إيران بين الأقوال والأفعال!


د. عبدالله خليفة الشايجي

منذ سنوات أصنف العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والجار الصعب إيران على أنها حرب باردة بفصول ولاعبين ووكلاء، على رقعة شطرنج المنطقة. ونرى تجليات تلك الحرب الباردة ورقعة الشطرنج تلك خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحتى في محاولات استهداف بعض دولنا الخليجية.

وقد علقت في عشرات المقالات والندوات والمؤتمرات خلال السنوات الماضية على تناقض إيران، وأسباب عدم الثقة بسياستها وتصرفاتها غير المسؤولة. وبالتأكيد فإن طهران لا تطمئننا في دول مجلس التعاون بسياستها التي لا تخلو من تناقض، برفع شعارات حول جنوحها للسلم والتعايش والمودة، وهو ما لا يسنده الواقع المعيش لما فيه من تدخل وتحرش وتجسس عبر خلايا اكتشفت منذ سنوات في البحرين والكويت، وكذلك المشاكسة والبلطجة على الكويت في حقل الدرة المشترك الغني بالغاز في مياه الخليج العربي، الذي يقع معظمه داخل المياه الإقليمية الكويتية والسعودية. والمثير للقلق هو النجاح في توظيف عملاء ووكلاء عرب لخدمة مشروع طهران التدخلي الإقليمي، وسعيها للسيطرة على أربع عواصم عربية، مع التخطيط للمزيد من التمدد. وقد رأينا ذلك منذ توقيع الاتفاق النووي في البحرين والكويت، عبر تدخل مستفز وخلايا تتخابر وتتدرب وتتسلح من «الحرس الثوري» في إيران و«حزب الله» اللبناني، وتنفذ عمليات إرهابية في البحرين أدت لسقوط شهداء من قوات الشرطة البحرينية. وكذلك تفكيك خلية إرهابية تُعرف في الكويت بخلية «حزب الله» أو «خلية العبدلي»، وتتكون من ستة وعشرين شخصاً جميعهم كويتيون باستثناء إيراني واحد، وهي الأكبر والأخطر والأكثر تسلحاً، بعشرين طناً من الذخيرة، أي ما يكفي جيشاً كاملاً. وقد اتهمت النيابة العامة الكويتية الخلية بالتخطيط لارتكاب أعمال عدائية وجرائم تمس بوحدة وسلامة دولة الكويت، وكذلك تلقي التدريب، والتنصت، والتخابر مع إيران و«حزب الله» اللبناني، للقيام بأعمال عدائية ضد الكويت.

لقد هال هذا الحدث الخطير المجتمع الكويتي بجميع أطيافه وزاد من التخندق الطائفي، وقد نجحت الكويت في رمضان الماضي في التغلب على محاولة زرع الفتنة بعد تفجير مسجد للطائفة الشيعية في الكويت أثناء أداء صلاة الجمعة. غير أن الوقوف في مواجهة ذلك الحادث وحّد الشعب تحت قيادة سمو أمير دولة الكويت، ما منع وقوع فتنة طائفية خطيرة. ولكن تفكيك الخلية الإرهابية الكويتية أعاد الأمور إلى الوراء أكثر ودفع الكويت على خطوط صدع طائفية نرى أبعادها في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مزيد من التشكيك في إيران ونواياها ومن يواليها، وخاصة بعد ظهور أنباء عن ضلوع دبلوماسيين في السفارة الإيرانية في الكويت وشخصيات معروفة في نشاط الخلية الإرهابية.

والخطير في الخلية الإرهابية الكويتية هو استمرار إيران على نهجها في دعم القوى والمليشيات المسلحة والخلايا والشبكات التي تهدد أمن واستقرار جيرانها. وكذلك قدرة إيران على تجنيد مواطنين من دول أخرى يخططون للإضرار بمصالح وأمن بلادهم وشعوبهم. والصادم أكثر في الخلية الإرهابية الكويتية أنها تتكون من 25 كويتياً وإيرانيا، وبينهم رجال أمن! وينبغي أن أذكر أيضاً أنها ليست المرة الأولى التي يكون فيها لإيران مخطط معادٍ للكويت، حيث اكتشفت وفككت في عام 2010 خلية تجسس من عسكريين وآخرين، وتمت محاكمتها وأدينت في عام 2011، وأثبتت التحقيقات ضلوع دبلوماسيين في السفارة الإيرانية في الكويت، وتم طردهم وردّت طهران بطرد ثلاثة دبلوماسيين كويتيين.

وقد كنا ممن توجسوا من أن الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع القوى الكبرى سيعزز هامش الثقة والجرأة لدى صناع القرار في طهران لتوظيف الرضى الدولي، وفي ظل إعادة دمج إيران في المجتمع الدولي ومنحها مليارات الدولارات من الأرصدة المجمدة، وزيادة إنتاجها من النفط بحوالي مليون برميل يومياً، ما يزيد دخلها ويسمح لها بدعم حلفائها ووكلائها لتوسيع مشروعها، لتتحول إلى دولة محورية ومرجعية أولى في شؤون الأمن والسياسة الإقليمية، وصولاً إلى تقديم نفسها على أنها الدولة التي يُطلب منها أن تحارب الإرهاب، على رغم تصنيف الولايات المتحدة لإيران نفسها منذ أكثر من ثلاثة عقود على أنها هي الأولى الراعية للإرهاب في العالم.

إن دور إيران في زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وتهديد دول مجلس التعاون، يعتبر من المحاور الرئيسية التي من المفترض أن يكون قد ناقشها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في لقاء القمة مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي.. وخاصة أن التطمينات الأميركية، في كامب ديفيد وزيارات وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين والقيادات العسكرية الأميركية لدول مجلس التعاون، لا يُسندها غض النظر الأميركي عن السياسة الإيرانية بما فيها من تدخل ومحاولات زعزعة لأمن المنطقة، وتهديد مصالح دولها، ومصالح واشنطن أيضاً. وسنبقى نكرر أننا نحكم على إيران بالأفعال وبما تقوم به وليس بما تكرره من أقوال وزيارات طمأنة من قبل ظريف وتصريحات روحاني.. ولنا عودة، إن شاء الله.

المصدر: الاتحاد الإماراتية