إستراتيجية لهزيمة التنظيمات الإرهابية
17 نوفمبر، 2015
د.عبد الله خليفة الشايجي
ختمت مقال الأسبوع الماضي هنا في «الاتحاد» بالتأكيد أننا نقف اليوم عند منعطف حرج يتسم بتحديات ومعوقات تهدد سيادتنا وأمننا واستقرارنا جميعاً، وتتعرض أسس نظام الدولة العربية المستقلة، التي ترتبط بثقافة ولغة مشتركة، لاهتزازات على يد الجماعات المتطرفة، والتدخلات الخارجية الممنهجة والمنظمة أيضاً. ويعمل هذان التهديدان على تغذية بعضهما بعضاً. ويشكلان تحدياً خطيراً حقيقياً. ولهذا علينا التفكير بطريقة خلاقة وبمقاربة مختلفة لتحصين أمننا، لهبوط آمن في بيئة ملتهبة تفتقد الأمن والاستقرار.
وعلى رغم أننا نشهد تزايد قوة بعض الفاعلين من غير الدول، كبعض التنظيمات التي أصبحت في حالات أقوى من الدول التي تنتمي إليها أو التي تعمل على أرضها كـ «داعش» و«حزب الله» والحوثيين و«الحشد الشعبي»، إلا أنه إذا توفرت الإرادة والعزيمة وتم الابتعاد عن التسييس فإنه من الممكن ليس إضعاف تلك التنظيمات فقط، بل إلحاق ضربات موجعة بها وصولاً إلى هزيمتها، كحال الحوثيين في اليمن و«داعش» في العراق وسوريا و«حزب الله» في لبنان، وخاصة أن ممارسات تلك التنظيمات تؤجج الفتنة الطائفية.
وقد نفذ «داعش» خلال الأسبوعين الماضيين عمليات خطيرة زادت من تعقيد الأمور، وقد ادعى التنظيم مسؤوليته عن إسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء وقتل 224 راكباً وطاقم الطائرة. واتسمت ردات الفعل الأوروبية والغربية بالمبالغة ووقف التحليق فوق سيناء ووقف تسيير رحلات إلى شرم الشيخ في عز موسم السياحة الشتوية من روسيا وأوروبا، ما سيلحق خسائر كبيرة بالاقتصاد المصري. وهذا يحدث على رغم عدم إصدار بيان رسمي قاطع من مصر وروسيا يقطع الشك باليقين عن سبب سقوط طائرة الركاب الروسية.
وأعقبت «داعش» ذلك بعملية إرهابية مزدوجة في معقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم 12 نوفمبر، أدت إلى مقتل 43 شخصاً وجرح 230 آخرين في ضربة للحاضنة الشعبية لـ«حزب الله»، وعملية اختراق أمني في عقر داره. والخطورة في هذه العملية تكمن في توظيف الدين والطائفة لضرب السلم الأهلي، وزرع الفتنة في لبنان الذي يعيش أصلاً على خطوط الصدع الطائفي والمذهبي. وكان معقل «حزب الله» قد تعرض لعدة عمليات إرهابية من طرف «داعش» منذ انخراط الحزب في القتال إلى جانب نظام الأسد قبل سنوات. وهذا حصاد الفتنة والطائفية، وما نراه اليوم في المنطقة هو نار الفتنة التي ستحرق الأخضر واليابس.
وبطبيعة الحال فهذا العمل الإرهابي وغيره من أشكال استهداف المدنيين الأبرياء مرفوض ومدان. ويجب إدانته بأقوى العبارات، سواء أكان إرهاب دول أم جماعات ومليشيات وأفراد. ومع توالي الاستنكار والتنديد بالعملية الإرهابية أعلنت الحكومة اللبنانية الحداد الوطني.
والواقع من تطورات الأحداث خلال هذا العام، بدءاً بما جرى في تكريت وسط العراق في الربيع الماضي، بطرد مقاتلي «داعش» بدعم من الطيران الأميركي، وما تكرر في الأسبوع الماضي أيضاً بهزيمة تنظيم «داعش» وطرده من منطقة «سنجار» شمال العراق، التي سيطر عليها منذ أغسطس 2014، في عملية كر وفر شاركت فيها قوات البشمركة الكردية مدعومة بغطاء وقصف جوي من قوات التحالف وخاصة المقاتلات الأميركية التي تقوم بتنفيذ أكثر من 90% من الهجمات والغارات في العراق. وكل هذا يؤكد أن «داعش» يمكن هزيمته وإلحاق ضربات موجعة به إذا توفرت العزيمة والإرادة والعمل العسكري المنظم.
وسبق تلك الهزيمة لـ «داعش» إنزال قوات خاصة أميركية في عميلة كوماندوز أطلقت خلالها محتجزين لدى التنظيم في شمال العراق. وكذلك تنفيذ الولايات المتحدة لغارة مدروسة بناء على معلومات استخباراتية استهدفت محمد موازي – السفاح «الجهادي جون» كما يُسمى، المسؤول عن نحر العديد من الرهائن العرب والأجانب كما ظهر في أشرطة فيديو.
إن هذه التنظيمات الإرهابية يمكن هزيمتها إذا توفرت الإرادة والخطط، وعدم استثناء أي تنظيم إرهابي من الاستهداف، وليس حصر المواجهة في جماعة أو خلفية واحدة. بل يجب ضرب التنظيمات الإرهابية عامة التي تستهدف الأبرياء لتحقيق أهداف سياسية. والعمل بجد لتجفيف المستنقع السوري، ووقف الاحتقان والسياسات الطائفية في العراق ودول المنطقة.
وللأسف بسبب خطورة توظيف استخدام الطائفة والمذهب في العمليات الإرهابية فإن تأجيج نار الطائفية والفتنة أصبح خطراً يستوجب تضافر جهود الجميع للعمل على تشكيل جبهة تتصدى لهذه التنظيمات التي باتت عابرة للحدود والدول والقوميات. وباتت تتقاتل فيما بينها على خطوط الصدع المذهبي والطائفي. وتسعى لزرع الفتنة كما يفعل «داعش» في دول المنطقة، وكذلك ممارسات التنظيمات الشيعية في سوريا والعراق، ولا وقت للتسويف وإضاعة الفرص، فتأخرنا يزيد من خطر وتمدد التنظيمات الإرهابية، وهزيمتها يجب أن تكون ضمن مشروع عربي جامع وليس بجهود فردية وارتجالية.. فهل من مدّكر؟!
المصدر: الاتحاد