ليس من أجل الأسد وحده
15 سبتمبر، 2015
عاصم عبد الخالق
قد يمثل الدعم الروسي الجديد لسوريا بالمعدات والخبراء العسكريين تحولاً مهماً في شكل الصراع وحجمه والتوازنات القائمة بين المتحاربين. وقد يكون لمثل هذا التطور تداعيات ونتائج تفضي إلى اتساع نطاق النزاع وتؤدي إلى مزيد من التدويل والتعقيد للأزمة. ومع ذلك فإن التدخل الروسي الأخير لم يكن مفاجئاً، ولم يستقبله الغرب بدهشة حتى لو سارع بإدانته.
ثمة دوافع وأسباب عدة تشجع روسيا وربما تجبرها أيضاً على زيادة تورطها العسكري في الأزمة السورية التي لم تغب عنها منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب قبل أربع سنوات. وليس من الصعب رصد هذه الدوافع والأسباب وهي كلها تصب في تحقيق هدف مزدوج هو الحفاظ على النظام السوري الحليف، على الأقل في هذه المرحلة، والحفاظ على المصالح والنفوذ الروسيين في سوريا.
من أجل ذلك ترى موسكو أن وجودها العسكري في الأراضي السورية في الوقت الراهن ضرورة حيوية، وهو يحقق لها عدة مكاسب مرحلية تخدم في النهاية مصالحها الاستراتيجية العليا على المدى البعيد.
حتى الآن تتمسك روسيا ببقاء بشار الأسد. ومع ذلك فإن الحسابات الروسية لا تستبعد التضحية به في مرحلة لاحقة إذا لم يكن ذلك على حساب مصالحها. وهي لذلك ترى أن وجودها العسكري القوي والفاعل في سوريا سيكون مفيداً إما لدعم الأسد وبالتالي بقاء هذا الحليف القديم، وإما للمشاركة في أي تسوية محتملة تحدد شكل ومستقبل الحكم في سوريا بعد رحيل الأسد أو في وجوده.
ومن الواضح أن التطورات الميدانية الأخيرة في سوريا هي ما دفعت موسكو للإسراع بإرسال المعدات والقوات إليها حيث منيت القوات الحكومية بهزائم متتالية وفقدت السيطرة على مناطق جديدة أهمها إدلب في الأسبوع الماضي. ولم تعد تسيطر على أكثر من 30 % تقريباً من الأراضي السورية.
فرض هذا الواقع الجديد نفسه بقوة، أجبر روسيا على التدخل في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أي دعم صمود النظام. وإذا كان الوقت قد تأخر لتحقيق هذا الهدف، فما زال هناك متسع لصياغة نظام الحكم الجديد. وبالتالي ففي الحالتين يجب أن تكون روسيا هناك بقواتها وهو ما شرعت في تنفيذه.
يراهن الكرملين أيضاً على تحقيق مكسب آخر، فمن خلال الدعم العسكري للنظام وتمكينه من استعادة بعض الأراضي التي خسرها، سيتم إضعاف موقف المعارضة التي ستضطر عندئذ إلى خفض سقف مطالبها بالتخلي عن شرط تنحي الأسد، ومن ثم التفاوض على أسس واقعية تعترف بوجود النظام الحالي كجزء من الحل وليس سبباً للمشكلة.
السيناريو المعاكس أي سقوط النظام يظل مطروحاً أيضاً. وفي هذه الحالة لابد أن تكون روسيا حاضرة للمشاركة في الترتيبات العملية. ومثل تلك الترتيبات قد تعني مشروع تقسيم تحت أي مسمى وليكن الكونفيدرالية السورية على سبيل المثال. وفقاً لهذا الطرح سيتقلص وجود النظام إلى دويلة مذهبية غرب نهر العاصي ستكون هي كل نصيب الأسد في سوريا. وفي هذه الحالة سيتعين على روسيا حماية الكيان الجديد وأياً كان الاسم الذي سيطلق عليه باعتباره منطقة نفوذها المتبقية.
البعد الدولي أيضاً ليس غائباً عن تفكير الكرملين حيث يرصد القادة الروس مؤشرات قوية على توغل تركي محتمل وربما تدخل عربي في وقت لاحق، وعلى توسيع نطاق التدخل الغربي خاصة بعد أن قررت فرنسا الانضمام إلى الطلعات الجوية فوق سوريا، وفي ظل الاتجاه الأمريكي لزيادة الدعم العسكري للمعارضة. بسبب هذه التطورات الجارية أو المحتملة سارعت روسيا بفرض وجودها على الأرض لتفرض أمراً واقعاً جديداً على كل اللاعبين الدوليين والإقليميين المنخرطين في الأزمة.
ولا يغيب عن واضعي السياسة الخارجية في موسكو أن وجوداً عسكرياً فعالاً لبلادهم في سوريا سيفيد كثيراً في المواجهة الباردة المحتدمة مع واشنطن لاسيما منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. وسيكون الوجود الروسي في سوريا إحدى أوراق الضغط والمساومة المفيدة للرد على العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو بعد ضمها شبه جزيرة القرم.
يضاف إلى كل ما سبق أن روسيا لا تستطيع بسهولة الاستغناء عن سوريا ليس فقط لوجود قاعدتها البحرية المهمة في طرطوس، وليس بسبب الاستثمارات والصفقات العسكرية المربحة فحسب، ولكن أيضا لأن سوريا هي آخر موطئ قدم لروسيا في الشرق الأوسط بعد أن خسرت نفوذها في ليبيا والعراق.
وفي ظل حالة الضعف أو الارتباك والتردد التي تنتاب السياسة الخارجية لإدارة أوباما فليس أفضل من الوقت الحالي لاتخاذ قرار مهم مثل إرسال تعزيزات وقوات إلى سوريا من دون أن تخشى عواقب إغضاب الخصم الأمريكي، ومن دون أن تخاطر بتحمل ردود فعل حادة أو عواقب وخيمة.
وكما علق ساخراً جيف رايت المحلل السياسي السابق في الاستخبارات العسكرية الأمريكية، بقوله «كل ما هناك أن إدارة أوباما ستعلن أنها تدرس المشكلة، ثم ترسل وزير الخارجية للقاء نظيره الروسي ( تحدث إليه هاتفياً بالفعل) بعد ذلك تهدد بعقوبات، ثم تصل إلى استنتاج هو أن ما تفعله موسكو الآن لا يختلف عما قامت به من قبل، كما أن سوريا دولة ذات سيادة. ولا شيء بعد ذلك».
ويبدو أن الروس يدركون ذلك جيداً وبالتالي فقد وجدوا الفرصة مواتية ولم يترددوا في اقتناصها.
المصدر: الخليج الإماراتية
“ليس من أجل الأسد وحده”