المهاجرون والموت

صادق ناشر

منظر المئات من المهاجرين السوريين وقد لفظتهم مؤخراً أمواج بحار المتوسط، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء، يدمي القلوب. كان مشهد الجثث وهي متناثرة على الشواطئ الليبية، بالإضافة إلى الشاحنة التي كانت تقل 17 شخصاً ماتوا بداخلها في النمسا، يكرس حقيقة قيمة المواطن العربي الذي صار يجد الموت خارج بلده كما كان يجده على أيدي أنظمته.

حذر كثيرون من ظاهرة الموت عبر الهجرة على أيدي تجار بشر يعملون على تهريب الناس بواسطة قوارب الموت، إلا أن هناك إصراراً من قبل العديد من الضحايا على اتباع هذه الطريقة للنجاة من المأساة التي يعيشونها في بلدانهم.
من المسؤول عن هذا التشرد الذي يصيب المواطن العربي في كل مكان؟ من جعل العربي يهيم على وجهه في أرض غير أرضه ويبحث عن أمان ظل يفتقده في بلده؟ لقد تحول الإنسان العربي إلى رمز للجوء، فكثيرون من المهاجرين عبر البحر إلى أوروبا يدركون مخاطر ما يقومون به، لكنهم يصرون على فعله أملاً في الحصول على حياة جديدة بعيداً عن رائحة الدم والبارود التي يجدونها في بلدانهم حيث تقوم الأنظمة العربية باضطهاد مواطنيها.
ملايين العرب يشقون طرقهم عبر البحر والبر إلى أوروبا، بعضهم يجد ضالته بعد أن يكون قد أنفق كل ما يملك من أجل الحصول على مكان آمن يؤويه ويجعله قادراً على رسم مستقبل أولاده، وبعضهم يتربص به القدر فيختطف روحه وأرواح أبنائه من دون ذنب اقترفوه سوى الرغبة في العثور على حياة جديدة في دول الغرب، فيما بعض الأنظمة تقبض أرواحهم وهم من أبناء جلدتها من دون رحمة ولا شفقة وهي في نفس الوقت تتحدث عن الإسلام وتحكم بشريعته.
معظم أنظمتنا العربية تتفنن في البطش والقتل والإيذاء اعتقاداً منها أن هذه هي الوسيلة الوحيدة للبقاء في السلطة، ويتماهى مع هذه القناعة الكثير من المثقفين الذين يبررون لهذا النظام أو ذاك، فيزينون ما تقوم به هذه الأنظمة في الوقت الذي يشاهدون فيه الملايين وهي تنزح من بلدانها في اتجاه أوروبا وأمريكا وغيرهما للحصول على بصيص من أمل لحياة جديدة.
منظر المهاجرين وهم على قوارب الموت في البحار، ومنظرهم وهم يفترشون الأرض في حدائق بعض الدول الأوروبية مثل مقدونيا والمجر، أملاً في العبور إلى بلدان أوروبية يفضحان أنظمتنا العربية ويعريان شعاراتها التي ترفعها في إطار دفاعها عن العروبة والإسلام.
ويبدو أننا سنرى المزيد من التدفق الكبير للمهاجرين العرب إلى أوروبا خلال الفترة القليلة المقبلة، لأنه من الواضح أن الأنظمة العربية لا تريد أن تضع حداً لمعاناة من تحكمهم، فالموت هو الهدية الوحيدة التي يمكن لهذه الأنظمة أن تقدمها لمواطنيها، وعلى المواطنين إذا ما أرادوا العيش اللجوء إلى أية وسيلة أخرى للفرار من بلدانهم حتى يتمكنوا من النجاة بما تبقى من أعمارهم ويرسموا مستقبلاً لأبنائهم، سيضيع إذا ما بقوا في أماكنهم يستقبلون الموت والخراب.

المصدر: الخليج الإماراتية