‘هدى الحسيني تكتب: كيري يسعى لفصل الروس عن الإيرانيين في سوريا!’
24 ديسمبر، 2015
هدى الحسيني
حذر مجلس العلاقات الإسلامية (كير)، وهو مجلس إخواني الهوى والتوجه، مرشحي الرئاسة الأميركية من أنهم إذا عادوا المسلمين فسوف يدفعون ثمًنا باهًظا «سنصوت ضدكم». حدث هذا في واشنطن.
تعرض «باص» ينقل ركاًبا مسلمين ومسيحيين لكمين من تنظيم «الشباب»، هدد الركاب المسلمون المهاجمين بأنهم لن يتخلوا عن رفاقهم، فإما أنُيقتلوا جميًعا أو ينجوا جميًعا. حدث هذا في قرية «ال واك» الكينية على الحدود مع الصومال.
الرئيس الأميركي باراك أوباما الكيني الجذور، قال في كلمته الثالثة عن الإرهاب في أقل من أسبوعين في محاولة لاسترضاء الأميركيين وتهدئة مخاوفهم: «إن الولايات المتحدة تلاحق تنظيم داعش وتقصفه بقسوة في سوريا والعراق، ونفعل كل ما في وسعنا لمنع الإرهابيين من الوصول إلى الولايات المتحدة».
جاءت تصريحات أوباما في 17 من الشهر الحالي، أي بعد يومين من مناظرة المرشحين الجمهوريين، حيث سيطر موضوع العنف الإسلامي على توجهات السياسة الخارجية للمرشحين.
يحدث مثل هذا القلق في أوروبا وفي الشرق الأوسط أيًضا. فإن تنظيم «داعش» دفع المسؤولين في الإدارة إلى الحديث بأصوات مختلفة عن هذا الموضوع. فالرئيس أوباما سعى إلى طمأنة الأميركيين وأيًضا الأصدقاء والحلفاء بأن نهجه «المتشدد» بالنسبة إلى «داعش»، سيثبت فعاليته وينجح.
ومع هذا، فإن عدًدا من المسؤولين المحيطين به يعبرون ضمًنا عن شكوكهم، إذ يشير أحدهم إلى أن الرئيس يقول إن كل الخيارات فوق الطاولة، لكن من الواضح أنه لا يريد مناقشة بعض هذه الخيارات لا سيما ترك «بصمة» أميركية كبرى في الشرق الأوسط. وهذا يكشف التناقضفي التوجه ما بين الرئيس ووزير خارجيته جون كيري، إذ حسب المصدر، فإن كيري يسأل دائًما: «قل لي ما علينا أن نفعل لتحقيق الفوز».
كيري الذي يعتقد البعض بأنه لم يلق الثناء الذي يستحقه بعد هندسة الاتفاق النووي مع إيران، يبدو الآن مصمًما على أن يحمل النجاح في القضاء على تنظيم داعش، توقيعه. ويقول المصدر الأميركي: «إذا فشل جون، فلن يكون ذلك لعدم المحاولة»، لكن المشكلة مع كيري أنه يعتقد بأنه قادر على المشي واختراق الجدران، والجدار الذي يحاول اختراقه، أو لنقل الصعود عليه هو حل دبلوماسي يبدأ بوقف لإطلاق النار، ثم يؤدي إلى حكومة انتقالية في دمشق، مع الاستمرار في اللجوء إلى القوة العسكرية ضد «داعش». يوم الجمعة الماضي، يبدو أن كيري حقق كسًبا معقولاً بإصدار مجلس الأمن قراًرا لبحث الحل السلمي في سوريا.
يقول لي دبلوماسي بريطاني إنه لا يعتقد بأن الأميركيين والروس قطعوا المسافة التي أوصلتهم إلى مجلس الأمن، ما لم يكونوا مستعدين للضغط على كل الأطراف، وسيبذلون أقصى الجهود لتفعيل ذلك، «فالأميركيون يائسون لتحقيق نوع من النجاح، وكذلك الروس، فالعبء عليهم كبير».
أما المصدر الأميركي، فيقول إن كيري حقق إنجاًزا بإقناع الروس بقرار يصدر عن مجلس الأمن، وقد جاء الاجتماع بعدما استضافت السعودية بداية هذا الشهر مؤتمًرا لمكافحة الإرهاب و«داعش». أدرك كيري أنالروس لا يريدون استعداء السعودية. قد يريدون أن يبقى بشار الأسد في السلطة، لكنهم غير متشبثين به مثل الإيرانيين. وهذا الموقف يتيح لكيري محاولة فصل اثنين من أقوى حلفاء النظام السوري.
الذي ساعد كيري في جهوده، إنه رغم التدخل العسكري الروسي الضخم في سوريا، فإن المد لم يتحول لصالح النظام. ربما تدخلهم أوقف انخفاض الروح القتالية لدى الجيش النظامي، لكن هذا لم ينسحب على «حزب الله» حليف النظام. أيًضا، كان للتدخل الروسي ثمن باهظ كإسقاط الطائرة المدنية على يد «داعش» وإسقاط أنقرة لطائرة الـ«سوخوي».
أسأل الدبلوماسي البريطاني عما إذا كان يمكن الوثوق بالروس، فيؤكد ذلك، ويضيف: «إنهم يتصرفون بنضج.. لقد مضى وقت طويل على السماح للأولاد بشغل الملعب». لكنه يقول: «إذا كان من مطلب جدي للحد من القتال في سوريا، فعلينا أن نتقبل الواقع ونقبل بأن الأسد وفريقه سيبقيان في الصورة في المستقبل المنظور.. إذ لا يمكن تصور أن الروس سيرمونه الآن تحت عجلات الباص».
ويعتقد البعضفي الإدارة الأميركية، أنه يمكن فك عزلة موسكو بتقديم الضمانة لقواعدها العسكرية في سوريا، وحق الـ«فيتو» على من يستطيع المشاركة في الحكومة الانتقالية، أو بتعبير أدق من هي المجموعات التي سيتم استثناؤها كونها إرهابية. ويعتقد هؤلاء أن كل الأطراف المعنية قد تقبل بهذا الطرح، وتوافق عليه أيًضا المجموعات التي تدعمها، أما إيران فلن تقبل. لذلك يقول المصدر الأميركي إن بعًضا في الإدارة يتخوفون، إذا حصل هذا، من أن كيري الباحث عن صفقة قد يوافق على اتفاق مؤقت أي وقف لإطلاق النار يصبح دائًما، وفي ظل هذا السيناريو يبقى الأسد في السلطة بالتزامن مع الروس الذين سيستهدفون عندها «داعش». يضيف المصدر، أن كيري على منحدر زلق جًدا، لقد ادعى الأسد دائًما أن كل معارضيه إرهابيون، وقد يبدأ بملاحقة «داعش» ليقول إنه كان على حق طوال الوقت. ويلفت إلى أن الأوروبيين أكثر من الأميركيين خوًفا من «داعش»، وبالتالي يفضلون استمرار حكم الأسد على نظام آخر. يضيف: «كل ما على الأوروبيين فعله التطلع إلى ليبيا، وما أوصل إليه تغيير النظام هناك، ثم هناك مشكلة اللاجئين، إذ لو كان بينهم حفنة قليلة من (داعش) يكفي».
يضاف إلى كل هذا، رفض المؤسسة العسكرية الأميركية القتال في الشرق الأوسط، ويقول محدثي، إن المعارضين هاجموا أوباما لأنه يريد أن يكون إرثه في السياسة الخارجية الاتفاق النووي مع إيران، لكن رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي عين حديًثا الجنرال جوزيف دانفورد أشار أخيًرا: «لا أريد المزيد من (أكياس الجثث)، بسبب دول الشرق الأوسط التعيسة».
أما المؤيدون للرئيس، فيقولون إن تبريره بعدم انتقاء الخيار العسكري المفتوح، هو أكثر دهاء. ويشيرون إلى أنه في العراق كان آية الله السيستاني مفيًدا جًدا في اختيار حكومة شيعية أكثر شمولاً في حربها ضد «داعش». فحسب مسؤولين أميركيين هناك أكثر من 7500 سني يشاركون الآن في معارك استعادة الرمادي، ويضيف هؤلاء أن الجيش الأميركي استطاع تجميع شيعة لا تسيطر عليهم إيران، وعلى استعداد للقتال، معتمدين على غطاء القوة الجوية الأميركية، لكن سوريا تشكل تحدًيا أكبر. يقول لي الدبلوماسي البريطاني: «ليس للقوى الغربية أي نفوذ على سوريا، عكس ما كان عليه الأمر مع إيران، ويمكن للأسد الاستمرار في القتال إلى ما لا نهاية، لهذا نرحب بكل المبادرات».
لكن، إذا لم تكن جبهة النصرة جزًءا من فريق التفاوضفأي وقف لإطلاق النار سيحدث؟ يجيب: «إذا تحقق وقف لإطلاق النار بين الحكومة و(الجيش السوري الحر)، فهذا يسمح للطرفين بمواجهة (النصرة) و(داعش). لا يتوقع أن تعمل الحكومة و(الجيش الحر) مًعا، لكن هناك إمكانية لتنسيق فضفاض عبر الروس الذين على (علاقة) مع (الجيش الحر)».
تبقى الإدارة الأميركية في مأزق. إيران كانت السبب في تردد أوباما باتخاذ موقف حاسم تجاه سوريا، والقضية لم تنته، إذ إن بعض المرشحين الجمهوريين وأعضاء غاضبين في الكونغرس يتجهون إلى تشديد السياسة الأميركية تجاه إيران، ومن المتوقع أن يصوت الكونغرس مع مطلع العام على مشروع قانون يبقي على عقوبات أميركية معينة على إيران، لكن بالنسبة للإدارة ولبعض المسؤولين، فإن الاتفاق الإيراني صار من التاريخ، «لقد غادر القطار المحطة، وكل شيء يدور الآن حول (داعش)».
هل إن تدمير سوريا كان ثمًنا لمستقبل إيران؟ يقول المصدر الأميركي: «إن عدًدا من كبار المسؤولين الأميركيين لا يخفون حرصهم على رؤية بعض العقوباتُترفع عن إيران قبل الانتخابات البرلمانية هناك في شهر فبراير (شباط) المقبل، فالإدارة تريد أن يحقق الرئيس الإيراني حسن روحاني نتائج جيدة». بعد هذا، صار علينا أن نتساءل عما إذا كانت إيران روحاني ستعترف بجهود الوزير كيري التي أوصلتها إلى اتفاق سيحررها، فتبادله بالمثل بأن تجعله يترك بصماته على اتفاق ناجح في سوريا: وقف إطلاق النار وحكومة انتقالية! هل إننا نحلم! أم إن كيري الذي يحلم؟
المصدر: الشرق الأوسط