارضة قرب حماة في الأسابيع الماضية وحاربت مجموعة منافسة لها من أجل السيطرة على عدة قرى.
واستخدم التنظيم تفجيرات واغتيالات لاستهداف مدن في الغرب وأخرى تسيطر عليها قوات كردية في الشمال الشرقي وجماعات من المعارضة في الشمال الغربي.
كما شن “تنظيم الدولة” هجوماً هذا الشهر في جيب معزول يسيطر عليه في مخيم اليرموك جنوبي دمشق واستولى على مقر جماعة منافسة تنتمي للمعارضة المسلحة.
وقال المقاتل الذي ينتمي لإحدى جماعات المعارضة المسلحة إنه يعتقد أن “تنظيم الدولة” قد يكرر الاستراتيجية التي استخدمتها جماعات في العراق خلال العقد الماضي وهي الاختباء عند التعرض للهجوم ثم العودة بطريقة أكثر فتكاً.
وأضاف “في فترة الضعف تلك (..) يعتمد التنظيم على الإيديولوجية التي نشرها (..) يبدو أن ذات التجربة تتكرر. يمكنهم تنفيذ تفجيرات (..) وشن حرب عصابات”.
اقرأ أيضا: “تنظيم الدولة” يتحضر لمعركة حاسمة في آخر معاقله على الحدود السورية العراقية.. والتحالف: مقاتلوه أصبحوا مختلفين
[sociallocker] [/sociallocker]