‘“أحرار الشام”.. هويتان متناقضتان’

7 أغسطس، 2015

محمد برهومة

ليس هو سوى التخبط السياسي والتناقض البنيوي الذي يفسّر أن تقوم حركة “أحرار الشام” الإسلامية في سورية بتقديم “بالغ التعازي” برحيل زعيم حركة “طالبان” الملا محمد عمر، الذي يُذَكّرها “من جديد بمعاني الجهاد والإخلاص”، ويعلّمها “كيف تُبنى الإمارة (الإسلامية) في قلوب الناس قبل أن تصبح واقعاً على الأرض”، وفق بيان الحركة. لنتذكر: هذه الحركة هي نفسها التي نشر أحد قادتها الشهر الماضي مقالين منفصلين في “واشنطن بوست” و”ديلي تلغراف” لتلميع صورة حركته؛ بوصفها تنظيماً سورياً وطنياً معتدلاً جديراً بثقة الأميركيين ودعمهم، وتقديم “أحرار الشام” كأفضل من يقف في وجه تنظيم “داعش”، ويراعي القلق الأميركي بأن لا يَخلف انهيارَ نظام بشار الأسد تفككُ الدولة والجيش في سورية، وتشريدُ الأقليات وتهديدها وجودياً. نحن هنا أمام هويتين متناقضتين، لا تجد الحركة حرجاً في الجمع بينهما، ما دام أنّ خطاب الخارج غير خطاب الداخل، وما دام الاعتدال سطحياً، أو يتم تعريفه فقط بـ”داعش” والمقارنة معه!
أيضاً على المستوى ذاته، ليس هو سوى التخبط السياسي والتناقض البنوي وهشاشة الأيديولوجيا وخطورتها في آن معاً، الذي يفسّر كيف أنّ زعيم “جبهة النصرة” أبو محمد الجولاني أراد قبل أشهر قليلة في مقابلته على قناة “الجزيرة” أن يبعث رسالة معتدلة للغرب بأن حركته لا تستهدفه وأنها تحمي حقوق الأقليات وأنها حركة سورية وليست عابرة للحدود، ثمّ نقرأ ونسمع ونشاهد فيديو خطف “النصرة” مقاتلين سوريين مدربين ضمن البرنامج الأميركي للمعارضة المعتدلة؛ متهمة إياهم “بالتعاون مع الغرب”، وأن “جنود جبهة النصرة يبدؤون عملية عسكرية تهدف لمنع تمدد الذراع الأميركية في الشمال السوري”، كما أشار فيديو “النصرة”! ولو أردنا التعميم وتوسيع الفرجار، لقلنا إن ثقافةً سياسيةً سائدةً في منطقتنا لا تجد غضاضة من التناقض في القول: يمكن أن تكون صديقاً للغرب مع سلطويتك وانتهاكك لحقوق الإنسان وتصادمك مع العصر!
من نكد الدنيا على السوريين أنهم خاضوا نقاشاً مستفيضاً من بداية تحركهم السلمي قبل أكثر من أربع سنوات، خلصوا فيه إلى أنه لا يمكن أن يكون الحلّ في سورية بأنْ تَخلف الدكتاتوريةَ السياسية دكتاتوريةٌ دينيةٌ، ثمّ يفاجأون اليوم ببيانات من عدد من “الشرعيين” العرب في فصائل “النصرة” و”أحرار الشام” و”جيش المهاجرين والأنصار”، تقول لهم: “من نعمة الله ظهور الخوارج المارقين (يقصدون “داعش”) لتتمايز الصفوف ولا يبقى مع المجاهدين إلا أهل الاعتدال الذين عليهم ينزل النصر”! والغريب أنّ “أهل الاعتدال” هؤلاء في بياناتهم نفسها لا يحلو لهم إلا تكرار أن أسلحتهم موجهة نحو “الساحل النصيري”. هكذا الاعتدال.. وإلا فلا!

المصدر: الغد الأردنية

““أحرار الشام”.. هويتان متناقضتان”