جهود جبارة أنجحت مؤتمر الرياض.. والاعتراضات عليه باطلة

17 ديسمبر، 2015

  • صالح القلاب – الشرق الأوسط

لو لم تكن هناك جهود جبارة فعلاً رعاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لما التأم شمْلُ المعارضة السورية «المعتدلة» بكل قواها وتنظيماتها وفصائلها الفعلية الموجودة على أرض المواجهة مع جيش بشار الأسد وحراس الثورة الإيرانية والقوات الروسية وحزب الله والشراذم الطائفية التي تم استيرادها من إيران والعراق وأفغانستان ومن كل حدب وصوب، فالوضع الذي بقي سائدًا منذ عام 1970 وقبل ذلك بنحو ثلاثة عشر عامًا دمَّر الحياة السياسية في هذا البلد العربي الطليعي بحيث اضطر الشعب السوري بكل مكوناته الرئيسية، عندما اضطر للثورة على الظلم والاستبداد، أن يبدأ من «الصفر» وأن تكون قواه ومنظماته المسلحة متعددة وفقًا لعوامل وتأثيرات مختلفة كثيرة، منها المحلي والجبهوي والفئوي والطائفي والقومي.. وهذا بالإضافة إلى عوامل الامتدادات والولاءات الإقليمية في هذه المنطقة وخارجها.

ولهذا فإن حتى الأكثر تفاؤلاً، إنْ في سوريا نفسها وإنْ في المنطقة العربية كلها، ما كانوا يتوقعون أن تُكلَّل محاولات وجهود انعقاد مؤتمر الرياض الأخير بالنجاح، فعوامل «الاستقطاب» في صفوف تشكيلات المعارضة السورية، والمقصود هنا هو المعارضة المعتدلة التي يشكل الائتلاف الوطني ومعه الجيش الحر عمودها الفقري، كثيرة، ولعل ما زاد الأمور على هذا الجانب تعقيدًا أن سوريا بسبب ما فعله نظام بشار الأسد منذ عام 2011 وعمليًّا حتى الآن تحولت إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، وذلك في حين أن استنجاد هذا النظام بإيران وبروسيا وبعشرات التنظيمات والشراذم المذهبية الحاقدة قد دفع المعارضة الوطنية (المعتدلة) إلى الاستعانة ببعض الدول العربية الحريصة على هذا البلد العربي ووحدته ووحدة شعبه وحمايته حتى من هذا المصير المرعب الذي انتهت إليه بلاد الرافدين التي بقيت، دائمًا وأبدًا، جدار الدفاع عن العرب والعروبة على الجبهة الشرقية التي ثبت أنها أخطر الجبهات بالفعل.

كان المنحازون إلى نظام بشار الأسد، وفي طليعتهم الإيرانيون والروس، قبل نجاح مؤتمر الرياض الأخير الذي ضم تشكيلات وقوى المعارضة (المعتدلة) الفعلية، ينكرون وجود معارضة في سوريا، وكانوا يعتبرون كل التنظيمات التي شاركت في هذا المؤتمر، الذي شكل انعقاده حماية لهذا البلد العربي من الانقسام والتشظي، تنظيمات إرهابية مثلها مثل «داعش» و«النصرة» و«القاعدة»، حتى بما في ذلك «الائتلاف الوطني» الذي تم الاعتراف به عالميًا، باستثناء استثناءات قليلة معروفة، ممثلاً وحيدًا للشعب السوري وحتى «الجيش الحر» الذي اخترع له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بديلاً زائفًا وبالاسم والعنوان نفسه: «الجيش الحر»!

وحقيقة أنه كانت هناك صعوبات فعلية أمام انعقاد هذا المؤتمر الذي يمكن وصفه بعد نجاحه بأنه وفي أسوأ الأحوال قد شكل «الخطوة الأولى على طريق الألف ميل»، كما كان الزعيم الصيني ماو تسي تونغ وصف المسيرة الطويلة التي أوصلت ثورته إلى الانتصار، لكن الإرادة الخيّرة، التي تجسدت في وقفة الملك سلمان بن عبد العزيز ومعه بعض الأشقاء العرب وبعض الأصدقاء المخلصين من قادة بعض الدول الكبرى الفاعلة، قد تغلبت على كل هذه الصعوبات وجعلت المستحيل يصبح ممكنًا، فكان هذا النجاح الباهر الذي تحقق، والذي يحتاج الحفاظ عليه وتطويره إلى متابعة حثيثة، وإلى تماسك التنظيمات والتشكيلات والشخصيات الوطنية التي انضوت في هذا الإطار الجبهوي وتغليبها العام على الخاص والابتعاد عن النزعات التنظيمية الضيقة وعن النزعة الفردية القاتلة.

الآن وبعد نجاح هذا المؤتمر، لا يستطيع نظام بشار الأسد، المهترئ والمتهاوي، ولا الروس والإيرانيون المحتلون، ولا كائن من كان، أن ينكر وجود المعارضة السورية (المعتدلة) المؤهلة من خلال الهيئة العليا التي تم تشكيلها لمفاوضة هذا النظام وفقًا لما تم الاتفاق عليه في «جنيف1» وعلى أساس الذهاب إلى «المرحلة الانتقالية» دون هذا الرئيس (المنتهية صلاحيته) للاتفاق على حكومة وطنية تأخذ سوريا إلى الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين كل أبناء شعبها، بغض النظر عن مِلَلهم ونِحَلهم والحفاظ على وحدتها الوطنية ووحدة أرضها وترابها.

وهكذا فلعل ما هو غير مستغرب أن روسيا قد بادرت مسرعة إلى اعتبار أن «محادثات» مؤتمر الرياض لم تُمثِّل كل أطراف المعارضة السورية، وهذا أمر طبيعي لأن الروس لا يعترفون في حقيقة الأمر إلا بالمعارضة التي استضافوها في موسكو مرات عدة، والتي، باستثناء استثناءات قليلة وباستثناء بعض الشخصيات الوطنية التي لا يستطيع كائن من كان التشكيك في وطنيتها، تعتبر قيادات وقواعد مجرد بيادق لنظام بشار الأسد على رقعة شطرنج الصراع المحتدم في سوريا ليس منذ عام 2011 فقط وإنما منذ عام 1970، بل وربما قبل ذلك منذ عام 1963!

لكن الغريب والمستغرب فعلاً أن يتحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد نجاح مؤتمر الرياض، كل هذا النجاح الباهر، عن «اعتراضات»، وعن «بعض العقد وبعض المشكلات»، وكأن المطلوب أن يتبنى هذا المؤتمر بكل من حضره وشارك فيه طروحات سيرغي لافروف واشتراطاته التعجيزية القائلة والمطالبة وبإصرار عجيب ببقاء بشار الأسد خلال المرحلة الانتقالية التي نص عليها بيان «جنيف1»، بل وأن بإمكانه الترشح لفترة رئاسية جديدة في الانتخابات المفترضة اللاحقة الجديدة!

وبالطبع فإن بشار الأسد، ورغم أنه بات يعرف معرفة أكيدة أنه لم يعد صاحب قرار في «بلده»، وأن القرار أصبح بعد التدخل السوفياتي لسوريا بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد بادر بعد نجاح مؤتمر الرياض هذا العتيد، ومن قبيل إثبات وجوده، إلى الإدلاء بدلوه والإعلان عن أنه «يرفض التفاوض مع المجموعات المسلحة»، مما يعني لو أن القرار في هذا المجال له ولباقي ما تبقى معه من الأتباع المغلوب على أمرهم لاختار نحو «16» حزيبًا صنعتها المخابرات السورية وجهزتها من أجل هذه اللحظة التاريخية للتفاوض معها، وكما كان «يتفاوض» مع بعضها منذ عام 2011، ولكن ليس مباشرة وإنما بالواسطة. والسؤال الذي يجب توجيهه إلى الروس.. وربما أيضًا إلى «الأخ العزيز» جون كيري، الذي تحدث بالنسبة لمؤتمر الرياض عن اعتراضات وعن «بعض العقد وبعض المشكلات»، هو ما الأطراف التي ترون أنها لم تُمثّل في «محادثات» هذا المؤتمر..؟ هل تقصدون «داعش» أم «جبهة النصرة» التي غابت عن مؤتمر العاصمة السعودية لأنها رفضت «فكَّ» علاقاتها التنظيمية بـ«القاعدة» أم «حزب الاتحاد الديمقراطي» بقيادة صالح مسلم الموجود في مناطق الحسكة والقامشلي وعين العرب (كوباني) الذي يعتبر فرعًا من حزب العمال الكردستاني – التركي (p.k.k)، الذي يعرف كل من له اهتمام بهذا الشأن أنه صُنع في أقبية المخابرات السوفياتية والمخابرات الروسية ليكون مخلب قطٍّ في مواجهة تركيا سبعينات وثمانينات القرن الماضي.

ولذلك فإنه لا توجد معارضة (معتدلة) إلا هذه المعارضة التي شاركت في مؤتمر الرياض الذي انبثقت عنه هيئة عليا من المفترض أن تختار «32» شخصية من الكفاءات الوطنية، ومن كل التنظيمات التي حضرت هذا المؤتمر للتفاوض مع هذا النظام، وعلى أساس أنَّه لا مكان لبشار الأسد في المرحلة الانتقالية هذه، اللهم إلا إذا غيرت «جبهة النصرة» رأيها وبادرت إلى «قطْع» علاقاتها التنظيمية بتنظيم القاعدة، فالحزيبات الوهمية التي أوجدها هذا النظام، والتي يقال إن عددها قد تجاوز «16» تنظيمًا، لا هي معارضة.. ولا هُمْ يحزنون، والكل يعرف هذا حتى بما في ذلك بعض رموز النظام الحاكم الذين عندما تذكر أسماء هذه الحزيبات يقهقهون.. ويبرطعون حتى حدود الاستلقاء على ظهورهم.

إن هذه هي الحقيقة الأولى.. أما الحقيقة الثانية فهي أن مسألة انعقاد لقاء نيويورك في 18 من هذا الشهر لا تزال غير مضمونة.. وكل هذا في حين أن الحقيقة الثالثة هي أن الروس ما زالوا يصرون على مواقفهم، وأهمها المتعلق ببقاء بشار الأسد في المرحلة الانتقالية وبعدها، وذلك رغم تلك التصريحات التي اعتبرها البعض تدعو إلى التفاؤل، والتي أطلقها لافروف، والتي قال فيها إنه يرى «حركة ديناميكية إيجابية بالنسبة لحل الأزمة السورية»!