العنوان الأصلي| عن وكالات السفر السرية الصحفية: لا تكتب شيئا، اطلب الستر من الصحفيين الحساد
بين الحين والآخر، تفاجئك رحلات منظمة باسم صحفيين إلى دولة من الدول، فيها كل علامات الأعمال التي تدبر بالليل، ثم ترى هؤلاء المحسوبين على مهنتك سعداء بالتقاط الصور مع الطغاة الذين استضافوهم، لا تستغربوا، فقد كانت الدولة التونسية تنفق ملايين الدينارات سنويا على دعوة أشباه صحفيين لا يكتبون شيئا عن تونس أو يكتبون شيئا لا يصدقه العقل ولا يقرأه أحد، وكانوا يجلبون لهم هدايا من زرابي القيروان وفضة ونحاس المدينة العتيقة وفخار نابل وحتى عاهرات من حيث لا أدري، ومرافقين من المحسوبين على الصحافة، لكي يوحوا لهم بما يجب كتابته عن حاكمنا المجيدهو تقليد تونسي عريق: ففي قلب نظام بن علي، كانت هناك وكالات أسفار صحفية سرية، لا تسمع بها إلا بعد أن تفاجأ بواحد ممن لم يكتب جملة مفيدة في حياته "يأتيه وحي الكتابة فجأة" من نيويورك أو دبي أو باريس أو حتى العراق مثلا رغم أنه لا يقدر على تعريف موقع سيدي بوزيد على الخريطة، تعرف أنهم "كتبوا له"، لكن أغلب الوقت لا أحد يكتب شيئا، لأن المطلوب من "الصحفي المسافر" لا يتجاوز الحضور لأجل التقاط الصور في إطار "حضور وسائل الإعلام الدولية لتخليد الحدث"، ثم السياحة والشوبينغ لإنفاق المنحة المالية، عادة هي الأسماء نفسها الجاهزة لمثل هذا العمل السري.أغلب رحلات وكالة الصحافة السرية تتم وفق "واستعينوا على قضاء حوائجكم بالستر والكتمان"، حتى لا يتفطن لكم الصحفيون الحقيقيون، ولم نفطن للكثير من حروب الرحلات إلى أمريكا إلا بعد تقاتلهم على كتابة التقارير ضد بعضهم البعض، وأعرف رئيس تحرير في مؤسسة معروفة استنفذ كل أصدقائه القلائل في رحلات سنوية في دولة عربية معروفة فقرر إرسال أقاربه بصفتهم صحفيين ولم يكتب أحد منهم، سواء أصدقاؤه الصحفيون أو أقاربه حرفا عن المناسبة، كما أعرف واحدا محسوبا على الصحافة اعترف لي مرة من باب العزة بالإثم أنه فرض على مضيفيه أن ترافقه زوجته، لأنها لم تعد تثق به في الاستجابة لطلباتها في التسوق، كان لابد أن تذهب بنفسها.أما أغربهم على الإطلاق فهو شخص محسوب على مهنة الصحافة قرر كسر الحصار السري على وكالة السفر الصحفية فطاف على سفارات الدول يعرض عليها أن يكتب عن بلدانهم مقابل استضافته، الغريب أنه نجح مرة وكتب حقا بانبهار ردا لجميل من أكرمه بالضيافة ولزوم الهدايا والشوبينغ، وفشل في النشر في المرة الثانية بسبب حسد الزملاء الأشرار الذين منعوا مقالاته من النشر، لكن السفارات الأجنبية كانت قد "تبادلت المعلومات حوله"، لذلك غير طريقة العمل بالعرض والطول، لكنه استمر في السفر رغم كيد الكائدين والحساد وأولاد الحرام وكالة سفر سرية أخرى عمومية هذه المرة.لقد كسر الحصار مرة، لكنه أعطانا السرّ أخيرا: "من يطعمك، يتوقع منك أن تستحي عندما تكتب عنه"، ذلك هو منطق الرحلات الصحفية السرية المنظمة، لذلك نرى وجوه الأغبياء يبتسمون وهم سعداء بالوقوف إلى جانب الطغاة واللصوص لأنهم لا يعرفون شيئا غير ذلك،
كمال الشارني : صحفي تونسي طرد من جريدة الشروق التونسية بعد 17 عاما من الخدمة بسبب مواقفه الحرة