منظمات الدعم النفسي.. سُبات السنوات الست
7 نوفمبر، 2017
“اقتصرَ الدعم النفسي الذي ترعاه المنظمات المعنية، على الحفلات الترفيهية العابرة التي تجعل المُشرفين عليها أقرب إلى متعهدي الحفلات، يقدمون برامجَ وهمية في مجال متشعّب بعوامله، ومتنوع بحالاته، فضلًا عن عدم الضبط القياسي والمعياري لجدوى تلك البرامج، وطغيان ظاهرة (المشايخ) ورجال الدين الذين يرفضون الدعم النفسي، كونه علمًا غربيًا غريبًا”. بهذه الكلمات أبدى عبد الكريم درويش، رئيس مركز للدعم النفسي في ريف حلب، رأيه ببعض أجهزة الدعم النفسي المعنية بالسوريين.
وأضاف لـ (جيرون): “لا يستفيد من الفاعليات التي تقدمها منظمات الرعاية النفسية والاجتماعية كلُّ المحتاجين إليها من المتضررين، وخصوصًا الأطفال، ولم تصل إلى كل شرائح المجتمع، لأسباب اجتماعية تعصبية أحيانًا، وربحية مرتبطة بالمنظمات وآليات عملها تارةً أخرى؛ ما يؤدي إلى خلق حالةٍ من التمييز الاجتماعي، بين الأطفال الذين ترعاهم والمُهمَلين منهم”.
يُجمع مختصون في مجال علم النفس والاجتماع على ضرورة الدعم النفسي للسوريين، بكافة أطيافهم ولا سيّما الأطفال، ويؤكدون أهميتها وضرورة تقديمها -في بعض الأحيان- على حاجات الأمان. إلا أن الخدمة التي تقدمها تلك المنظمات التي برز الكثير منها، بعد مرور ست أعوام من عمر الثورة، ما تزال ضعيفة وغير احترافية، ويغلب على سير عملها الفساد.
في هذا المعنى، قال طلال مصطفى، باحث وأستاذ في علم الاجتماع، لـ (جيرون): “لا شكّ أن الحرب الوحشية التي شنها النظام على الشعب السوري، ردًا على ثورته، تركت آثارها المرَضية النفسية والاجتماعية، على فئات المجتمع السوري كافة، حيث أثّرت في أوجه الحياة الاجتماعية والشخصية لكل مواطن سوري، وبخاصةٍ الأطفال والنساء، وخلقت آثارًا ملموسة على مَنْ تعرضوا لها مباشرة، من النواحي النفسية الانفعالية، وليس صدفةً أن يكون الأطفال هم الأكثر تأثرًا بما يحدث، لأنهم الأكثر تعرضًا لتلك الظروف، حيث يرى الأطفال الدمار المادي والإصابات الجسدية لهم ولذويهم؛ ما يؤثّر في أعماق أنفسهم البشرية”.
أضاف: “بسبب عدم نضوج الأطفال نفسيًا واجتماعيًا؛ تترك الأحداث القاسية وقعًا أكبر عليهم، فتبقى الكثير من المشاهد والأصوات ماثلة أمامهم، وعالقة في أذهانهم، ولا يجدون تفسيرًا لها، وكأن كابوسًا قد أتاهم بغتةً، وظلّ صداه يتردد ملازمًا لهم في حياتهم اليومية، وتبقى حالة ما بعد الصدمة، من صور وأصوات، ساكنةً في صمت داخل أعماق الطفل، إلى أن يتم استثارتها بين الحين والآخر؛ فتفلت من مكانها عبر الأحلام والانفعالات وبعض السلوكيات اليومية”.
أكد مصطفى أن مسؤولية تحسين الظرف النفسي للأطفال، وغيرهم من المتضررين، “تقع على عاتق المؤسسات والمنظمات المختصة بالدعم النفسي والاجتماعي، التي يجب أن تقوم بدورها في تنفيذ برامج الدعم النفسي الاجتماعي على فئات المجتمع السوري كافة، وبخاصة الأطفال، من خلال منظمات وكوادر مختصة بالدعم النفسي والاجتماعي، وبالشروط العلمية التي من أهمها معاقبة مجرمي الحرب، كخطوة أساسية للعلاج، وتأمين الحد الأدنى من الحياة المعيشية المقبولة في حدوده الدنيا، فالأشخاص الذين لا يملكون مسكَنًا ومصدرَ عيشٍ مقبول، لن تجدي معهم برامج الدعم النفسي والاجتماعي. فالأولوية لتأمين المسكن والمعيشة الكريمة، ثم للدعم النفسي الاجتماعي”.
حول واقع منظمات الدعم النفسي الاجتماعي في الداخل السوري، أكد مصطفى أن “معظمها وقع في مستنقع الفساد المالي، وبخاصة في الداخل السوري الواقع تحت سيطرة النظام؛ حيث إن معظم كوادرها الأساسية غير مختصين علميًا، وهدفهم الرئيس هو الحصول على مرتبات مالية، مقابل خدمات نفسية واجتماعية منقولة من الإنترنت، تقدَّم للفئات السورية وخاصة الأطفال، وهو نوع جديد من الفساد، خصوصًا أن معظم هذه الدورات تُقدّم في الداخل السوري الذي لم يتعرض للقصف والموت، وبخاصة في مدينتي دمشق وطرطوس”.
في السياق ذاته، أكد الطبيب النفسي محمد أبو هلال ضرورة دورات الدعم النفسي، مع ازدياد الاضطرابات النفسية، وقال في هذا الصدد لـ (جيرون): “إن هذه الخدمات تتعلق بالأشخاص الذين لديهم بالأساس (قبل الثورة) مشكلات نفسية، تضاف إليها المشكلات النفسية التي نتجت عن الحرب”.
وأضاف مبيّنًا: “إن آثار هذه المشكلات لا تقتصر فقط على الوضع الراهن والمعاناة الحالية، وانخفاض الأداء الوظيفي، لدى الأشخاص المتأثرين بهذه الحالات، وإنما يتعدى ذلك إلى الآثار المستقبلية وبخاصة عند الأطفال؛ إذ سيكون لديهم في المستقبل آثار خطرة. فمثلًا، نتوقع أن الاضطرابات النفسية التي أصيب بها الأطفال في مرحلة الطفولة، ستزيد في مرحلة المراهقة، إلى مراحل يصعب على الأهالي التعاملُ معها واحتواؤها، بالنظر إلى ما شهدوه وقاسوه هم أيضًا من ظروف مؤلمة؛ وهذا يعني أن عدم تدارك هذه الحالات من الآن سيؤدي إلى معاناة أكبر على المدى البعيد، وبالتالي الحاجة إلى هذه الدورات كبيرة من أجل المستقبل أيضًا”.
قال عمر النمر، وهو مُختص في الإرشاد النفسي والدعم النفسي الاجتماعي عن طريق الفنون، لـ (جيرون): “إن أغلب البرامج التي تقدمها المنظمات المُختصة بالدعم النفسي للسوريين قصيرة المدى، ولا تتعدى جلسة نشاط وتفريغ انفعالي، أو أيامًا قليلة من النشاطات والتوعية، والمعروف أن مثل هذه النشاطات والبرامج العلاجية أو التنموية، تحتاج إلى استمرار لا يقل عن شهرين، وإلى أكثر من عشرة أيام من النشاط المتواصل خلالها، إضافة إلى متابعة مستمرة لما بُدئ به، وهذا طبعًا يتطلب كادرًا كبيرًا من الداعمين، وإمكانات كبيرة للمتابعة الفعالة”.
أحمد مظهر سعدو
[sociallocker]
جيرون