النظام السوري والقضية الفلسطينية.. سنوات المتاجرة في ساعات البيع
«عندما كنت في بيروت أخرجني شارون.. وها هنا شارون يخرجني مرة أخرى من دمشق»، هذا ما قاله الرئيس الفلسطيني الراحل «ياسر عرفات» عام 1983 في تعقيبه على قرار الرئيس السوري آنذاك «حافظ الأسد» بطرده من دمشق، مضى عرفات قبل أن يرى نكبة شعبه الجديدة في سوريا، لكن هذه المرة على يد الأسد الابن. شاهد فيديو
احتكر نظام الأسد (الأب والابن) القضية الفلسطينية سياسيًا وعسكريًا وعقائديًا على مدى 40 عامًا، لاستخدام هذه الورقة في حسابات الداخل وبازارات الخارج ولتحقيق التوازنات التفاوضية والابتزازات الإقليمية، ليضمن بذلك بقاء نفوذه في المنطقة، عبر احتواء الفصائل الفلسطينية الفاعلة بالقوة و «الغدر» تارة، وبالنفوذ والسلطة تارة أخرى، مستندًا إلى ذلك على وجود كتلة بشرية كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في سوريا، والذين بلغ عددهم حوالي 600 ألف شخص قبل بدء الثورة السورية عام 2011.
زج القضية الفلسطينية في أتون الصراع السوري..
بدأت مبكرًا عملية إدخال الفلسطينيين في «المطحنة السورية»، من خلال اتهامات مستشارة رئيس النظام «بثينة شعبان» للفلسطينيين بالوقوف وراء المظاهرات الأولى التي شهدتها الثورة في مهدها بدرعا، لينطلق بذلك قطار المعاناة والتخوين من قبل طرفي الصراع في سوريا من درعا مرورًا بالرمل الجنوبي في اللاذقية وصولًا إلى محطته الكارثية في مخيم «اليرموك».
«رامي مخلوف» ابن خال «بشار الأسد» كان أكثر وضوحًا وصراحةً؛ عندما أعلن أن أمن واستقرار إسرائيل من أمن واستقرار النظام السوري، ليترجم ذلك بعد أيام عبر دفع مخابرات النظام والفصائل الفلسطينية الموالية له مئات الشباب إلى الحدود ودخولهم الأراضي الفلسطينية المحتلة في ذكرى النكبة والنكسة عبر نقطة «مجدل شمس» في الجولان المحتل، الأمر الذي أدى إلى استشهاد وجرح العشرات برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي.
الرسالة وصلت إلى صناع القرار في «تل أبيب» من أجل ممارسة الضغوط على الإدارة الأمريكية بهدف عدم التشدد مع النظام على المدى الطويل من عمر الأزمة في سوريا، معروف قابله «الأسد» بإعلانه الاعتراف بدولة فلسطين تقام على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها «القدس الشرقية» فقط، وتحويل مكتب «منظمة التحرير الفلسطينية» بدمشق إلى سفارة.
اليرموك.. الجرح الفلسطيني المستمر
ينقسم الفلسطينيون في سوريا بين «فلسطينيي 48» من حملة هوية «الإقامة المؤقتة» أو «فلسطينيين سوريين» ينحدر غالبيتهم من مدن صفد وحيفا ويافا والقدس لجئوا إلى سوريا بعد النكبة، و»فلسطينيي 67» ينحدر غالبيتهم من الضفة الغربية وقطاع غزة لا يحملون أي إثبات وطني سوى «قيد» من منظمة التحرير، التي أصبحت سفارة بعد قرار الأسد آنف الذكر.
تحتضن دمشق وريفها غالبية الفلسطينيين في سوريا بنسبة تقارب الـ 70%، وينتشر الباقون في تسعة مخيمات تتوزع بين درعا وحمص وحماة وحلب واللاذقية.
يعتبر مخيم «اليرموك» أو كما يعرف بـ «عاصمة الشتات الفلسطيني» رافعة المخيمات في سوريا بشريًا ورمزيًا ووجدانيًا وحتى سياسيًا وفصائليًا، حيث يضم المخيم الكائن في جنوب العاصمة دمشق أكثر من 150 ألف فلسطيني في مطلع العام 2011، قبل أن تعبث بتركيبته «دوامة الصراع» السوري–السوري والتصرفات «الميليشيوية» لفصائله، ليهبط العدد الآن إلى قرابة 20 ألفًا، حيث يعيش المخيم اليوم في ظل حصارٍ كامل منذ سنتين تقريبًا من قبل قوات النظام ومجموعات فلسطينية موالية أبرزها: «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، و «حركة فتح الانتفاضة»، وسط انقطاع المواد الغذائية والأدوية، التي تسبَّبت بعدد كبير من الوفيات قاربت 160 ضحية.
يقول «أبو علي الخليلي» (اسم مستعار) القيادي المنشق من «حركة فتح الانتفاضة» لعنب بلدي إن الحركة رفضت في البدايةَ طلب الأسد بالانخراط في الصراع السوري، الذي وصفه بالشأن الداخلي للبلد المضيف، لكن النظام هدد باجتثاث الحركة وتهجير أهالي كوادرها وملاحقة قادتها، في حين عرض أحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خدمات فصيله العسكرية واللوجستية للأسد كونه أقرب الشخصيات الفلسطينية من الأسد الأب ويحمل الجنسية السورية.
على عينك يا نظام..
في ظل التضييق والملاحقات الأمنية الممنهجة على الحواجز العسكرية والدوائر العامة، إلى جانب ضغوطات بالانخراط عسكريًا ضد الشعب السوري ومن ثم الحصار والتجويع، كل ذلك دفع الفلسطينيين إلى البحث عن وطن جديد ولو عبر مراكب بدائية في البحر المتوسط.
يلفت «الخليلي» إلى خروج يومي لبولمانات كبيرة من منطقة العدوي بدمشق محملة بعشرات الفلسطينيين أمام نظر النظام وأفرع مخابراته، متجاوزةً الحواجز المنتشرة على طول الطريق بين دمشق وإدلب أو حلب دون أي إعاقة أو مساءلة؛ كما هي الحال مع السوريين المسافرين على ذات الطريق؛ في رسالة واضحة المعالم «هاجروا من هنا بصمت».
الشراكة في إسقاط حق العودة..
يجزم «الخليلي» بوجود اتفاق ضمني بين النظام السوري وبعض الدول الغربية كمندوبة عن «الصهيونية العالمية» بالمساهمة في تهجير الفلسطينيين السوريين وإعادة توطينهم في «وطن بديل»، مقابل عدم الضغط على نظام الأسد سياسيًا على خلفية الجرائم التي يرتكبها في قمعه للشعب السوري.
وفي الدليل، يلفت الخليلي إلى أن الدول الأوروبية التي تستقبل اللاجئين الفلسطينيين تحت بند «بلا وطن»، ومن أبرز شروط قبول الإقامة والجنسية لاحقًا، التوقيع على تعهد أو وثيقة تنص حرفيًا على «عدم العودة يومًا إلى فلسطين»، بل إن أي إشارة في المقابلة بإمكانية زيارة أرض أجداده قد تكون كفيلة في ترحيله.
مثلث القهر..
للفلسطينيين حملة الجنسية الأردنية في سوريا معاناة أخرى، غداة أحداث «شهر أيلول من عام 1970» والتي تعرف باسم «أيلول الأسود» التي أدت إلى إنهاء الوجود الفلسطيني المٌسلح في الأردن، نزح آلاف الفلسطينيين من حملة الجنسية الأردنية إلى سوريا، لتزيد «لعنة الجنسية» معاناة إضافية خلال التعاطي مع الفلسطينيين في الثورة السورية، إذ يؤكد «الخليلي» اعتقال أجهزة الأمن التابعة للنظام، العشرات منهم على الحواجز العسكرية والحدود ومراكز الهجرة والجوازات بتهمة أنه أردني قادم للقتال إلى جانب المعارضة في سوريا.
كذلك لفت القيادي السابق في «حركة فتح الانتفاضة» إلى وجود حالات اعتقال واختفاء حتى على خلفية جنائية، حيث يتم حجز المعتقلين في المقرات الأمنية وبالتحديد في أرهب وأخطر الفروع «فلسطين» أو في مبنى الهجرة والجوازات، ولا يسمح له الخروج إلا إلى الطائرة، بعد طلب من عدد من الدول استضافتهم وعلى رأسهم الأردن، فيما لا تأتي الموافقة سوى من «السودان أو ماليزيا أو البرازيل».
وفي سياق معاناة «فلسطينيي الأردن» في سوريا أشار إلى ترحيل السلطات الأردنية عددًا من العائلات بعيد وصولهم بطريقة غير شرعية إلى الأردن، ولاسيما من «مخيم الزعتري» شمال البلاد.
يشار أن مجموعة «العمل من أجل فلسطينيي سوريا» وثقت مقتل أكثر من 2600 فلسطيني جراء الصراع الدائر في البلاد؛ منذ بداية الثورة السورية منتصف الشهر الثالث عام 2011، بينما قضى قرابة 50 شخصًا منهم خارج سوريا؛ أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا عبر البحر، في حين وثّقت مقتل أكثر من 200 لاجئ فلسطيني تحت التعذيب في سجون النظام، بينما يبقى مصير المئات من المعتقلين الفلسطينيين مجهولًا إلى اليوم.