الروس الذين سيأتون بالدب من ذيله

حكم البابا بنفس حجم ونوع الدعاية التي جاءت بها إيران والمليشيات الشيعية الأفغانية والعراقية، ومن قبلها مليشيا حزب الله، أتى الروس إلى سورية، أسراب الطائرات التي ستغطي سماء سورية بحيث لن يرى أهلها الشمس من كثافة عدد الطائرات التي ستملؤها، الدبابات المتطورة التي لا يهمها جبل أو سهل وتدور في أرضها وتقلب على قفاها من فرط نشاطها، والقاذفات المرعبة التي أحرقت غروزني ستحرق الأخضر واليابس في سورية، والجنود المستميتون للموت من أجل زجاجة فودكا وليس حورية في الجنة، وبوتين في أحلى صوره وهو ينفخ صدره ويضرب عليه مثل كينغ كونغ، مطلقاً صرخته المهولة، ولافروف وقد تمزقت ملابسه وخرج منها الرجل الأخضر هالك نفسه. لنتذكر أن نفس الطباق والجناس والمحسنات البديعية وأفعال التفضيل استخدمت كلّها عندما جاء الإيرانيون إلى سورية، الفاتح قاسم سليماني وفيلق القدس الذي لا يقهر وآيات الله كلهم يعتبرون وقوفهم مع بشار الأسد معركة حياة أو موت، ولا شك أن إيران وريثة الدهاء الفارسي ولعبة الشطرنج والسجاد التبريزي والملف النووي والجنود الذي لبسوا الأكفان في المعركة مع العراق سيحسمون المعركة وينهون الثورة السورية، واليوم بعد أربعة أعوام على شراكتهم للأسد الصغير ماذا حصل؟ ألم ينته بهم الأمر للجلوس على طاولة مفاوضات مع فصيل صغير من فصائل الثورة السورية العسكرية لمفاوضته، ليتساوى من حيث الحجم والتأثير ورثة دولة الشاهنشاه وحملة العمائم السود ورايات ياحسين، مع شباب حفاة عراة يدافعون عن حريتهم وأرضهم؟ ثم أين أبو خنصر وأبو بنصر العراقيين الذين جاؤوا بدعاية ضخمة على أساس أنهم شاربي دماء على الفطور، وآكلي قلوب على العشاء، ومابين الوجبتين يتسلون بكبد أو طحال أو لسان، بعد سنتين من قتالهم لصالح الأسد الذي يعيش في العناية المشددة على السيرومات وأكياس الدم والمسكنات منذ العام الثاني للثورة؟ نعم أحرقوا مدنيين واغتصبوا نساء وانتصروا على عزّل، ولكن ما الذي أضافوه للأسد سوى مزيد من المدن المدمّرة والبلدات المهدمة والقتلى المدنيين؟ وهل زادت المساحة التي كان يسيطر عليها جيش بشار الأسد ومليشياته قبل وصولهم أم تقلصت إلى النصف؟ هذا ينطبق أيضاً على حزب الله، الذي جاء إلى سورية ظاناً (بالنظر إلى قدراته وسمعته وانتصاراته) أنه يقوم بشمة هوا تتضمن عرضاً عسكرياً يستعرض فيه مهاراته في النط على الحبال مثل قرود السيرك، ومجاراة سبايدرمان في تسلق الجدران، ومنافسة عبدة الشيطان في ارتداء الملابس السود، وفي ذهن زعيمه حسن نصر الله أنه لن يمضي شهر إلاّ وسيصاب بتسلخٍ تحت إبطيه من كثرة رفع يديه والتلويح لجماهيره في الخطابات الكثيرة التي سيلقيها احتفالاً بنصره في سورية، فما الذي حدث بعد أكثر من عامين من حربه ضد الشعب السوري وثورته، وانتصاراته عليهم في القصير والقلمون؟ هل القصير هادئة اليوم؟ وهل يستطيع أن يقول أنه ينام مرتاحاً لأن القلمون في جيبه؟ وإذا كان كما قال يوم الجمعة الماضي يستطيع أن ينهي معركة الزبداني فلماذا لم ينهيها؟ ويفتح معركة أخرى ليفاوض مقابلها على الفوعة وكفريا؟ وهل حسن نصر الله الذي وعد جماهيره بالنصر في خطاباته المتكررة عند بدأ معركته ضد السوريين المطالبين بحريتهم، هو نفس حسن نصر الله الذي ظهر يوم الجمعة الماضي على شاشة المنار ليرحب بقدوم الروس، ويحلل ويتنبأ بأنهم سينهون الثورة السورية؟ ألم يقل سابقاً أنه سينهيها هو، وكان يرفع إصبعه مهدداً ويمسح العرق عن جبينه بمعدّل مرّة في الدقيقة من فرط حماسته وإيمانه وثقته بانتصاره على الشعب السوري، فيما جمهوره يتفاعل معه ويصفق له ويطرب لوعوده التي يبذلها وآماله التي ينسجها، والتي لم يتحقق منها سوى عودة مقاتليه الغزاة إلى أهاليهم في توابيت، واليوم يعهد صاحب "الانتصارات الإلهية" بهذه المهمة للروس بكل بساطة متناسياً أطناناً من الوعود التي بذلها لجمهوره! نعم أخّر دخول الإيرانيون والمليشيات الشيعية العراقية والأفغانية ومليشيا حزب الله سقوط بشار الأسد، هذه حقيقة لا أحد يجادل فيها، ولكنهم يعرفون أن المسألة مسألة وقت وأنهم لن يستطيعوا في النهاية منع سقوط نظامه وانقضاء حكمه، وهم يعرفون أكثر من أي أحد أن مشروع الهلال الشيعي الذي كان أول من كشفه علانية الملك الأردني عبد الله، والذي يصل إيران بالبحر المتوسط قد فشل فشلاً أخيراً ونهائياً، وأن دولة مليشيا حزب الله اليوم بدأت مرحلة الانحلال والتلاشي، ومعركتها مع إيران ومليشيات أبو سبابة وأبو إبهام العراقية في سورية هي معركة يائسة، وأن الأسد يقضي فترته الأخيرة في حكم ما تبقى تحت سيطرته من سورية كما لو أنه يراقب شمعة تذوب ولا يستطيع حتى النفخ لإطفائها، وأن أسطورة الرعب الروسي ستنتهي فعلياً بعد أشهر من دخولهم الحرب، وسنشاهد بوتين ولافروف في دور ريا وسكينة بدلاً من كينغ كونغ وهالك! نعم القتل سيزداد والضحايا ستتضاعف أعدادهم، والحرب ستطول، لكن الثورة ستبقى مستمرة، ليس لأن السوريين شعب ثائر بطبيعته، وهاوي مازوخية يتلذذ بإلحاق الأذى بنفسه، أو لأني أريد أنا وغيري لهم أن يستمروا في القتال، ولكن لأنهم بشر يعيشون هنا في هذا المكان من العالم، ويدافعون عن أرضهم وأهلهم وبيوتهم وحريتهم، وليس لديهم مكان آخر يعودون إليه مثل الغزاة الإيرانيين والروس والمليشيات الشيعية العراقية والأفغانية وحزب الله، ولأنه لا يوجد أمام السوريين حل آخر غير الاستمرار في الثورة، أو الاستسلام والعودة إلى حياة الذل والعبودية، خاصة وأن بشار الأسد قال قبل أيام أنه لا يوجد حل سياسي في سورية. كما تواطأ كل العالم الغربي مع بشار الأسد وهو يقتل شعبه، ورفضوا بوقاحة أقرب إلى الشراكة في الجريمة إنشاء منطقة عازلة لحماية الناس من القتل، وسكتوا عن دخول المليشيات الشيعية العراقية والأفغانية وحزب الله والمعدات والخبرات العسكرية الإيرانية، يساهمون اليوم في خلق أسطورة التدخل الروسي الذي سينهي الثورة السورية وتضخيمها كجزء من الحرب النفسية لإرهاق السوريين أكثر وأكثر، مع بعض الإدانات الخجولة التي تشبه أكثر ما تشبه ممانعة العاشقة للعاشق من تقبيلها، فالكل خائف من القادم الذي لا يعرفونه في سورية، وبرأيهم العدو الذي تعرفه أفضل من العدو الذي لا تعرفه، فكيف إذا لديهم صديق دائم ومخلص ووفي كبشار الأسد، طوال حكمه كان يحمي مصالحهم، ويتحرش بهم في المنطقة المسموح اللعب فيها، لكنه لايتجاوز حدوده أبداً. أنا لا أبيع أملاً كاذباً أو أدلّ عطشاناً إلى سراب باعتباره ماء، ولكن النظر إلى أربع سنوات ونصف من الثورة في سورية، والمساحات التي حررها الثوار وطردوا منها جيش ومليشيات بشار الأسد، وإخفاق المليشيات الشيعية العراقية والأفغانية ومليشيا حزب الله، والخبرات والسلاح الإيراني، والمعدات الروسية، لم تفلح في تغيير المعادلات في سورية، ولم تمنع تحرير مزيد من المدن والبلدات على أيدي الثوار، والأماكن التي انتزعت منهم حرروا أضعاف أضعافها، واستعادوا بعضها، والحرب لن تنته بعد، وأقصى ما يمكن أن يضيفه التدخل الروسي إلى بشار الأسد، هو تأخير تحرير دمشق وحمص وحماه، وصنع دويلة علوية على الشريط الساحلي لسورية وحمايتها، ولذلك اختاروا أمكنة بناء قواعدهم فيه، وهي دويلة إن قامت محكومة بالفشل والذوبان في محيط واسع تعاديه ويعاديها، حتى لو حماها ليس الروس وحدهم، بل ومعهم كل غزاة العالم!