سوريا خارج الإطار

التأطير هو فن الاختيار، فن تضييق الفضاء، فن تحديد ما هو في الخارج وفي الداخل وإعطاء هذا الأخير السلطة المطلقة للتحدث في حين يبقى السابق صامتاً. يصف الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز الإطار بأنه "نظام مغلق، وهو في جوهره كاشفٌ. حيث أنه ينقل البيانات والمعلومات البصرية للمشاهدين الذين، في الحقيقة فهمهم للعالم مؤطر، ومع ذلك فإن دولوز يلاحظ أن كل التأطير يحدد مسمّى خارج الحقل “يتواجد في مكان آخر". المكان الآخر للصورة هو موضوع معرضنا " المكان الآخر للصورة هو موضوع معرضنا "سوريا خارج الإطار". هو وجود مؤرق، لأننا حتى لو كنا لا نراه فمع ذلك هو هناك. خارج الإطار يشير إلى أن الصورة تستمر، فهي تمد نفسها على حواف ما نراه، وتقطن مساحة إضافية يمكن العثور عليها في مكان ما خارج الإطار. رحلتنا البصرية من خلال أعمال 140 فناناً سورياً هو بحث عن هذا الذي لم يُرَ بعد، ولم يقال بعد، ولم يستكشف بعد. في السنوات الماضية غزت سوريا شاشاتنا بواقع مقلق مصنوع من العنف والدمار والموت. بعد الحماس الأولي في آذار/مارس 2011، بسبب حراك المجتمع المدني الذي تم توثيقه بشكل كبير من خلال تسجيلات الفيديو بأجهزة الموبايل الصغيرة، تعبت عيوننا بسرعة من مشاهدة هذه الصور المبكسلة ومنخفضة الدقة التي سرعان ما أصبحت مليئة بطريقة غير مستحبة بالدم. ولذلك، قررنا أن سوريا كانت شديدة التعقيد بحيث لا يمكن فهمها. لقد علقنا في إطار العنف المبكسل، وتخلينا عن البحث عن ذلك في أي مكان آخر من الصورة. ولكن هذا المكان الآخر يمكن أن يكون موجوداً في كل مكان. في الإيماءات اليومية للرسم من المنطقة المحاصرة، حيث تصبح صناعة الفن الشكل الأكثر ضرورة للعيش. في الذكريات الصغيرة لطفولة في قرية سورية يتم الحفاظ عليها وإحياؤها من خلال الألوان في الرسم والشعر. في مخيم للاجئين حيث يستخدم الأطفال الحجارةَ لرسم آمالهم وغضبهم، وأداء مسرحية لشكسبير عن طريق السكايب مع أقرانهم الذين يعيشون في مدينة بعيدة مدمرة. ضد ضخامة اللعبة الجيوسياسية التي لعبت في سوريا، ومع سوريا ضد أولئك الذين يؤكدون أن سوريا شديدة التعقيد بحيث لا يمكن فهمها. لذلك لجعلها تُحَب، بحثنا خارج الإطار للعثور على المكان الآخر لهذه الصور البالية والمكررة إلى ما لا نهاية التي تظهر يومياً على شاشاتنا. وقد وجدناه في الحياة المصغرة التي تبرعمت بطريقة ساحقة من 10x12 سم كانفس معروضة بعدد 140 في المعرض. نحن لا يمكننا أن نجد شكلاً أفضل من الكانفس المصغرة التي قدمها مشروع Imago Mundi . ما هو أفضل إطار إذا أردنا أن نخرج من الإطار؟ ما هو الشكل الأفضل من خارج الإطار للبحث عن المكان الآخر للصورة؟ اللوحات المائة والأربعون المعروضة تتحدى الواقع الوجودي (المزعوم) في إطار سوريا التي نراها كل يوم. إنها تشير إلى غير المرئي وغير المعلن وغير المسموع. إنها تقترح وسيلة جديدة لإشراك روايتنا عن سوريا، والتي هي أيضا وسيلة جديدة للنظر إلى أنفسنا كبشر. أين نحن؟ أين كنا عندما نشأت كل هذه الأشكال الإبداعية على أيدي وأرواح الناس الذين يتوقون للحياة والجمال؟ إلى ماذا كنا ننظر بينما كانت هذه الصور التي تحكي قصصاً أخرى - بدلاً من القصة التي أصبحت مألوفة جداً لنا- تصوّر ويتم تشكيلها وتأخذ شكلاً؟ "سوريا خارج الإطار" يقدم 140 فناناً سورياً من مجموعة واسعة من الأجيال تمتد من الخمسينات إلى التسعينات. ومن عدة مدن وقرى سورية ومن خلفيات دينية وعرقية متنوعة. يضم المعرض رسامين ومصورين ورسامي كاريكاتير وشعراء وخطاطين وفناني مسرح ومخرجين وفناني غرافيتي وصانعي أفلام. وهو يشمل كلاً من الفنانين المعروفين الذين يتم عرض أعمالهم وبيعها عالمياً، وطلاب الفنون الجميلة الواعدين الشباب الذين بدأوا للتو مسارهم الفني. إنه يحتضن الفنانين الذين مازالوا يعيشون داخل سورية، ويبدعون أعمالهم الفنية في نقص من الكهرباء والماء والغذاء. بعضٌ منهم يعيشون تحت الحصار، وآخرون يعيشون تحت تهديد يومي بالقتل لمجرد الخروج دون أي سبب. ويعرض أعمال الفنانين السوريين الذين يعيشون في جميع أنحاء العالم؛ من أولئك الذين أجبروا مؤخرا على الفرار من البلاد لأولئك الذين ولدوا في الشتات. ضمن هذا الإطار المصغر الذي يحمل توقيع مشروع Imago Mundi، طارد هؤلاء الفنانين المكان الذي تستمر فيه الصورة خارج الإطار. من ذلك المكان، أتى الشعراء بكلمات مصورة من قبل خطاطين بحروف عربية جماليتها قوية بحيث أنها لا تتطلب من المشاهدين فهم اللغة العربية من أجل أن تكون مفهومة. وقد سأل رسامو الكاريكاتير والرسامون أسئلة لم يتجرأ أحد أن يسألها وقاموا بتصور الإجابات التي لا توصف. وصوب المصورون عدساتهم مباشرة إلى أرواح السوريين الذين تشغلهم أنشطتهم الحياتية اليومية. وأعاد فنانو الغرافيتي رسم صور أيقونية تتحدث عن الحرية التي تبقى على الجدران السورية وفي ذاكرة الشعب السوري. وقد لعب الفنانون التصويريون والرسامون بالوجوه والأشكال والأماكن وقاموا بإعادة خلق الثراء البصري للبلد الذي ليس عن طريق الصدفة وصف بالفسيفساء. ثمة مشروعان جماعيان معروضان في المعرض: المشروع الأول "من عمان إلى حمص الفن كمقاومة"، ولد من التعاون بين الممثل السوري نوار بلبل والأطفال السوريين اللاجئين في عمان وأقرانهم الذين يعيشون تحت الحصار في حمص والرسام الفرنسي جان إيف بيزين. الأحد عشر طفلاً الذين أدوا معا عن طريق سكايب تصوراً لمسرحية وليم شكسبير "روميو وجولييت"، قاموا بالمشاركة من خلال نوار وجان إيف وأبو أمين مدرب الفريق في حمص في إبداع الـ 10x12 كانفس. من أجل أن يقوم بيزين بتصور أفكارهم على الكانفس، سئلوا سؤالان: عندما تنظر إلى السماء، ما اللون الذي تراه أو تريد رؤيته؟ ما الكلمة التي سوف تكتبها عليه؟ لا نزال نرى زرقة السماء في هذه اللوحات (وفي إجابات الأطفال) حتى لو ظهرت خطوط حمراء. إنها تبدو كما لو كنا نستطيع سماع هؤلاء الأطفال يتحدثون من حمص إلى عمان: أمل، حياة، عودة، سلام، عدالة، حرية، يصرخون بها لنا. "بيكسل سوريا" هو تنصيب لـ 35 " موبايل فيديو" كانفس تم إنشاؤها وتصميمها من قبل زاهر عمرين. كل كانفس فيه جهاز موبايل كجزء لا يتجزأ منه ويخفي جوهرة: فيديو من دقيقة واحدة تم تصويره بكاميرا الموبايل من قبل مخرج سوري. كل فيديو يحتوي على قصة قصيرة بصرية ومزاج مختلف والذي قام زاهر بترجمته وعكسه من خلال أعماله الفنية على الكانفس. يمكن الاستمتاع بالفيديوهات على حد سواء كعمل مستقل وكصوت جماعي لفيديوهات من سوريا. وكانت الفيديوهات التي صُوِّرتْ باستخدام الموبايل الشكل المثالي للتعبير الفني القادم من سوريا في السنوات الماضية التي تعبر عن مئات الآلاف من عيون وأيدي سوريين قاموا بتصوير وتوثيق ما يحدث في البلاد إلى ما لا نهاية. كل إطار من "بيكسل سوريا" هو تكريم حي للجيل الذي وجد الحرية في النظرة المرتعدة لأجهزة موبايلاته إذا لم تكن بعد قد أصبحت في حياتهم اليومية. إن "سوريا خارج الإطار" لم يكن ليرى النور من دون الشبكة الإنسانية الرائعة التي دعمته على الصعيد العالمي. هناك بشر وراء الـ 140 كانفس التي عبرت نقاط التفتيش من عدة جهات وأطراف لتجلب لنا هذه الأعمال الفنية. لقد مروا بأصعب الظروف ليقدموا هذه المصغرات الثمينة الأغلى من أثمن الكنوز لأنها تجلب الحياة. في بعض الأحيان لم نكن ناجحين، إن الكانفس "ملغى" المعروضة تذكرنا بأولئك الذين لم يتمكنوا من الحضور والذين لم يتمكنوا حتى من إرسال أعمالهم الفنية بسبب الظروف الصعبة التي يعيشون فيها. الحيوات المصغرة التي تتبرعم من الـ 140 كانفس توثق كلها سوية البحث عن المكان الآخر على حافة الإطار. سوريا من خارج الإطار، التي هي هناك بمكان آخر تنتظر من يكتشفها ويسمعها ويراها ويتحدث عنها. هذه المادة هي نص الكلمة التي ستقدم بها دوناتيلا ديلاراتا لمعرض Imago Mundi والذي يضم أعمالاً فنية لمائة وأربعين فناناً سورياً، من مختلف الخلفيات والأجيال. "سوريا خارج الإطار"، مشروع فني رعته دوناتيلا ديلا راتا في إطار مجموعة لوسيانو بنيتون "إماغو مندي" التي تهدف إلى رسم خريطة للفن العالمي الجديد، تشمل أكثر من ٤٠ بلداً عبر القارات الخمس. وفي هذا العام تقدم "خريطة الفن الجديد"، التي تفتتح في البندقية في Fondazione Giorgio Cini في ١٣ آب\أغسطس وسيستمر المعرض حتى ١ تشرين الثاني\نوفمبر، حيث ستقدم أعمال من عدة بلدان من بينها سوريا، وكل الأعمال تقع في قياس ١٠ X ١٢ سم يجسد مشروع إماغو مندي. المصدر جدلية