‘من حزب الله إلى داعش: الكذبة التي لا تقهر’

26 نوفمبر، 2015

فاروق يوسف

من يستمع إلى خطابات السيد حسن نصرالله، زعيم حزب الله اللبناني لا بد أن يشعر أن الرجل، إضافة إلى انفصاله عن معطيات الواقع السياسي المتغير الذي يحيط به، فإنه يقيم في وهم مغلق على ذاته يغذي شعوره بأنه يقود قوة لا تقهر.

نصرالله يسوق وهمه في كل مرة يطل فيها على جماهيره المغيبة عقليا متخذا وقائع عام 2000 يوم انتصرت إرادة المقاومة اللبنانية بتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، مرجعية يؤكد من خلالها مصداقيته، بالرغم من أن كثيرا من المياه التي جرت عبر السنوات الخمس عشرة الماضية تحت جسور تلك الواقعة كانت قد محت كل تأثير إيجابي لها، وهو ما ألقى بظلال سلبية على وجود حزب الله باعتباره عبئا ثقيلا ومزعجا على الحياة السياسية في لبنان.

في المقابل فإن تنظيم داعش الذي لم يختبر قدراته العسكرية في معركة حقيقية، كان خبيرا في تسويق وهم قوته من خلال صور وأفلام حرص على أن يبثها على مواقع في الشبكة العنكبوتية متخذا من القسوة والبشاعة والوحشية التي مارسها في حق المدنيين العزل الذين تركوا من غير حماية وسائل لتعزيز تفوقه وسلطته التي جرى تلفيقها في الوقت الضائع.

مرجعية القوة لدى داعش إنما تقع في الفراغ السياسي والعسكري الذي يعيشه بلدان محطمان، هما سوريا والعراق. ففي سوريا انحصر هم النظام في محاولة الحفاظ على رمزية العاصمة دمشق تاركا مناطق كثيرة من سوريا نهبا لصراعات القوى المتحاربة، وفي العراق حالت التجاذبات الطائفية وتفشي الفساد والعلاقة الكيدية بين الأحزاب التي تتقاسم السلطة دون بناء جيش وطني، تكون مهمته حماية حدود البلاد. وهو ما يعني أن القوة التي يتباهى بها تنظيم داعش هي واحدة من دعابات الأزمة السوداء التي يعيشها البلدان وليست نتاجا أصيلا لتجارب حقيقية في القتال.

مفارقة مريرة يكشف عنها المأزق الفلسطيني الذي تمثله حركة حماس في صراعها غير المتكافئ مع إسرائيل. ذلك الصراع الذي تمتزج فيه المأساة بحس عميق بالسخرية. مأساة تعيشها غزة المنكوبة أصلا بانقطاعها عن العالم وسخرية يمارسها طرفان، لا هم لهما سوى إرجاء النظر إلى المشكلة الحقيقية.

ففي كل مرة تطلق فيها حماس صواريخها غير المؤذية في اتجاه المستوطنات الإسرائيلية، تسعى الحركة إلى تذكير الدولة العبرية بوجودها، مستعملة وسائل إزعاج ليلي، هي كل ما تملكه في حربها ضد أشباح، لا يضرها قضاء ليلة أو ليلتين في الملاجئ المعدة سلفا لمثل تلك النزهات الليلية.

ولأن إسرائيل تقرر في كل مرة يقع فيها ذلك الإزعاج أن تتماهى معه بطريقة جادة، مستعيدة لحظات فزعها الملفق، كونها دولة مهددة بالفناء، فقد صارت حماس تثق بقدرتها الفائقة على أن تخوض حربا شرسة في مواجهة واحد من أكثر جيوش العالم استعدادا لخوض الحروب التدميرية.

كل الحروب التي خاضتها حماس ضد إسرائيل لم تكن ضرورية بالنسبة للفلسطينيين، ولكنها كانت ضرورية بالنسبة لحماس نفسها. تلك الحروب مثلت فرصة للحركة التي اختطفت غزة وشعبها عنوة لاستعراض وهم قوتها الذي سلم سكان القطاع إلى البؤس والخراب والأمية وانهيار الثقة بالمسلّمات الوطنية. فحماس لم تنته برغم كل الحروب التي خسرتها، الفلسطينيون هم الذين خسروا.

ففي كل مرة تجتاح فيها إسرائيل غزة، تنجح حماس في تشديد قبضتها على القطاع، بعد أن يكون الشعب الفلسطيني قد تكبد خسائر في الأرواح وفي البنى التحتية أدت به إلى العودة إلى خيار الصفر، وهو الخيار الذي تبني حماس على أساسه خيار قطيعتها مع النية السياسية الفلسطينية.

ما تفعله حماس في غزة يشبه إلى حد كبير ما حدث للبنان عام 2006، حين أزعج حزب الله إسرائيل بألعابه النارية فكان على لبنان أن يدفع الثمن الغالي من بشره ومن بنيته التحتية المتهرئة أصلا. لقد تم تشريد أكثر من ثلاثمئة ألف من سكان الجنوب من قراهم التي هدمت.

يومها لم يجرؤ أحد من اللبنانيين على الحديث عن خسارة حزب الله لحرب، كان هو السبب في اندلاع شرارتها. كل الحديث انصب على خسارة لبنان فيما خرج حزب الله منتصرا. أن يخسر لبنان حربا، فذلك أمر يمكن توقعه، أما أن يهزم حزب الله، فذلك ما لا يمكن تخيله، بالنسبة لزعيم ذلك الحزب ومريديه.

هنا تقوم معادلة القوة على أساس بلاغي، يفقد اللغة مصداقيتها. ألا يذكر ذلك بانتصار العراق على الحلف الثلاثيني في حرب الكويت عام 1991؟ يومها خسر الشعب العراقي أكثر من ربع مليون من شبابه في حرب، كانت هي الأخرى غير متكافئة فيما نجا النظام من العقاب فكان بقاؤه ذريعة لاستمرار عقوبات اقتصادية دولية، سلمت شعبا بأكمله إلى الهلاك.

كان الإعلام العراقي طوال سنوات النزف الشعبي حريصا على تذكير الشعب بالانتصار على الحلف الثلاثيني الذي قادته الولايات المتحدة والذي لم ينجح في إزالة النظام السياسي وبقي صدام حسين في مكانه.

في كل نماذج القوة السابقة هناك الشيء الكثير من الكذب. يمكننا أن نقول باطمئنان إن تمرير فكرة القوة من خلال استضعاف المتلقي كان جريمة ارتكبتها الأنظمة السياسية العربية وحذت حذوها في ما بعد الجماعات الإرهابية المسلحة المتسترة بالدين من نوع حزب الله وداعش وحماس.

فتنظيم داعش الذي يبدو أنه يعيش آخر أيامه بعد ارتكابه لما سمي بـ”حماقة باريس” لم يكن ليجرؤ على الظهور على أراض، تكون فيها الدولة قادرة على بسط سيادتها على أراضيها. كانت هناك دولتان ناقصتان، عمت الفوضى في أجزاء كبيرة منهما، هو ما سمح لداعش باستعراض وهم قوتها.

سيكون مؤلما لو قلنا إن داعش كذبة، وهو التنظيم الإرهابي الذي حطم حياة الملايين من البشر، ذلك لأننا نكون قد اعترفنا بأن خيانة الحقيقة ممكنة في عالمنا، فالعالم كله لا يزال عاجزا عن إلحاق الهزيمة بكذبة.

المصدر: العرب

أخبار سوريا ميكرو سيريا