معتقلان يرويان رحلتهما مع الاختطاف في مدينة الفوعة

حلب: ميكروسيريا

تقع بلدتي كفريا والفوعة الخاضعتين لسيطرة الميليشيات الموالية للنظام في مناطق جغرافية متداخلة مع مناطق سيطرة الثوار شمال مينة إدلب، وكان الكثير من المدنيين خاصةً الغرباء عن المنطقة يضلوا الطريق وخاصة قبل سيطرة “جيش الفتح” على مدينة إدلب قبل خمسة أشهر.

وكانت الميليشيات التي تسيطر على البلدتين تسعى لاصطياد الكثير من الناس، ووضعهم كرهائن عندهم من أجل التفاوض على أسرى لهم، وكسب المال.

“ميكروسيريا” اجرت حواراً مع “راجي محمود راجي” أحد الأشخاص الذين وقعوا في أسر الميليشيات الطائفية في بلدتي الفوعة وكفريا، وتم الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل أسرى أجرتها جبهة النصرة مطلع هذا الشهر أيلول-سبتمبر، ليتحدث عن طريقة أسره ومعاملة الميليشيات الطائفية له وماذا شاهد وعاين أثناء أسره من حالة أهالي بلدتي الفوعة وكفريا، وكيف تم إطلاق سراحه.

لو تحدثنا عن الظروف التي وقعت فيها بالأسر.

أنا من مدينة “الأتارب” في ريف حلب وقعت في أسر الميليشيات الشيعية مدة عشرين شهراً، كنت في زيارة عند أحد الأصدقاء في قرية قرب مدينة “معرتمصرين” في ريف إدلب، وكان يومها وقفة عيد، وعند عودتي متأخراً، وأنا على دراجتي النارية ضللتُ الطريق، ودخلت في طريق يؤدي إلى قرية “كفريا الشيعية”، تم إطلاق النار باتجاهي دون أي إيعاز مسبق، لأنهم كانوا منتشرين بين أشجار الزيتون، مما أدى الى إصابتي في ساقي، وهنا وجدت نفسي ملقىً على الأرض ومحاصر بالمسلحين، ولم يكن لدي إلا خيار الاستسلام.

قاموا بإسعافي إلى مشفى في بلدة “الفوعة” وبقيت أربعة أيام هناك، وبعدها مباشرة نقلوني إلى السجن في وسط البلدة، وهنا بدأت رحلة العذاب.

ماهي أساليب التحقيق التي اتبعوها معك، وبماذا اعترفت؟

المحقق لم يأبه لوضعي الصحي المتردي، حيث بدأ يركلني بالبوط العسكري على رأسي بكل قوة، وعلى ساقي المكسور، ويكيل لي كل أنواع الشتائم والسباب والألفاظ النابية، ويهددني بأنه سوف يسكب عليها مادة الأسيد الحارقة، بالإضافة الى تهديدي بالكهرباء، وأحضروا “البانسة” لقلع شعري وأسناني وأظافري.

لم أحتمل العذاب، فقلت له: “ما هي طلباتك؟ أنا جاهز للإدلاء بأي اعتراف تريده”.

تهمتي التي لُفّقت لي كانت جاهزة، وهي أنني أقوم بمهمة استطلاع، وقال لي: “أنت من جبهة النصرة الإرهابية، وأنت في مهمة استطلاع، ومسلح”.

قلت له: “نعم وأخ لشهيدين”، وكنت على استعداد لأن أقول له ما يريد في سبيل الكف عن تعذيبي، فهو كان المحقق، والقاضي، والجلاد.

كانوا يجبروني على المشي على ساقي المكسورة، وجرحي لم يلتأم بعد، ويخرج منه القيح والصديد، كانوا وحوشاً بهيئة بشر، قلوبهم منزوعة منها الرحمة والإنسانية، فعندما نسمع صوت القصف كنا نتمنى سقوط إحدى القذائف على مكان احتجازنا لأن الموت أرحم من عذابهم لنا في كل يوم.

لا زال “راجي” يحدثنا، وهو ممدد على سريره، فيدخل علينا شاب كان نزيلاً مع راجي في سجنه، وقد خرجوا معاً في عملية التبادل.

لو تعرفنا عن نفسك وتقص علينا قصتك مع زميلك في المعتقل “راجي”.

إسمي “ياسر حسن الأسود” من بلدة “حزانو” في ريف إدلب، أعمل في مزرعة متاخمة لأراضي بلدة “الفوعة” في بلدة “زردنا”، وبينما أقوم بعملي كالمعتاد في الأرض، وذلك نهاية عام (2013)، وجدت نفسي أمام مسلحين قد أشهروا سلاحهم في وجهي من بعيد، ونادوني طالبين منّي التقدم باتجاههم، فقمت بذلك، وعندما شاهد “أبو صطيف العمر”، الرجل الذي أعمل عنده، هذا المشهد اقترب ليتبيّن حقيقة الأمر، وهو من سكان بلدة “زردنا”، فاقتادونا معاً الى السجن، وبدأوا بالتحقيق معنا عن المسلحين، وعددهم، ومكان مقراتهم، وأسلحتهم، أذاقونا خلال التحقيق كل صنوف العذاب.

نُشر على وسائل الإعلام بأن الميليشيات الشيعية في الفوعة وكفريا يستخدمون المعتقلين كدروع بشرية، إذ يضعونهم ضمن أقفاص ويضعونهم على أسطح المنازل، حتى يتوقف جيش الفتح عن رميهم بالقذائف، ويقولون: “اقصفوا ما شئتم فلن تقصفوا إلا أسرانا من أبنائكم المسلحين”، هل هذا الكلام صحيح؟

لم نسمع ولم نر شيء من هذا القبيل، ربما كانوا يكذبون، لو كانوا صادقين كان من المفروض التعريف على الأسير من خلال هويته، وصورته الحقيقية، وهو في القفص، أما من وضعوه في القفص، ونشروا هويته، وهو مقنع، على أنه من بلدة ” طعوم”، نحن من خلال وجودنا في السجن لم نسمع أن هناك سجينا من بلدة “طعوم”، التي هي قريبة من بلدة “الفوعة” الشيعية.

كيف كانت معنويا المحاصَرين في البلدتين؟

كان تحرير مدينة إدلب بالنسبة لهم كارثة حقيقية، إذ لم يتوقعوا يوماً أن إدلب ستتحرر، ويضيق الخناق عليهم بعد وقوفهم إلى جانب النظام، فبعد تحرير إدلب بدأوا يكيلون الشتائم واللعنات على الأسد لأنه تخلى عنهم، ولم يخبرهم بأنه غير قادر على حمايتهم، فكان من باب أولى خروجهم قبل السقوط، لذلك معنوياتهم منهارة تماماً، نرى الحراس يبكون، ويعتبرون أن النظام قد تخلى عنهم وباعهم بأرخص الأثمان.

كيف هو الوضع المعيشي داخل البلدتين وأسعار المواد؟

باعتباري كنت طباخاً في السجن، فقد كنت أسترق السمع عن وضعهم المعيشي، فعندهم اكتفاء ذاتي لبعض المواد من خلال الأراضي التي يعملون فيها، وكانوا مستعدين لهذا أمر، إلا أن بعض المواد أسعارها لا تصدق، وعلى سبيل المثال: كيلو من التبغ غير المعلب يباع بستين ألف ليرة سورية، وعلبة السجائر من النوع الأجنبي تباع بخمسة آلاف ليرة سورية، وكذلك كيلو البندورة بألفين وخمسمئة ليرة، حتى أن ثلاث قطع من الخيار تباع بتسعة آلاف ليرة سورية.

أما بالنسبة لمادة المازوت عندهم مخزون واحتياطي بدليل، عندما جرت مفاوضات وكان الحديث يدور حول إمكانية خروجهم من البلدة، قاموا بالتخلص من المازوت المخزّن في المصارف الصحية، حتى لا يقع بأيدي الثوار ويستفيدون منه، وسمعت أحدهم يقول: “أنا أخسر على بيتي خمسة لترات مازوت، وأحرقه، ولا أترك أحد يستفيد منه”.

كانوا يعيشون على أمل الخلاص خلال أيام وفك الحصار عنهم عن طريق المفاوضات، وكان في كل يوم على أقل تقدير يقتل أربعة أو خمسة أشخاص منهم، ويقولون بأن النظام قد باعنا، وإيران، والحزب، لكن هذا طريقنا واخترناه.

كيف تمت المفاوضات حتى خرجتم من الأسر؟

جرت أكثر من محاولة من أجل إطلاق سراح الرهائن، لكنها في اللحظات الأخيرة تفشل، إلى أن كان التفاوض على أسير عند جبهة النصرة، له وزنه عند النظام، هو أخ لقاضي في محكمة النقض عند النظام، ومن خلاله تمت عملية التبادل لثلاث رهائن وهم: راجي، وياسر، ومعنا الأسير الثالث شاب معاق عقلياُ “منغولي” من مدينة “بنش”، اسمه “علاء محمد طالب حامدي”.

من شدة الغلاء الذي يعشونه في بلدتي الفوعة وكفريا، المفاوِض الذي سعا في صفقة التبادل ويقال له “أبو حسين”، من بلدة “الفوعة ” اشترط قبل تسليم الرهائن أن يكون له خصيصاً “كروزان” من السجائر وعلبة “متة” وكيلوان سكر لقاء أتعابه.

أخبار سوريا ميكرو سيريا