هل ستكون (الطعنة الثانية في الظهر) لروسيا من إيران؟
5 ديسمبر، 2015
المصدر | عبد الوهاب عاصي
لا يقتصر وصف “الطعنة في الظهر” الذي أطلقه الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على خيبة أمل موسكو من إسقاط تركيا للطائرة المقاتلة سوخوي24 فحسب، بل تبرز الطعنة بأن موسكو كانت تعول على أنقرة كي تصبح جسراً للطاقة تضخ عبره النفط والغاز إلى أوروبا بشبكات من الأنابيب تتفرع براً وبحراً، وقد اتضح ذلك ملياً عقب إعلان تركيا تخفيض نسبة وارداتها من الغاز الروسي المسال إلى 25%، الأمر الذي أعقبه اتخاذ إدارة “فلاديمير بوتين” قراراً بتعليق العمل بمشروع خط أنابيب الغاز “تركيش ستريم”.
ووفقاً لقول نائب مركز التكنولوجيات السياسية، “أليكسي ماكاركين”، والذي نقلته صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية فإن “المشكلة تكمن بتسرع روسيا في منح ثقتها لهذا الشريك أو ذاك، والتعجل في الحكم بأن مصالحها مع هذا الشريك أو غيره محفوظة وأنه لن يغدر بها، وسيعمل وفقا لما يرضيها، نظراً لتطابق المصالح، وعندما تتعارض هذه المصالح في وقت لاحق، نغضب من هذا الشريك ونكيل له الاتهامات بالغدر والخيانة، فعلى سبيل المثال غالينا في التفاؤل بمستقبل العلاقات مع تركيا، وها هي الآن خيبت أملنا”.
وانطلاقاً من هذا السلوك السياسي تساءل الباحث “عما إذا كانت إيران وهي صديق حميم لروسيا وشريك كبير، بمنأى هي الأخرى عن توجيه ضربة اقتصادية لروسيا بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها بالكامل وضخ نفطها إلى السوق بما يفضي إلى هبوط الأسعار وانحسار العائدات الروسية؟”.
وتوصف العلاقات الروسية الإيرانية بـ “الشراكة اليقظة”، كما أطلق عليها الخبير الاستراتيجي الروسي “فلاديمير سازهين”. فعلى الرغم من أن طبيعة العلاقات بين البلدين تطورت بشكل ملحوظ لا سيما بسبب الصراع في سوريا، سيما مؤخراً بعدما صدرت موسكو منظومة S-300 للدفاع الجوي مرة أخرى إلى إيران. بيد أن قيام حلف الناتو بالعودة لتوسيع حدوده الجغرافية مع روسيا بعد ضم جمهورية الجبل الأسود وتوتر العلاقات مع الغرب بخصوص قضية إمداد بلدانه بالغاز هذا من طرف، وتحسن العلاقات بين إيران والعواصم الأوروبية بعد توقيعها الاتفاق النووي من طرف آخر، من الممكن أن يدفع الغرب إلى فتح جسور تعاون واسعة مع طهران؛ بغرض استخدام الموارد الإيرانية لتقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي.
ويطرح في هذا الصدد عدد من التساؤلات حول إن كانت إيران التي بنت علاقات واسعة مع روسيا في السنوات الماضية، أن تقوم تخريبها من خلال إعادة تقييمها للتقارب مع الغرب. ولكن الخبير الروسي الذي طرح مفهوم “الشراكة اليقظة” يجيب عن ذلك من خلال تأكيده على أن العلاقات الروسية – الإيرانية ذات أبعاد متعددة، ولا تنحصر في القضية النووية، على عكس علاقة الغرب بإيران. فهناك مجموعة من القضايا الإقليمية المشتركة ما بين البلدين مثل أفغانستان، والقوقاز، والعراق، وسوريا، وحوض بحر قزوين.
وعلى الرغم التعاطي الإيجابي الذي أوضحه التقييم السابق للخبير الروسي، فإنه يضعنا أمام احتمال قيام طهران بالحفاظ على التقارب مع روسيا، بالتزامن مع فتحها لعلاقات اقتصادية أوسع مع الاتحاد الأوروبي، وهو تعاطي ثنائي بمعايير الشراكة في العلاقات الخارجية، وهذا الأمر يمثل ضرر على المدى المنظور بالنسبة لموسكو، لا سيما وأن التأثير الأكبر سيكون على مجال الطاقة.
والجدير بالذكر، أن العلاقات الإيرانية – الروسية، كانت قد شهدت بين عامي 1991 – 2011 تقلبات حادة؛ حيث تخلل الحوار السياسي النشط حينها فترات من التوقف الطويل، تبادلت خلالها موسكو وطهران الاتهامات حول الفشل في الوفاء بالوعود وعدم تلبية الالتزامات والتعهدات المشتركة. وقد وضعت روسيا وإيران خلال تلك الفترة مجموعة من الأسس الحاكمة لتحركاتهما على الساحة الخارجية، كما قامتا بصياغة تلك الأسس من منظور براجماتي، فكل منهما كان يسعى لتحقيق مصالحه الجيوسياسية الخاصة، دون مراعاة مصالح الطرف الآخر، الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بينهما، إلى حين قدوم الثورة السورية التي وضعت الجانبين على طريق مشترك.
ويشار أيضاً من جانب آخر، أنه وبالرغم من التقارب بين الدولتين، إلا أن التدخل الروسي العسكري في سوريا، أفضى إلى كشف الخلافات الواسعة فيما بينهما بشأن مسار التحول السياسي في سوريا، ويتضح ذلك من خلال تصريحات وزير الاستخبارات الإيراني، محمود علوي، الذي قال بأن “تدخل روسيا العسكري في سوريا بات يشكل تهديداً على الأمن القومي الإيراني”. بالإضافة إلى مضامين التقرير الذي نشره موقع “تابناك” المقرب من القائد السابق للحرس الثوري وأمين مجلس تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، حول جوهر الخلاف بين إيران وروسيا بخصوص الأزمة السورية، والملخص في “سعي موسكو لإيجاد علاقات ثنائية مع المعارضة السورية بما فيها الجيش الحر، الأمر الذي لا تستسيغه طهران حيث لا تريد أي دور للمعارضة في مستقبل سوريا، كما أنها تصر على بقاء الأسد بأي ثمن”.
المصدر : الإتحاد برس