الماء المملح وبعض البهار إحدى وجباتهم الرئيسية (جوع مضايا هل  توقفه مظاهرة)؟

25 ديسمبر، 2015

سعاد خبية:

لم يعد أمامهم من طريق آخر وقد بات الماء المملح وبعض البهار إحدى وجباتهم الرئيسية التي يتقاسمونها مع صغارهم لكي لايموتوا جوعا في الوقت الذي يسيطر فيه الغلاء الفاحش على مايتوفر بصعوبة من مواد تعرض للبيع ، وهم يتابعون صغارهم يذبلون ويتساقطون أمام جحافل الموت المتربص بين ثنايا الحصار المطبق على مدينتهم من كل صوب .. نتحدث عن بلدة مضايا حيث لم يعد هناك فرق بين الموت والحياة ، ولم يعد الخوف من القتل قنصا يمنع الأهالي من مقاومة موتهم وأطفالهم جوعا ، ليكون هذا دافعهم لتخرج أعداد كبيرة منهم اليوم  في مظاهرة احتجاجية  تتجمع في إحدى الساحات ، وتباشرالزحف نحو أحد الحواجز العسكرية الرئيسية وبيدهم لافتات كتب عليها ” صفوا حساباتكم بعيدا عنا “  – في إشارة إلى تدخل الإيرانين وحزب الله وجيش الفتح بحياتهم – تسلك المظاهرة طريقها مباشرة رغم القناصة والخطر والخوف باتجاه الحاجز العسكري التابع للنظام  لتسأل عناصره والضباط المسؤولون عنه لماذا تقتلوننا ؟ لماذا تجوعون صغارنا ؟ ولما لا نتحاور معا بدل أن يدخل مابيننا وسائط غرباء ؟  كان هذا تفسير إحدى الناشطات المشاركات .

السيدة – مؤمنة أبو مستو –مديرة إحدى رياض الأطفال في البلدة  وجدت نفسها بين عدد كبير من الأطفال الجوعى تتقاذفها عاطفة الأمومة والواجب معا ، تخرج مع مئات من المحاصرين في بلدتها جلهم أمهات وآباء ،لتتوجه معهم نحو الحاجز العسكري متجاهله خفقان قلبها وخوفها وقد شاهدت أمامها قبلا كثيرون وقد اخترقهم رصاص القناصة أوبترت أطرافهم  بفعل الألغام المزروعة حول البلدة وهم يحاولون اجتياز الطريق ، وصلت المظاهرة الحاجز العسكري كان العدد بالآلاف  ، تقول مؤمنة ” كنا نصرخ كلنا باحتجاج وغضب لماذا تقتلوننا ؟ قالوا لنا ليأتي منكم ثلاثة ليتحدثوا فتقدمت مع اثنين آخرين وتحدثنا مع العقيد المسؤول عن الحاجز ، ومع عناصر حزب الله وهم القوة الأكثر جبروتا في المنطقة ” ، أن تضع امرأة نفسها في هذا الموقف هو خيار صعب  ومسؤولية كانت يمكن أن تكلفها مع من ذهب منهم للحديث حياتهم أو الاعتقال ولكنهم كما قالت قد تساوى عندهم النقيضان – الموت والحياة – ” نريد دواء ،نريد حليبا لأطفالنا ، نريد محروقات ومواد غذائية  ،أطفالنا يموتون أمامنا مالذي اقترفوه وأضروكم به  لتقتلوهم أمامنا وتقتلونا على هذا النحو؟ !” كانت تلك كلمات مؤمنة وزميليها مع العقيد الذي كان رده بأن الأمر خرج من يدهم  وقد باتت القضية دولية وهم لا يستطيعون فك الحصار عنهم ، عادت مؤمنة مع الباقين  مع وعد بأن يُسمح بدخول بعض المواد الغذائية خلال ساعات .

لاضمانة كما تقول مؤمنة على كلام العقيد ولكن لايملكون غير الانتظار لأجل ابناءهم ، تزامنا مع هذه المعركة كانت طلقات الرصاص تؤذن بمعركة أخرى تدور رحاها داخل البلدة فقد أخذ الغضب كل مأخذ من الأهالي كما يبدو وقد ودّعوا البارحة شهيدين آخرين إضافة لسبعة عشرة شهيدا قضوا جميعا بسبب الجوع وفقدان الأدوية وتفشي الأمراض بينهم ستة أطفال خدج ، و بينما كانت المظاهرة الاحتجاجية  تدلف نحو الحاجز العسكري كان بعضا من أهل البلدة المسلحين يقتحمون المحال التجارية ويطلقون النار على التجار والباعة متهمين أياهم برفع الأسعار والمتاجرة بلقمة الأهالي المحاصرين وحياتهم ما أوقع عدة إصابات تقول مؤمنة ” عندما يسمح الحاجز بعد عناء ومفاوضات ودفع مبالغ كبيرة بمرور بعض المواد ويكون سعر المادة ( س ) منها 5000 ليرة على سبيل المثال وهو أضعاف سعرها الحقيقي ولاتصل إلى الأهالي المحاصرين  في البلد إلا وتضاعفت عشرين مرة  ليصبح ثمنها 50 ألفا وكل طرف يحمّل الطرف الآخر مسؤولية ذلك فيما تعدد أسعار بعض المواد متسائلة هل هناك بقعة في العالم يبلغ فيها ثمن علبة حليب الأطفال مئتين وخمسين دولارا ؟! وثمن الكيلو الواحد من الأرز   36000 ليرة سورية   ، والطحين  36000ليرة سورية ،والبرغل 33000ليرة سورية  ،والعدس  35000ليرة سورية  فيما كيلو اللحم 12000 ليرة سوريا والمازوت 1100 ليرة، وبرميل الماء بـ 700 ليرة.؟ !.

ثمن المواد على البسطة مايعادل 500000 ليرة سورية

159 نقطة عسكرية وحاجز تابع للنظام يحيط بمدينة مضايا وسهل الزبداني عدا نقاط وحواجز حزب الله وهي كثيرة جدا وعناصرها أشد عدوانية وشراسة بحسب بعض النشطاء الذين يشيرون إلى التعامل السيء الذي يلاقيه الأهالي من  حواجز حزب الله على وجه الخصوص ويذكر أحدهم بأنه إبان دخول حزب الله وسيطرته على المنطقة أمر بإحراق وقطع أشجار سهل الزبداني ليتم تحويله لأرض جرداء ومن ثم السيطرة عليه من قبلهم ، وقد اتهم الحزب العقيد – علي درغام –  بالتساهل وكان مسؤولا عسكريا عن المنطقة تابعا لجيش النظام قبل سيطرة الحزب على المنطقة قبل أشهر ، والتساهل في مفهومهم يعني تركه لأشجار سهل الزبداني وعدم قطعها وتكاسله في تجريف السهل وذلك لمنع استخدام تلك المناطق  للاختباء والكمائن وعدم استثمارها كوسيلة للأمان الغذائي من قبل الأهالي وهو ما قام به الحزب لاحقا ، فأحرق سهل الزبداني ومنع  الأهالي من الاعتماد على أشجاره وحطبه في التدفئة وسواها .

تعيش بلدة مضايا تحت حصار خانق من قبل جيش النظام  وحزب الله اللبناني منذ 572015  وحتى اللحظة , كان الحصار مترافقا مع قصف مكثف للمدينة بالبراميل المتفجرة  وقد توقف القصف قبل شهرين إثر اتفاق الهدنة (الزبداني مقابل كفريا والفوعا) فيما استمر الحصار عليها بشكل أشد دون تنفيذ بنود الهدنة والتي كانت تقضي إدخال المواد الغذائية فورا مع وقف القصف.

تقع بلدتي مضايا وبقين على بعد 44 كم شمال غرب العاصمة دمشق وبمحاذاة مدينة الزبداني من الجنوب الشرقي , ازدادت الكثافة السكانية فيهما بشكل ملحوظ حيث وصل عدد المدنيين إلى 40 الف نسمة ,بعد نزوح ما يقارب من نحو 20 الف شخص من مدينة الزبداني نحوهما ,بعضهم كانوا نازحين في منطقة بلودان وتم تهجيرهم بشكل قسري وبقوة السلاح اليهما ,فيما جِيءَ ببعضهم الآخر من الاحياء الشرقية للزبداني حيث يسيطر النظام عليها وذلك بحسب اخر احصائيات قام بها ناشطون داخل المنطقة .

تعاني المنطقتين من نقص حاد في المواد الطبية والغذائية منذ اواخر شهر أب أدى ذلك إلى تفشي أمراض مزمنة بين المدنيين  وازدياد في معدل الوفيات نتيجة الجوع ونقص الرعاية الطبية ،  ويذكر الناشطون أنه يوميا تحصل أكثر من 25 حالة إغماء , ومعدل وفاة شخص او شخصين ممن هم في الخط الأول بمعنى (مرضى – معوقين – عجائز – وأصحاب الأمراض المزمنة ).

سمير علي – عضو المجلس المحلي في مضايا يتحدث عن ست وفيات خدّج توفوا بعد الولادة نتيجة الحاجة لحواضن (الحواضن والكهرباء غير متوفرة ) إضافة لسوء التغذية الذي تعاني منه أمهاتهم وانعدام وجود حليب الأطفال بشكل شبه كلي وقال علي : بأن سعر الكيلوا الواحد من حليب الأطفال في حال توفره  وصل إلى 250 $ أي مايعادل 150 ألف ليرة سورية وهو ما يعجز جميع الأهالي على شرائه – تحدث عضو المجلس المحلي عن منع الأهالي من الخروج كليا وتحت أي ظرف يتساوى في ذلك المصابين وحالات الولادة القيصيرية والأمراض المزمنة والخطيرة مما تسبب في وفاة ستة أمهات حتى الآن ، تفشت ظاهرة الإغماء والغياب الفجائي عن الوعي وقد أشار سمير علي وقبله مؤمنة أبو مستو إلى أن كثير من الناس يسقطون مغشيا عليهم في الشوارع وتشتد الظاهرة بشكل أكبر بين تلاميذ المدارس الذين لايحصلون على طعام كاف في منازلهم وكثير منهم يبقى يوم أو اثنين دون أن يتوفر لهم ما يقتاتون عليه  ، ولدى سؤال عدد من أطفال المدارس عن الوجبة التي تناولوها تتشابه الإجابات (مرقة بليلة ) وهي ماء مغلي مضاف له الملح والكمون وبعض الحمض ، كثيرة هي المناطق التي يحاصرها النظام السوري غير أن ما يميز مضايا عن غيرها ويجعل حالة الحصار فيها أشد وقعا ولاتحتمل كغيرها للبقاء محاصرة لأشهر طويلة كونها عبارة عن أبنية سكنية فقط ولا وجود لمزارع أو أراض قابلة للزراعية فيها .

67 حاجزا عسكريا في  محيط مضايا تشكل الدائرة الاولى فقط تليها دوائر ونقاط عسكرية أخرى وقد زرعت المنطقة المحيطة بها بالألغام وهو ما يجعل تكلفة محاولة إدخال مواد غذائية أو محاولة الخروج والفرار منها باهظة من الناحية البشرية ،فكثير من الشبان الذين حاولوا ذلك انفجرت بهم الالغام أو تعرضوا للقنص ، سبعة عشرة شهيدا شابا كانوا ضحايا محاولات إدخال مواد غذائية ، سرق النظام  جثثهم ، فيما استطاع الأهالي بحسب نشطاء محليين أخذ عشرة مصابين جميعهم ( بتور أطراف  ) بسبب أنفجار ألغام ، لايوجد سوى مشفى ميداني واحد

غير مؤهل لإجراء عمليات كبيرة أو اسعاف حالات خطرة إضافة لعدد من النقاط الطبية الموزعة والتي تقتصر امكاناتها على اسعافات أولية واستقبال حالات مرضية بسيطة وهو ما يرفع عدد الضحايا ، تنتشر العديد من الأمراض ، وثق نشطاء بعضها فكانت :  453من مرضى السكري (700)  مرضى ضغط دم وقلب (30) حالة  صرع  (250 ) سوء تغذية أغلبهم أطفال دون الخمس سنوات منهم ( 55) طفل يتابع بالمشافي الميدانية بإمكانيات باتت قليلة ومعدومة بعض الأحيان .

حالات  أخرى وثقها نشطاء خلال الشهر الأخير تشمل حالات تسمم بسبب تناول القمامة والأعشاب الضارة السامة ، يضاف لذلك قلة الكوادر الطبية في البلدة والتي كانت قليلة بالأصل فيما خرج عدد كبير منهم قبل الحصار

عدد من الهيئات الإغاثية تعمل داخل مضايا بطاقة ضعيفة منها طيف ، ووفا ، وعمرّها ، وإيثار الخيرية – تحاول تلك الهيئات تنظيم الدعم البسيط الذي يصلها بصعوبة أو تشتريه بالجملة  لتوزيعه ، هذا ما ذكره  محمد وهو ناشط ميداني يعمل في واحدة من تلك اللجان يقول بأن مايقدر بخمسة آلاف عائلة تحتاج للدعم الفوري في البلدة وبأنهم كجهات إغاثية  استطاعوا توزيع مايقدر بــــكأس واحدة تعادل ربع كيلو تقريبا – لكل عائلة من كل مادة غذائية مستدركا ماذا يمكن أن يفعل كأس أرز أو برغل لعائلة متوسط عدد أفرادها ستة أو خمسة مثلا ؟  يتحدث محمد عن قضية التدفئة ومعلوم بأن منطقة مضايا من المناطق المرتفعة الأشد برودة تكسوها الثلوج معظم الشتاء فيشير إلى انعدام وسائل التدفئة فيما الناس لايستطيعون الحصول على الحطب ، لذا لجأ الأهالي إلى استخدام الأبواب والنوافذ والأثاث الخشبي واحراقه للتدفئة والطهو  ، ولعل حسرة محمد تظهر بشكل أشد عندما يشير إلى  الدور السلبي وشبه الميت للمؤسسات الداعمة  والمنظمات الإنسانية والحكومة المؤقتة و الائتلاف رغم الرسائل والمناشدات التي أرسلوها للضغط على النظام لوضع حد لهذا الحصار ولطلب  العون لأكثر من أربعين ألفا من البشر يتعرضون للإبادة الجماعية عبر التجويع في هذه المنطقة دون أن يتحرك لأجلهم ضمير  .

مظاهرات في بلدة مضايا مطالبة بفك الحصار و فصل مضايا عن هدنة الفوعة

أخبار سوريا ميكرو سيريا