الحركات المتشددة والتشكيك باللقاحات

26 أكتوبر، 2015

البيان

نحن نعرف كيف نقضي على شلل الأطفال، فمنذ الثمانينيات أدت جهود التلقيح الدولية التي قادتها منظمة الصحة العالمية إلى القضاء تقريباً على الفيروس. إن هذا المرض الذي كان يقتل نصف مليون شخص سنوياً أو يصيبهم بالشلل يصيب الآن بضع مئات فقط.

إن الذي يقف في وجه القضاء التام على الفيروس ليست القيود الطبية أو التقنية ولكن المقاومة السياسية لجهود التلقيح، حيث إن الأماكن الوحيدة التي يستمر تواجد الفيروس فيها تتشابه بشكل يبعث على القلق، فمنذ سنة 2012 وقعت 95% من حالات شلل الأطفال في خمسة بلدان- أفغانستان وباكستان ونيجيريا والصومال وسوريا- وجميعها دول تأثرت بحركات التطرف وحتى نقضي على شلل الأطفال يتوجب علينا أن نفهم هذا الرابط.

إن معارضة البعض لبرامج التلقيح عادة ما ترجع للاعتقاد أن اللقاحات هي عبارة عن مؤامرة غربية لإيذاء المسلمين وأن اللقاحات تصيب الأطفال بالعقم أو أنها ملوثة بالإيدز أو أنها تحتوي على لحم الخنزير ولكن من الأهمية بمكان ملاحظة أن الجهاديين في سوريا وأفغانستان كانوا بشكل عام داعمين لحملات تلقيح شلل الأطفال.

لو أردنا هزيمة الفيروس فإنه يتوجب علينا أن نتجاوز الرسوم الكاريكاتيرية التي تصور الإسلاميين وكأنهم أشخاص متعصبون وعنيفون معارضون للعلم الغربي، وأن ننظر بتمعن للسياق السياسي على وجه التحديد لأي فشل في جهود القضاء على الفيروس.

في نيجيريا على سبيل المثال فإن عداء المجموعة المتطرفة بوكو حرام لحملات التلقيح ينبع من صراع بين المسلمين أنفسهم، متجذر منذ الحقبة الاستعمارية عندما حكمت المملكة المتحدة شمال نيجيريا بشكل غير مباشر من خلال النخبة من السكان المؤيدين للبريطانيين في المنطقة.

يستمر أحفاد هذه النخبة الاستعمارية في الهيمنة على حكومات ولايات المنطقة المسؤولة عن تنفيذ برامج التلقيح. إن معارضة بوكو حرام لهذه الجهود تعكس كراهية أوسع لما تعتبره طبقة سياسية فاسدة ومؤيدة للغرب.

إن الوضع مشابه في جنوب الصومال حيث إن محاولات القوى الخارجية فرض حكومة مركزية مستقرة أدت إلى حصول نفور من برامج تلقيح شلل الأطفال ومنذ بداية التسعينيات فإن التدخلات من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في الصومال ضمت قوات من الولايات المتحدة الأميركية ومن الدول المجاورة للصومال والتي تقطنها أغلبية مسيحية- كينيا وأثيوبيا.

لقد نتج عن ذلك استياء واسع النطاق وزاد من دعم المتطرفين والذين يعتبرهم العديد من الصوماليين حصنهم الرئيس ضد التدخل الأجنبي وفي السنوات الأخيرة هاجم متمردو حركة الشباب عمال الإغاثة، ما جعل من الصعوبة بمكان القيام ببرامج صحة عامة في المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون فمنظمة أطباء بلا حدود على سبيل المثال اضطرت لإغلاق برامجها في الصومال سنة 2013.

أما في باكستان فترجع جهود مكافحة التلقيح إلى مقاومة مجتمعات البشتون للحكومة المركزية وبشكل عام فإن حركة طالبان الباكستانية هي حركة بشتونية تتركز في منطقة القبائل في شمال غرب البلاد وهي منطقة شبه مستقلة ذاتياً وتدار فيدرالياً.

إن هذه المنطقة الجبلية لم يتم حكمها بشكل مباشر من قبل البريطانيين كما قاوم البشتون بضراوة محاولات الدولة الباكستانية بسط سيطرتها عليها وعليه فإنه ينظر إلى التدخلات الأجنبية مثل برنامج التلقيح على أنه ذريعة من أجل زيادة التدخلات الحكومية في مناطق البشتون.

لقد زادت عدائية طالبان الباكستانية، بسبب التدخلات الأميركية في البلاد بما في ذلك حملة تلقيح التهاب الكبد الوبائي المزيفة من أجل جمع الحمض النووي من أقارب أسامة بن لادن قبل اغتياله وبالنسبة للمتطرفين فإن هذا أكد أن جهود التلقيح ضد شلل الأطفال هي غطاء لجمع معلومات استخباراتية للتعرف على أهداف لهجمات الطائرات بدون طيار.

تتضح أهمية السياسات المحلية – عوضاً عن الأيدولوجية الدينية – في طريقة التعامل مع برامج التلقيح ضد شلل الأطفال على الجانب الآخر من خط ديوراند.

إن طالبان أفغانستان هي في غالبيتها حركة بشتونية كذلك ولكن طريقة تعاملها مع جهود القضاء على شلل الأطفال مختلفة تماماً، فعندما حكمت طالبان أفغانستان من 1996 إلى 2001 دعمت جهود التلقيح وهي لا تزال تقوم بذلك، وفي آخر بيان لها حثت الحركة عناصرها على توفير «كل أشكال الدعم اللازم» للعاملين في برامج شلل الأطفال.

إن هذا الاختلاف يعكس الموقف السياسي للبشتون في البلدين ففي أفغانستان البشتون هم الأغلبية ونتيجة لذلك لديهم نفوذ أقوى بكثير في السياسات الوطنية مقارنة بنظرائهم في الباكستان، ما يعني أنهم ينظرون إلى الدولة بتشكك أقل.

أما في سوريا فإن الحكومة المركزية هي العائق الأكبر لجهود التلقيح. لقد أدى رفض نظام الرئيس بشار الأسد السماح لمنظمة الصحة العالمية بتنفيذ ببرامج التلقيح في المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون إلى تفشي مرض شلل الأطفال سنة 2013.

لقد نظمت مجموعات المعارضة المعتدلة مثل الجيش السوري الحر وبمساعدة السلطات التركية والمنظمات غير الحكومية المحلية برنامج تلقيح خاص بها في المناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومة السورية. لقد سمح المتطرفون بما في ذلك تنظيم داعش وجبهة النصرة لبرامج التلقيح تلك بالعمل في المناطق الخاضعة لسيطرتهم كذلك نظراً لكونها غير مرتبطة بنظام الأسد.

إن الموقف الذي يتخذه المتطرفون تجاه حملات التلقيح ضد شلل الأطفال هو في واقع الأمر موقف مرتبط بالدينامية الخاصة بالصراع المنخرطين فيه على وجه التحديد أكثر من كونه موقفاً يتعلق بالتعصب ضد الغرب. إن هذا يحمل أبعاداً مهمة لسياسة الصحة العامة وفقط عندما يفهم أولئك الملتزمون بالقضاء على شلل الأطفال السياق السياسي للبيئة التي تعمل فيها برامج التلقيح، سوف يتمكنون من النجاح.