المجتمع المدني

16 نوفمبر، 2017

مفهوم “المجتمع المدني” هو من مفاهيم علم الاجتماع التي ما يزال تعريفها غير محدد بدقة، ولكن من سياق استعماله؛ يمكن فهم الغاية منه، فقد استخدم في منتصف القرن السابع عشر، في أوروبا في وجه أنظمة الاستبداد الشمولية، وضد سلطة الكنيسة والإقطاع، لكن من وجهة نظر سياسية، استنادًا إلى فكرة أن حركة المجتمع هي التي يمكن لها أن تتصدى للاستبداد ومركزية السلطة.

الفيلسوف البريطاني توماس هوبز يميّز، في كتاب له حول حقوق الإنسان عام 1791، بين مؤسسات الدولة، وأركان المجتمع المدني، ودعا لوجود مجتمع مدني مستقل، يتمتع بالحرية، أما الفيلسوف الألماني جورج فريدريك هيغل، عام 1812، فرأى أن المجتمع المدني هو مجموع “الأفراد والطبقات والجماعات والمؤسسات”، التي تندرج ضمن “القانون المدني”، وهو يقع “بين الأسرة والدولة”.

رأى الفيلسوف والسياسي الألماني كارل ماركس، في القرن الثامن عشر، أن هذا المجتمع هو الذي يجري فيه صراع الطبقات التي يتشكل منها، ومع صعود “الصراع الطبقي” بسبب الاقتصاد، وتباين مصالح الطبقات مع نمو الرأسمالية، التي بدورها سعت لإيجاد أسس تحتوي من خلالها ذلك التباين والصراع، ولهذا حدد المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، في القرن الثامن عشر، المجتمع المدني بأنه مجموع التنظيمات أو الهيئات الناظمة كـ “النقابات والأحزاب والمدارس والمعابد والأندية وغيرها”، أي كل رأي أو فعل غير رسمي.

يمكن اعتبار المجتمع المدني بأنه الميدان الذي يتم إنشاؤه طوعيًا، ويتفاعل فيه الأفراد والمؤسسات والتنظيمات الحرة والمستقلة التي لا تديرها الدولة، ويعبرون عن أحاسيسهم وأهدافهم ومصالحهم وقضاياهم، بإرادتهم من دون أي تدخّل، كما يمكنهم حلها تلك الكيانات بإرادتهم.

تعتبر الأمم المتحدة أن المجتمع المدني هو “القطاع الثالث من قطاعات المجتمع، جنبًا إلى جنب مع الحكومة وقطاع العمال”، وهو يتكون من “منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية”، وورد في تعريف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة: (يونسكو)، أنه تعبير يشير إلى “جميع الجمعيات غير الحكومية وغير الساعية للحصول على الربح، المشاركة في العملية التعليمية. ويشمل بالتالي مجموعات مثل شبكات الحملات، ونقابات المعلمين، والمنظمات الدينية، والرابطات المجتمعية، وشبكات البحوث، وجمعيات الآباء، والهيئات المهنية، والمنظمات الطلابية، ومعاهد البحوث، والحركات الاجتماعية، وغيرها”.

يسمي البعض مكونات (المجتمع المدني) بـ “جمعيات أو مؤسسات غير حكومية”، أو “جمعيات أهلية”، وتتصف حركتها بالسلمية والتسامح والتعددية وإدارة الاختلافات وقبولها، وضمان حقوق الأفراد، وتعمل مؤسسات (المجتمع المدني) المختلفة على حماية الحقوق المعنوية والمادية للأفراد، ولكنها ليست منظمات ربحية أو تجارية.

وجود التفاعل والتكامل، بين عمل هيئات ومنظمات المجتمع المدني والدولة، هو ضرورة لترسيخ مفهوم المواطنة، كما يحدث في الدول الديمقراطية، كونه ليس خصمًا للدولة، ولكن بدت أهمية عمله أكثر وضوحًا، في دول ومناطق تغيب عنها الحياة الديمقراطية والحريات العامة، من خلال تبنيه خططًا وبرامج تساعد الأفراد في النهوض بمجتمعاتهم، وتتيح لهم المعلومة التي تدعم خياراتهم، بعيدًا عن سلطة الاستبداد -كما سورية- حيث النظام يُنشئ منظمات وهيئات ومؤسسات مجتمع مدني تنفذ برامجه، ويستخدمها كأذرع أمنية له، كالنقابات المهنية والأندية الاجتماعية والرياضية والبلديات والبيئة والصحة وأنشطة الطفولة وقضايا المرأة والفنون والثقافة والأعمال التطوعية وغيرها؛ وبذلك يبقى المجتمع مراقبًا، ومقيد الفعل، ومؤطر الحركة، ومن هنا تتضح أهمية استقلالية المجتمع المدني عن مؤسسات الدولة.

حافظ قرقوط
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون

16 نوفمبر، 2017