الصعود السعودي الإقليمي

د. موسى شتيوي

كانت السعودية دوماً قوة عربية وإقليمية ذات ثقل اقتصادي وسياسي، ليس فقط في المنطقة العربية، وإنما في الشرق الأوسط، وحتى على المسرح العالمي، وبخاصة فيما يتعلق بالنفط، وقيادتها لمنظمة “أوبك” مثال.
الاستراتيجية السعودية في السابق كانت تتسم بالهدوء والسياسة الناعمة، واللجوء للقنوات الدبلوماسية. فلم تكن السعودية ترغب في حب الظهور والتفرد. وكانت -في الغالب- تمارس دورها من خلال الأطر والمؤسسات العربية والإقليمية، سواء كان ذلك من خلال مجلس التعاون الخليجي، أو جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. فكانت السياسة السعودية لا تقوم على المواجهة المفتوحة والصدام.
لكن ما نشهده الآن ليس تغيرا في السياسة السعودية، بل هو صعود مفاجئ للسعودية باعتبارها دولة إقليمية تأخذ زمام المبادرة بيدها، من دون الحاجة إلى إجماع الأطر العربية السابقة على هذه السياسة، وإنما من خلال تفاهمات واتفاقيات مع الدول الإقليمية المهمة. وهناك عدة أسباب لبروز السعودية بوصفها لاعباً إقليمياً بحد ذاته، وليس من خلال المنظومة العربية أو الإقليمية.
أولا، تصاعد دور القوى الإقليمية بوصفها فاعلة رئيسة، بسبب تراجع دور الدول العظمى، وبخاصة الولايات المتحدة. والإشارة هنا إلى إسرائيل وإيران وتركيا. فقد أصبحت هذه القوى الإقليمية تؤدي دوراً أو أدواراً باستقلال نسبي عن القوى العظمى، وأحياناً باختلاف مع الدول الكبرى. والدول الإقليمية جاءت لتسد الفراغ في القوة التي تركها انهيار الاتحاد السوفييتي، وتراجع الدور الأميركي.
ثانياً، التغيرات الجيوسياسية التي حصلت في المنطقة، بداية مع الاحتلال الأميركي للعراق، وخروج الأخير من المعادلة باعتباره دولة إقليمية مهمة؛ وانتهاء بالزلزال الذي نجم عن “الربيع العربي” بدخول سورية في صراع مسلح، أخرجها أيضاً من ميزان القوى بالمنطقة العربية، وكذلك مصر إلى حد ما، إذ انشغلت بثوراتها الداخلية منذ إطاحة نظام حسني مبارك، مروراً بتصاعد الإرهاب في سيناء وغيرها.
الخلاصة هي خروج ثلاث دول أساسية من دائرة الفعل والتأثير من المنظومة الجيو-استراتيجية العربية؛ مصر والعراق وسورية، فلم يعد في المنطقة من الدول العربية الكبيرة سوى السعودية.
ثالثاً، انهيار أو ضعف قدرة الأطراف العربية على الإجماع بشأن أغلب الملفات، خاصة المرتبطة بالصراعات الداخلية في الدول العربية، والتي نجمت عن “الربيع العربي”، وتحالف دول مهمة من المنطقة، مثل التحالف الإيراني السوري، والقطري التركي وغيرهما. وهذه التحالفات وجدت نفسها في تعارض مع الرؤية والمصلحة السعودية، ولاسيما فيما يتعلق بالإخوان المسلمين.
رابعاً، إن مخرجات “الربيع العربي”، والتدخلات الإقليمية، وبخاصة من قبل إيران، في الخلافات الداخلية للدول المجاورة للسعودية، مثل اليمن والبحرين، وصعود تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق وسورية، باتت تهدد -بشكل مُباشر- الأمن القومي السعودي والخليجي أيضاً.
خامساً، لا نستطيع أن نهمل دور التغير في القيادات السعودية بتولي الملك سلمان بن عبدالعزيز السلطة، وصعود الجيل الثاني أو الشباب في قيادة الدولة، وبما أدى إلى مراجعة كاملة للسياسات السابقة للمملكة.
إن هذه التحولات والتغيرات مجتمعة، أدت الى تغير استراتيجي في نظرة السعودية لدورها، والانتقال لتبوؤ دور إقليمي يتعامل مع القوى الإقليمية من منطلق الندية. ويبدو أيضاً أن المراجعة قادت لأن تأخذ السعودية زمام المبادرة في التعامل مع التهديدات التي تواجهها، كما تجلى ذلك في “عاصفة الحزم” في اليمن، ثم الحراك غير المسبوق للتعامل مع الملفات الاقليمية بكل انفتاح، وبخاصة مع الدول التي كانت تعتبر في المعسكر المعادي سابقاً، مثل روسيا وسورية وغيرهما.
السعودية اتجاهها لأن تكون القطب الإقليمي الرابع في المنطقة، إضافة إلى إيران وتركيا وإسرائيل.

المصدر: الغد الأردنية