هل تعرفون الفرق بين آمرلي العراقية وعين العرب السورية؟

أرشد هورموزلو

هل تذكرون ما كان ينشر في صفحات التسلية في بعض المجلات من صورتين كان عليكم أن تكتشفوا الفروق السبعة بينهما؟

لنذهب إلى تقليد ذلك فنكتشف الفوارق السبعة أو السبعين إذا أردتم بين بلدتين صغيرتين كان أهلهما ينعمون بالأمن ويقضون وقتهم في طلب الرزق وتنشئة أولادهم، الأولى هي آمرلي في شمال العراق والثانية هي عين العرب (كوباني) في شمال سورية.

إذا اكتشفنا الفوارق السبعة على الأقل سوف نفهم إلى حد معقول ما ترمي إليه الولايات المتحدة الأميركية ومعظم الدول الغربية في هذه المنطقة، فلنرَ ما هي الفروق أولاً.

أكاد أكون متأكداً أن الكثيرين منكم لم يسمعوا باسم آمرلي قبل ذلك أو يعرف القليل منكم النزر اليسير عنها.

آمرلي بلدة صغيرة في شمال العراق تبعد عن مدينة كركوك 104 كيلومترات وعن مركز قضاء طوز خورماتو 25 كيلومتراً وعن مفترق الطريق الذي يصل بين كركوك وبغداد ثمانية كيلومترات فقط. يبلغ عدد سكانها مع القرى المحيطة بها خمسة وأربعين ألفاً، ويحكى أن مركز البلدة كان فيه أكثر من عشرين ألفاً، بقي 15 ألفاً منهم تحت حصار رهيب من قبل عصابات «داعش» لمدة 81 يوماً بالتمام والكمال.

أما عين العرب (كوباني باللغة الكردية) فلا يوجد من لم يسمع بها هذه الأيام، وأنا متأكد أنكم شعرتم بالقلق حول مصيرها وأنا أشارككم هذا الشعور، هي مدينة في أقصى الشمال السوري وتفصلها عن الحدود التركية أمتار قليلة فهي تتبع محافظة حلب إدارياً وتبعد عنها حوالى 150 كيلومتراً ويبلغ عدد سكانها خمسة وأربعين ألفاً.

ولنتحدث الآن عن الفوارق. آمرلي بلدة عراقية يسكنها تركمان العراق على وجه التحديد، أما كوباني فهي بلدة سورية يسكنها أكراد سوريون.

أهل آمرلي أشاوس قاوموا الحصار «الداعشي» لمدة 81 يوماً ولم يستلموا إلا النزر اليسير من المساعدات عن طريق التهريب من قبل بني جلدتهم ومن بعض المنظمات المدنية التي استجمعت جل شجاعتها للاقتراب من موقع النزاع. وبعد هذه المدة هرعت لنجدتهم بعض القوات العراقية ومنظمات جنوبية وبعض البيشمركة، وصاحبت ذلك بعض الغارات الخجولة من قبل الطائرات الأميركية. لم يستسلم فرد واحد من الذين قاوموا الحصار والهجوم ودفنوا شهداءهم بصبر وتوكل. تم صد جميع هجمات «داعش» وانسحبت القوات المحاصرة وتحررت آمرلي بعز كان تاجه صمود أهلها.

أما كوباني فقد استقطب الاهتمام بها الضمير العالمي، وقامت القوات الأميركية وقوات التحالف بغارات يومية على مواقع «داعش» بلغت عشرات الآلاف. وعلى رغم الجدال حول وضعية «قوات حماية الشعب» وهي الجناح العسكري لـ «حزب العمال الكردستاني» في سورية فإنها استلمت ولا تزال تتسلم إمدادات عسكرية ولوجستية في شكل شبه يومي. وغني عن القول أن بعض هذه المساعدات يذهب مباشرة إلى عصابات «داعش» مما عزز نظريات المؤامرة السائدة في منطقتنا حول كيفية حصول هذه الزمرة على قسم من هذه الإمدادات واستعمالها ضد الأهداف المدنية في كوباني.

تمنيت دوماً خلاص كوباني، فأهلها يستحقون الحياة الكريمة أولاً، وسقوطها كان يمكن أن يؤثر على الأمن القومي التركي من ناحية أخرى. ولكنكم سوف لن تستغربوا إذا تساءلت معكم أين كان هذا الضمير العالمي عندما سقطت الموصل وأعمل الجزارون المذابح قي قضاء تل عفر التي كانت تضم أربعمئة ألف نسمة وعندما أجهزت «داعش» على اللاجئين إلى سنجار في الشمال الغربي من العراق وقامت بسبي النساء من تركمان وأيزيديين وعرب؟

بل أين كان الضمير العالمي عندما استحوذت جماعات مسيرة أخرى على صنعاء وأراض شاسعة في اليمن؟ ولماذا يتغافل الناس عن خطر محدق بمدينة بغداد نفسها؟

من يريد أن يمثل الضمير العالمي في يومنا هذا يطلب من تركيا أن تهيئ المرور الآمن إلى الأراضي السورية لمحاربة «داعش» وإنقاذ تل أبيض مثلما أنقذت كوباني، وهذا مطلب فيه الكثير من الموضوعية، ولكن الجهات نفسها لا يحق لها أن تطلب من تركيا أن تسلح عناصر «حزب العمال الكردستاني»، الذين نعتبرهم إرهابيين. فلا يعقل أن تسلح عدوك وتمكنه من الإجهاز عليك، أليس كذلك؟

وبعيداً عن التساؤلات حول حماس حلفائنا الغربيين لإنقاذ كوباني وبلدات أخرى بينما لم تحرك ساكناً إزاء الرقة وجرابلس واللاذقية وحلب وحمص وغيرها، بل وحتى بغداد، تراوح مسألة إنقاذ شعب بأكمله هو الشعب السوري من انتهاك النظام السوري لحقوق الإنسان وإجهازه على شعب كامل في مكانها انتظاراً ليقظة أخرى من قبل الضمير العالمي.

بعد الحرب العالمية الثانية تم تشكيل هيئة الأمم المتحدة بديلاً عن عصبة الأمم التي استهلكت أسباب وجودها وتم الاشتراط على دول العالم أن تعلن الحرب على دول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان) كشرط للانضمام للمنظمة الجديدة. وبعد الحرب العالمية الثالثة التي انتهت بتحرير الكويت في التسعينات من القرن الماضي، ها نحن نرى الحرب العالمية الرابعة التي تخوضها خمسون دولة ضد منظمة إرهابية بشعة. وقد ينتج من ذلك الولوج إلى منظومة عالمية جديدة يشترط للانضمام إليها أن تكون الدول جزءاً من التحالف الدولي لمجابهة ما يسمى «الدولة الإسلامية». حينئذ لا يكون الأمر والنهي في هذه المنظومة للخمسة الكبار بل لدولة أو اثنتين. فقد أصبح ثوب مجلس الأمن فضفاضاً وأدى الكومبارس دورهم وانتهى الأمر وأصبح الطريق سالكاً لكي يختار عمدة المنظومة الجديدة من يجب إنقاذه ومن لا يجب.

هل اكتشفتم الفروق السبعة التي تحدثنا حولها آنفاً؟ إذن لا تنتظروا خلاصاً سريعاً لشعوب هذه المنطقة من الاضطرابات والمطبات اليومية إلا إذا أخذت شعوب هذه المنطقة حل مجمل هذه الأمور على عاتقها بكل جد.

قد تتساءلون ما هو الحل؟ وطبيعي أن الحل يكمن في استنهاض الهمم لكي لا تبقى هناك ثغرة في أمن المنطقة وهذا ما يجب أن تفعله دول المنطقة من دون انتظار غارات الحلفاء. هذا الأمر يتوقف على احتضان تركيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج ومصر لهذه الأفكار والخطط. أما إيران فيجب أن لا تستثنى من معادلة المنطقة شرط أن تكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة.

المصدر: الحياة اللندنية