من أجل القدس وبقية المقدسات!
11 ديسمبر، 2017
في التاريخ المعاصر ليس ثمة من شواهد وأدلة تنفي أن جرأة القرار الأميركي، بما يخص الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لـ “إسرائيل” -وهو القرار الذي ظلّ مؤجلًا طوال عقدين- تستند إلى السخاء العربي الذي أُغدق على الإدارة الأميركية، بعد وصول ترامب للسلطة. الأزمة أو المأزق الذي يتخبط به، هذه الأيام، النظام العربي برمّته ممانعًا أو مسالمًا، تضرب في أكثر من اتجاه، لم ينجُ منها حتى الطرف الذي دأب على فرض أوهام الانتصار والممانعة، كما يشمل أولئك الذين أوغلوا في الخضوع والانصياع بعيدًا عن الضوابط الوطنية، حتى الأخلاقية بحدها الأدنى، تجاه شعوبهم وتاريخها وتراثها ومستقبلها.
ردّات الفعل التي أعقبت قرار ترامب انطلقت من قواعد مأزومة، تدعو شعوبها التي تتعرض لقمع وبطش ومهانة في لحظة تاريخية، إلى أن تتصدى للسياسة الأميركية ومواجهة العدوان الإسرائيلي.
تكفي الإشارة هنا إلى أن معظم الشارع العربي الذي عبّر عن غضبه من الإعلان الأميركي، لم تكن حوافزه شعارات رومانسية، كما تتمنى بعض قواعد النظام العربي المأزوم الذي درج على التغزل بأمجاد وشعارات عن القضية الفلسطينية، من دون أخذ العبر من التاريخ.
بوصلة القضية الفلسطينية، وليس القدس فقط، كما يحلو للبعض التنبه إلى المخاطر المحيطة بها وحدها، شكّلت ناظمًا فاعلًا لبنيان النظام الرسمي العربي الذي ولدت في أحشائه شعارات، تم التخلي عنها عند امتحان الثورات العربية، ثم التخلص منها عند توفر الظروف التي قادت إلى تطور “طبيعي” لتغول الهجمة المزدوجة، من المحتل والمستبد، على الشارع العربي وقضيته التي حملها في وجدانه، وعدّها ثابتًا لا يستطيع نظام عربي طمسها أو المساومة عليها، مهما بلغت درجة ظلمه وعدوانيته، يضاف إلى ذلك أن مسألة المزايدة والمتاجرة التي حاول النظام السوري ترويجها سقطت في الشعارات التي خطت عن فلسطين والقدس، في إدلب وحماة ودرعا وحمص، شعارات غير بعيدة عن تلك التي رفعت في بقية الشوارع والعواصم العربية، معلنةً حفظ بوصلتها التي حرفها النظام العربي.
لكن هل يكفي رفع الشعارات والتضامن لتغيير الموقف العالمي من قضايانا المقدسة؟ بالتأكيد لا؛ فمن يتعرض لمذابح على مدار السنوات السبع الماضية، ويتلقى ملايين القذائف، ويشهد فصلًا مستمرًا من الدمار والخراب، على أيدي عصابات بهيئة “جيش النظام”؛ فسوف يعتاد على الخضوع والذل والمهانة، وتسليم أمره للقدر، ثمّ لا يجد فرقًا بين القتل على أيدي نظامه أو عدوه الذي وصل إلى هذا الهدف، ونفذ فصوله في تكرار اعتداءاته المستمرة، وصولًا إلى جرأة التغول وإسقاط المحاذير التي وفرتها له أنظمة قمعية ووحشية، حوّلت مجتمعاتها إلى ساحة خلفية وأمامية للعدو.
وحده الإنسان الحر، هو القادر على حماية نفسه ومجتمعه من كل تسلط، والقادر على استنباط أشكالٍ لا حصر لها من المقاومة. والمجتمع القوي من دون استبداد وقمع وطغيان، هو صمام أمان لكل التحديات الكبرى، كل هذه الشروط ما تزال مفقودة، في ظل تجربة معارك استرداد الديمقراطية والحرية ومواجهة الثورات المضادة.
بعيدًا من رومانسية الشعارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي تبقى ناظمًا أخلاقيًا ووطنيًا في الوجدان العربي، أقول: لن تكون هذه الشعارات والمواقف مصدر قلق ومراجعة للسياسات والحسابات؛ ما لم تكن مصحوبة بشروطها الأساسية، مثل بقية القضايا الأخرى التي تواجه الشارع العربي، الذي بقي متفرجًا على هزيمة مدوية ومذبحة مستمرة منذ سبعة أعوام، لترسيخ شعور اليأس والإحباط من إمكانية حدوث ثورة عربية، تسترد كرامتها وحريتها لمواجهة الاحتلال والضغوط الأميركية. بعبارة أخرى: من أجل القدس وبقية العواصم والمدن والقرى التي قُدست بتضحيات أهلها؛ ستبقى عبارات رفض قرار ترامب والإجراءات الإسرائيلية ورفض التطبيع وغيرها دون فاعلية؛ إن تنكرت للمُقدسات الأخرى التي تساند بعضها، وستفشل في إنقاذها، من دون سلاح الحرية والديمقراطية.
نزار السهلي
[sociallocker]
جيرون