سورية: حراك في دائرة مفرغة!

منار الرشواني

رغم ما يبدو عليه من كونه حراكاً دولياً وإقليمياً غير مسبوق في كثافته، وربما جديته، لإيجاد حل للحرب في سورية، إلا أنه في الوقت ذاته حراك لم يغادر الدائرة المفرغة ذاتها التي سمحت باستمرار هذه الحرب لأكثر من أربع سنوات حتى الآن.
فبعد فشل مراهنة الأسد وحلفائه على الحل الأمني العسكري منذ اليوم الأول للثورة، لإجهاض أي مبادرة إصلاح في سورية، يواصل هؤلاء خصوصاً الآن التصرف من موقع “المنتصر!” الذي يتمسك بمواقفه الاستبدادية الأولى ذاتها، إنما بالمراهنة حالياً على خطر تنظيم “داعش” إقليمياً، لاسيما وقد امتد بعملياته الإرهابية إلى دول الخليج العربي وتركيا، الداعم الأهم لفصائل المعارضة السورية المسلحة. بعبارة أخرى، فإن الحل المطروح إيرانياً وروسياً يقوم -كما كان دوماً- على إطلاق يد الأسد لاستكمال إبادة الشعب السوري، مع غطاء حكومة “وحدة وطنية” كالقائمة الآن؛ لكن كثيرين ينسون ذلك، بوجود وزير ما يسمى “المصالحة الوطنية” علي حيدر، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية قدري جميل قبل طرده.
وبعيداً عن كل جرائم الأسد ونظامه، والتي هي استمرار لجرائم النظام ذاته في عهد الأسد الأب، فلا يبدو أن سورياً واحداً يتقبل حتى العودة إلى الوضع القائم قبل آذار (مارس) 2011، وعلى رأس السوريين في ذلك اليوم حاضنة الأسد الاجتماعية التي دفعت ثمناً باهظاً لإبقائه في الحكم. خير ما يعبر عن هذه الحقيقة، التظاهرات غير المسبوقة التي شهدتها اللاذقية قبل أيام للمطالبة بالقصاص من سليمان هلال الأسد بعد إقدامه على قتل عقيد في جيش النظام أمام عائلته، بسبب خلاف مروري! فيما كانت هكذا جريمة، وهي ليست الأولى، تمر بلا أدنى اعتراض من قبل كل السوريين، بمن فيهم العلويون.
أهم من ذلك، وبقبول رؤية الأسد وحلفائه الإيرانيين والعرب (وليس الاستعماريون الغربيون) بأن السوريين خصوصاً والعرب عموماً ليسوا أهلا للحرية والكرامة، فإن هؤلاء يظلون مهمين لمحاربة تنظيم “داعش”، كما هي الغاية المعلنة، لاسيما مع تراجع قدرات قوات الأسد وعديدها. وفي حال إصرار إيران وروسيا أن أكثر ما يمكن تقديمه للسوريين بعد أكثر من أربعة عقود من الاستبداد والفساد، هو النجاة من الموت الجماعي الذي شهدوه على امتداد السنوات الأربع الماضية، فإن حصاد هذا العرض لن يكون، بأفضل التوقعات، إلا تحييد من يُفترض بهم القتال ضد “داعش”، لأنهم سيقاتلون في الواقع لأجل الأسد، وليس سورية. أما النتيجة الأكثر توقعاً، لاسيما في حال قطع الإمداد عن المعارضة، مع بقاء الأسد واجهة للحكم الإيراني، فهي بالتأكيد إمداد “داعش” بمزيد من المقاتلين في سورية، ومزيد من المؤازرين، الذين بينهم الكثير من “الذئاب المنفردة”، خارجها.
حتى تصدق النوايا المعلنة لروسيا وإيران في محاربة الإرهاب، فإن عليهما رد الاعتبار للركن الأساس في ذلك؛ أي الشعب السوري. أما كل الجهود والحلول المدعاة الآن، فهي وصفة لتقوية للتطرف والإرهاب، مهما قيل خلاف ذلك، والعراق خير دليل رغم قوة تحالف أميركا وإيران ومليشياتها الطائفية.

المصدر: الغد الأردنية