الحل في الميدان السوري

غازي العريضي

البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع ودعم خطة الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا إلى سوريا، أكد الشراكة الأميركية- السورية حول العناوين التي ينبغي العمل عليها لحل الأزمة السورية سياسياً، وهو الموقف الأول الذي يصدر منذ سنتين تقريباً، إذ لم يكن ممكناً التوافق بين موسكو وواشنطن سابقاً. البيان نصّ على تشكيل أربعة فرق عمل لبحث المسائل التالية: السلامة والحماية، مكافحة الإرهاب، القضايا السياسية والقانونية وإعادة الإعمار. ومن المفترض أن ينطلق التحرك في هذا الاتجاه خلال الأيام المقبلة، وينتهي في أكتوبر المقبل ويتم تشكيل مجموعة اتصال إقليمية دولية تساعد على تحضير الأجواء لعقد مؤتمر جنيف 3 في نهاية العام الحالي.

البيان لم يؤكد أولوية مكافحة الإرهاب وكبند وحيد، كما كان يصرّ النظام، ولم يشر إلى ضرورة مغادرة الأسد السلطة في بداية العملية السياسية، كما كانت تصرّ المعارضة. والمعارضة لم تعد الائتلاف الوطني الذي اعتمد في مرحلة معينة مرجعية وحيدة. ستكون هناك قوى أخرى خارج الائتلاف من الداخل ومن الذين اجتمعوا في القاهرة وسيكون ثمة دور للقاهرة. موسكو كلفت بالمتابعة لكن أسئلة كثيرة تطرح حتى إشعار آخر إن «النصرة» و«داعش» فصيلان أساسيان في الحرب السورية، في المعارضة، هل يمكن تجاوزهما في وقت لا يمكن دعوتهما؟ وكيف يكون حل من دونهما؟ أم أننا سنكون أمام حرب لإضعافهما وإلغائهما حتى يتكوّن الحل؟ ومن يقبل ويضمن ذلك؟ في وقت يؤكد المسؤولون الروس أنهم سمعوا من وزير الخارجية الأميركية جون كيري أن «داعش» أخطر من الأسد، وأن التوقيت ليس لإزاحة الأخير. الأولوية هي لمواجهة «داعش»، لكن هذا الموضوع يصعّب عملية تشكيل لجنة الاتصال الدولية الإقليمية، والتي من المفترض أن تضم إلى جانب روسيا وأميركا وعدد من الدول الغربية، كلاً من إيران والسعودية وتركيا ومصر. لكن، تركيا ترفض مشاركة مصر. والسعودية ترفض في المبدأ مشاركة إيران، فضلاً عن أن إيران لم تعط جواباً واضحاً حول التزامها بـ «جنيف 1» حتى الآن. الروس قالوا إنهم سيأتون بهذا الجواب الإيجابي في نهاية حوارهم مع الإيرانيين، لكنهم أشاروا إلى أن موقف قوى إقليمية أساسية يؤكد صعوبة الاتفاق مع الأسد أو بوجوده لتشكيل حلف لمواجهة المتطرفين، ومن الصعب إقناع المعارضة وفصائل مهمة مسلحة بهذا الأمر. فيما أكد وزير الخارجية لافروف: «إننا قادرون على تشكيل هذا الحلف ضد داعش، والتأكيد إن تنحي الأسد ليس شرطاً لأي تفاوض، كما أن بقاءه بعد المرحلة الانتقالية ليس شرطاً مسبقاً لأي تفاوض»، وهذا يؤكد المعادلة الأميركية الروسية التي أشرنا إليها أكثر من مرة والتي بموجبها تقول واشنطن: «بدء العملية السياسية ليس مشروطاً بتنحي الأسد»، وتقول موسكو: «انتهاء العملية السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد».

في انتظار الوصول إلى مثل هذه التفاهمات، ستكون الكلمة للميدان كما أصر على القول مسؤولو النظام السوري، مما يعني أننا سنكون أمام مجازر جديدة وبراميل متفجرة، ومعارك طاحنة ودمار وخراب، وقتل، وإعدامات جماعية وفردية وتجويع وتعطيش وتهجير، وسيحاول كل فريق في الداخل مستقوياً براعيه في الخارج تحقيق مكتسبات على الأرض ويبقى السؤال الأبرز: هل تقوم موسكو بما تقوم به فقط في حدود دورها في سوريا والجوار؟ هل ستكون مهمتها وشراكتها مع أميركا بحدود الدور في سوريا وحلّ أزمتها كافية؟ أعود وأقول: لا. روسيا أيضاً تلعب كل أوراقها وتكرّس دورها في العلاقة مع إيران وتطورها بعد اتفاق الأخيرة مع مجموعة ال 5 + 1، وفي الانفتاح على دول الخليج، واستخدام أوراقها الأخرى في أوكرانيا التي هي البوابة الأساس للشراكة مع أميركا والغرب عموماً. والسؤال الآخر: هل تريد أميركا شراكة على هذا الأساس؟ حتى الآن كل المؤشرات تؤكد التعنت الأميركي ضد الروس، بل العمل على استهداف روسيا. فوزير الدفاع «آشتون كارتر» وصف روسيا الواقعة تحت سيطرة بوتين بأنها «خطر وجودي بالنسبة إلى أميركا، وتتصرف كخصم، مما يحتم على الولايات المتحدة مقاومة هذا الأمر».

أما رئيس هيئة الأركان «جوزف دونفورد» فقال: «الحديث عن دولة بعينها يمكنها أن تهدد وجود أميركا يعني الحديث عن روسيا دون أدنى شك»! وبالتالي فإن ما يجري الآن على المستوى السوري هو تمرير مرحلة ما بعد اتفاق فيينا والاستفادة من الجهد الروسي، لتضم نتائجه إلى جملة الأفكار التي طرحت سابقاً للحل. حتى عندما تأتي الساعة يأتي الحل مبنياً على تراكم كل أفكار جولات الحوار المتأتية في ظل أو بعد جولات النار والدمار على الأرض، تلك كانت التجربة في لبنان التي وصلنا معها إلى الطائف!

الطريق إلى «طائف» سوري طويل محفوف بالمخاطر والفرز الديموغرافي واستنزاف وإنهاك اللاعبين المحليين والإقليميين. والإدارة الأميركية ليست في عجلة من أمرها، وهي أثبتت أنها لو أرادت الحل أو تحقيق خطوات معينة لتعديل شروط اللعبة في سوريا لفعلت ذلك بنجاح. عدم إقدامها في هذا الاتجاه ليس صدفة. وإيران تجري مصالحاتها مع الغرب وتفتح سفارات لها هنا وهناك، وروسيا تنتظر مصالحتها من البوابة الأوكرانية. الخاسر الأكبر سوريا وشعبها والرابح الأكبر إسرائيل.

المصدر: الاتحاد